وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاثنين الماضي، أمراً تنفيذياً يقضي بدراسة تصنيف بعض من فروع جماعة الإخوان المسلمين منظمات "إرهابية أجنبية"، مع تخصيص ثلاث بالذكر هي الإخوان بلبنان والأردن ومصر، وجاء التعليل بكون هذه الفروع، "تُغذي الإرهاب، وترتكب أو تسهّل أو تدعم العنف وحملات زعزعة الاستقرار التي تضر بمصالح واشنطن وحلفائها، وتشكل تهديداً لمواطنيها الولايات المتحدة، وللأمن القومي الأمريكي". ووفقا لبيان البيت الأبيض، فقد وجه وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، بتقديم تقرير بشأن تصنيف أي من فروع الإخوان المسلمين منظمات "إرهابية".
في واقع الأمر، لا يهمنا كثيرًا، بحث حيثيات هذا القرار، وما إذا كان استجابة لطلب إسرائيلي، أم إسهاما في ترتيب أوضاع منطقة، تتأهل ـ أمريكيا- للانخراط الجماعي في الاتفاقيات الإبراهيمية، وإنما يهمنا مناقشة تداعياته ومقارنة ذلك باستحضار الأطروحات التي أنتجتها سابقا مستودعات التفكير الأمريكية بشأن التعاطي مع الإسلاميين، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون.
فعلى المستوى الأول، أي الإجابة عن تداعيات هذا القرار، نثير قضيتين اثنتين، الأولى، هي الحالات التي يعمها القرار، وهل تنحصر في الحالات الثلاث المذكورة، أم تتعدى ذلك إلى حالات أخرى، وأن للخارجية الأمريكية الصلاحية في توسيع هذه اللائحة أو تضييقها حسب التقرير ستصيغه في غضون مدة 45 يوما، أو ستصيغه في تقارير دورية بعدها. فمن الواضح أن خلفية القرار الأساسية، تتعلق بالشرق الأوسط، وتحديدا بثلاث دول حدودية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، اثنتان منها مرتبطتان مع تل أبيب باتفاقية سلام، والأخرى(لبنان) يمارس عليها ضغط شديد لحصر السلاح بيد الجيش.
قد تبدو حالة لبنان واضحة، فهي تخضع لضغط سياسي أمريكي وعسكري إسرائيلي من أجل تجريد الفصائل الفلسطينية وكل المجموعات الحاملة للسلاح التي تدعم هذه الفصائل من القدرة على إيلام دولة الاحتلال بما في ذلك حماس بلبنان والجماعة الإسلامية الداعمة لها، لكن بالنسبة إلى مصر والأردن، فالأمر كما يبدو مختلف، فالأقرب إلى الفهم، أن القرار في حالة مصر، شكل دعما سياسيا وقانونيا للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي صرح أكثر من مرة بأن جماعة الإخوان المسلمين كادت أن تودي بمصر إلى المجهول، وأنه جاء ليحمي البلاد من أي تهديد يعبث بأمنها واستقرارها، ففي خضم أزمة الشرعية التي يعيشها نظام السيسي، بسبب شكل تعاطيه مع كل المعارضات، سياسية كانت أم مدنية، جاء القرار الأمريكي، يقدم خدمة قانونية وسياسية لحكمه، إذ لم يعد محتاجا لتبرير "كشط" الجماعة ومواردها البشرية والمالية من الخارطة المصرية.
في حين، الظاهر في حالة الأردن أن القرار جاء ليزكي قرارا ضمنيا للحكومة الأردنية بحظر العمل للجماعة، بعد كشف الأجهزة الأمنية في أبريل الماضي تورط خلية منتمