تستمر الهدنة الهشة في قطاع غزة وسط جمود في مباحثات المرحلة الثانية، التي تشهد عرقلة اسرائيلية بحجة عدم تسليم حركة "حماس" جميع رفات الإسرائيليين الذين كانوا محتجزين لديها، وذلك على الرغم من مواصلة الأخيرة الحفر والبحث عن الجثث المفقودة وسط الدمار الهائل في مختلف أنحاء القطاع المنكوب. وأمس سلمت "كتائب القسام" جثتي أسيرين إلى الصليب الأحمر الدولي فيما لا يزال العمل متواصلًا لإيجاد 13 جثة أخرى وسط نقص حاد في المعدات والآليات التي تمنع اسرائيل دخولها وتهدد بين حين وأخر بعودة الحرب وتضغط في كل اتجاه من أجل عدم الالتزام بإتفاق وقف النار المبرم، تمامًا كما هو الحال في لبنان.
و"لبننة" اتفاق غزة يعني اعطاء اسرائيل لنفسها الذرائع والحجج لتنفيذ ضربات وهجمات كلما ارتأت ذلك مستغلة الدعم الأميركي اللامتناهي والذي برر مؤخرًا خرق الاتفاق بحجة دفاع تل أبيب عن نفسها. هذا وتستمر القوات الاسرائيلية بإحتلال أجزاء شاسعة من القطاع، لاسيما أن "الخط الأصفر" يقسم حاليًا غزة إلى قسمين، غربي حيث المناطق التي تسيطر عليها "حماس" ويكتظ بها أكثر من مليوني شخص، ومناطق شرق الخط ولا تزال خاضعة لسيطرة الاحتلال، ويوجد بها آلاف السكان فقط. ولم يستطع الاتفاق الذي دخل حيّز التنفيذ أوائل الشهر الحالي في حلحلة القضايا الانسانية مع تحكم اسرائيل بكمية المساعدات وأنواعها وفرض رقابة شديدة على المنتجات التي تدخل ناهيك عن تحكمها الكامل بالمعابر. وهذا الواقع المُعقد، يبدو أنه سيستمر في الوقت الراهن في حين يجهد الوسطاء، لاسيما مصر وقطر، لدفع الاتفاق قدمًا وايجاد أرضية مشتركة لحل القضايا العالقة وأهمها ما يتعلق بإعادة الإعمار.
هذا وكان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تلقى، أمس الخميس، اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، جرى خلاله بحث المستجدات بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وبحسب البيان الصادر عن الخارجية القطرية، فقد أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري خلال الاتصال "ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لضمان التطبيق الكامل للاتفاق، بما يمهد للوصول إلى السلام المستدام والاستقرار المنشود في المنطقة". أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فلا يترك مناسبة إلا ويستغلها لتهديد "حماس" بعظائم الأمور وأخرها، أمس الخميس، حيث قال: "إذا استمرت "حماس" في انتهاك وقف إطلاق النار صراحةً، فستتعرض لهجمات عنيفة". وأضاف: "نحن نقرر، ونتحرك كلما دعت الحاجة إلى إزالة التهديدات المباشرة من قواتنا"، مشددًا على أنه "سيتم نزع سلاح الحركة وستُنزع أسلحة غزة". وتابع: "إذا فعلت القوات الأجنبية ذلك، فهذا رائع. وإذا لم تفعله هي، فسنفعله نحن". وهذا الكلام يأتي لشدّ العصب وتلافي الانتقادات الحادة التي وجهت اليه من قبل اليمين المتطرف الذي وصف اتفاق غزة بأنه انصياعٌ كاملٌ للأوامر الأميركية.
إلى ذلك، طفا على السطح الخلاف بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمستشار الألماني فريدريش ميرتس بشأن الممارسات الإسرائيلية واتهام حركة "حماس" بالإرهاب وانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. فخلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بين الجانبين، تبنى ميرتس السردية الاسرائيلية بالكامل، متمسكًا بحق تل أبيب بما أسماه "الدفاع عن النفس بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الإرهابي". من جهته، رفض أردوغان تصريحات المستشار الألماني، مذكرًا إياه باستشهاد نحو 60 ألفًا من الأبرياء في غزة واستمرار تل أبيب في حرب الإبادة والتجويع ضد الفلسطينيين، متسائلًا عما إذا كانت ألمانيا لا ترى ذلك؟". وهذا الاختلاف الحاد في وجهات النظر يتزامن مع تطابق في الرؤى بشأن سوريا والحرب الأوكرانية والحاجة إلى التعاون المشترك في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ودعم تركيا لأمن دول الاتحاد الأوروبي. في سياق متصل، ذكرت تقارير عبرية، أن الولايات المتحدة عارضت، خطة إسرائيلية لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، لافتةً إلى أنها "غير واقعية"، كما أنّ من شأنها التسبّب بزيادة احتكاك قوات الاحتلال بأهالي قطاع غزة.
وتتعمد تل أبيب تضييق الخناق على الفلسطينيين بشتى الوسائل، فمن التجويع إلى الاستهداف المباشر فالاعتقال والسيطرة الأمنية، على مرأى من العالم أجمع وسط عجز دولي يسمح لقوات الاحتلال والمستوطنين ايضًا في التنكيل بأهالي الضفة الغربية المحتلة. فالأوضاع المأساوية لا تقف عند حدود غزة بل تتعداها إلى ما يجري في المخيمات الفلسطينية في الضفة من تهجير ممنهج وحملات دهم وقتل بدم بارد. وفي المعطيات الأخيرة، إستشهد فتى فلسطيني إثر إصابته بالرصاص الحي، فجر اليوم الجمعة، خلال اقتحام قوات الاحتلال بلدة سلواد شرق رام الله في حين نفذ الجيش الاسرائيلي اقتحامات في نابلس وقلقيلية وبيت لحم ما أدى إلى اندلاع مواجهات مباشرة مع الفلسطينيين. وقد صعّد الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية خلال عامي الإبادة في غزة، مما أسفر عن استشهاد 1062 فلسطينيًا وإصابة نحو 10 آلاف آخرين، إضافة إلى اعتقال أكثر من 20 ألف شخص بينهم 1600 طفل.
"الخطر" الاسرائيلي الداهم يأتي على وقع تحذيرات من فتح تل ابيب جبهات جديدة – قديمة، ولاسيما في لبنان بظل التقارير والتسريبات اليومية عن استعادة "حزب الله" لقدراته العسكرية والتسليحية. وتضغط واشنطن من أجل دفع لبنان إلى مفاوضات مباشرة مع اسرائيل وضرورة نزع سلاح الحزب وبسط الدولة سيطرتها، في وقت تعيش البلاد أيام مفصلية واتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى لنزع فتيل الأزمة ووضع حدّ للخروقات الاسرائيلية المتصاعدة. وكانت مصر دخلت على خط الأزمة المستشرية عبر إرسال رئيس المخابرات حسن رشاد الذي التقى المسؤولين اللبنانيين الثلاث وسط محاولة من القاهرة لإرساء اتفاق بعد نجاحها في عقد قمة "شرم الشيخ للسلام" والتي أفضت إلى اتفاق غزة. و"نتائج" جولة رشاد لا تزال غير واضحة المعالم بظل التعقيدات الكبيرة التي تحيط هذا الملف على ضوء تمسك "حزب الله" بسلاحه ورفضه السير في إطار المفاوضات التي يعتبر البعض بأنه لا غنى عنها لمنع حرب جديدة.
وضمن هذا السياق، أفادت "هيئة البث الإسرائيلية" بأن "تل أبيب أبلغت الولايات المتحدة أنها ستواصل زيادة هجماتها في لبنان"، مضيفةً أن "الأميركيين يشعرون بالقلق من ردّ فعل الحكومة اللبنانية". ويأتي ذلك على وقع طلب الرئيس اللبناني جوزاف عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل تصدي الجيش لـ"أي توغل إسرائيلي في الأراضي الجنوبية المحررة، دفاعًا عن الأراضي اللبنانية وسلامة المواطنين". وهذه الخطوة التي تمثل تطورًا كبيرًا في طريقة تعامل لبنان مع الانتهاكات الاسرائيلية كان لا بدَ منها مع تمادي تل أبيب في هجماتها وتعديها الصريح على مؤسسات الدولة اللبنانية بعدما أقدمت قوات الاحتلال على التوغل بعمق نحو كيلومتر داخل الأراضي اللبنانية فجر الخميس في بلدة بليدا الحدودية، وإطلاق النار على موظف مدني في مبنى البلدية؛ ما أدى إلى مقتله وسط استنكار رسمي وشعبي كبير. بدورها، اعتبرت قوات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب، بأن "العمل الإسرائيلي شمال "الخط الأزرق" يشكل انتهاكًا صارخًا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 ولسيادة لبنان".
وترافقت هذه التطورات وتثمين "حزب الله" لموقف عون في أعقاب اجتماع للجنة "الميكانيزم" بحضور المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي طالبت الجيش بتنفيذ خطته لسحب سلاح "حزب الله" فوراً، مشيرة إلى معلومات تلقتها خلال وجودها في إسرائيل، تفيد بأن الحزب يعيد بناء قدراته في الجنوب. ويمكن اعتبار ذلك بمثابة تبرير أميركي لأي عدوان إسرائيلي واسع على لبنان، خصوصًا أن تل أبيب انتقلت من الضربات والهجمات بالمسيّرات واستهداف معدات إعادة الإعمار إلى سياسة التوغلات، ما ينذر بإمكانية تكرار هذه العمليات في مناطق أخرى وانفلات الوضع من عقاله. وكانت الساعات الاخيرة شهدت العديد من الانتهاكات والخروقات وأدت إلى جرح 3 أشخاص جراء غارات على مناطق متفرقة في جنوب لبنان بالتزامن مع تحليق مكثف لمسيّرات إسرائيلية على علو منخفض فوق العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية.
سوريًا، نقلت وكالة "بلومبيرغ" عن مصدر مقرب من الرئاسة الروسية تأكيده أن موسكو استأنفت الرحلات العسكرية إلى دمشق، وذلك بعد توقف دام نحو 6 أشهر. وهذه الخطوة التي جاءت بعد الزيارة التي قام بها الرئيس أحمد الشرع ولقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين حيث جرى خلالها مناقشة العديد من القضايا العالقة بين الجانبين وخاصة ما يتعلق بملف القواعد العسكرية. وهذه الترتيبات السورية تعكس وجود رؤية لدى الادارة الجديدة لتصفير المشاكل مع الدول بهدف الانطلاق نحو حلحلة القضايا الداخلية التي تدق ناقوس الخطر. وفي هذا الإطار، أكد وزير الخارجية الألمانية يوهان فاديفول، ضرورة محاسبة مرتبكي الانتهاكات في السويداء والساحل السوري، موضحًا أن مسألة إعادة مجرمي نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى سوريا، "تحتاج إلى نقاش مع الخارجية السورية". كلام الأخير جاء خلال مؤتمر جمعه بالرئيس الشرع في زيارة هي الأولى لفاديفول إلى دمشق، منذ توليه منصب وزير الخارجية الألمانية في أيار/ مايو الماضي.
أما في المشهد السوداني الغارق في الدم والفوضى، فقد أدان مجلس الأمن الدولي بشدة الهجوم الذي شنّته "قوات الدعم السريع" على مدينة الفاشر في إقليم دارفور، معربًا عن قلقه من الفظائع المبلغ عنها التي يتم إرتكابها ضد السكان المدنيين، بما في ذلك عمليات الإعدام بإجراءات موجزة، والاعتقالات التعسفية، والفظائع ذات الدوافع العرقية. ودعا المجلس جميع أطراف النزاع إلى الالتزام الفوري بوقف إطلاق النار، وتنفيذ أحكام القرار 2736، الذي يطالب "قوات الدعم السريع" برفع الحصار عن الفاشر. إلا أن هذه المناشدات لم تلق صدى طوال الفترة السابقة من القتل والحصار وسط غياب المبادرات الحقيقة لوقف حمام الدم الذي يحصد المزيد من الارواح وسط معاناة انسانية ومجاعة موثقة ومخاوف من التقسيم.
دوليًا، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه توصل إلى اتفاق مع الصين يقضي بخفض الرسوم الجمركية مقابل استئناف بكين شراء فول الصويا من الولايات المتحدة وضمان استمرار صادرات المعادن النادرة وفرض قيود صارمة على التجارة غير القانونية في مادة الفنتانيل. وجاء إعلان ترامب عقب لقائه المباشر مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية، في أول محادثات تجمعهما منذ 2019.
هذه المعطيات وغيرها تصدّرت عناوين وتحليلات الصحف الصادرة اليوم في عالمنا العربي. وهنا أبرزها:
تناولت صحيفة "الوطن" القطرية ما يجري في الفاشر السودانية حيث شددت على أن المدينة "ليست مجرد مدينة محاصرة؛ بل هي ساحة مفتوحة لتدهور إنساني لا يرحم. مئات الآلاف من السكان، بينهم نساء حوامل، أطفال، مرضى، وذوو احتياجات خاصة، يُحاصرهم الجوع والخوف، ويطاردهم الرصاص من كل الجهات. المستشفيات خرجت عن الخدمة، مخازن الأغذية نُهبت أو أُحرقت، والماء بات حلمًا في بعض الأحياء"، متسائلة أن "السودان ليس بلدًا غريبًا عن النسيج العربي أو الجغرافيا الإسلامية، فلماذا لا نراه حاضرًا بفاعلية في جهود الإغاثة؟ بل لماذا لا يُشكَّل تحرك جماعي عاجل، مستقل عن التجاذبات السياسية، تكون أولويته القصوى إنقاذ المدنيين، لا إعادة تقاسم النفوذ؟".
وتحت عنوان "لبنان بين ضغط النار وصمت الميكانيزم المريب"، تطرقت صحيفة "اللواء" اللبنانية إلى المشهد الداخلي، معتبرة أن "التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير في لبنان وغزة يتجاوز إطار الردود الميدانية التقليدية، ليشكل تحديًا مباشرًا للسياسة الأميركية نفسها في الشرق الأوسط"، مستنتجة أن "لبنان بين ضغط النار وصمت "الميكانيزم" المريب، يترقب ترجمة الوعود الأميركية بوقف العدوان واحترام القرار 1701، فيما تتسارع الأحداث على إيقاع حرب مفتوحة على شتى الاحتمالات. فإما أن تنجح واشنطن في كبح جماح تل أبيب وإعادة الانتظام إلى جبهة الجنوب، أو أن يجد لبنان نفسه مجددًا في قلب مواجهة لا يريدها، لكنه قد يدفع ثمنها وحده".
صحيفة "الجريدة" الكويتية، من جهتها، رأت أنه "ما بين المبادرات المصرية والأميركية والتصعيد الإسرائيلي، فإن لبنان وجد نفسه أمام خيارين، إما التصعيد والمواجهة، أو الدخول في مفاوضات من غير الواضح كيف ستتعاطى معها إسرائيل"، لافتة إلى أن "التطور بالموقف اللبناني، يندرج في إطار إما فقدان الأمل من الوساطات واعتبار أن إسرائيل اتخذت قرارها بتوسيع نطاق ضرباتها ولذا لا بد من اتخاذ موقف لبناني موحد يتصل بالتحضير لتحرك سياسي ودبلوماسي على مستوى دولي للمطالبة بالضغط على إسرائيل لوقف اعتداءتها، وإما أن يكون مرتبطاً بالتمهيد للمفاوضات من خلال توحيد الموقف لوضع الشروط التي يريدها لبنان في أي مسار تفاوضي سيتم فتحه".
(رصد "عروبة 22")


 
  
  
  
 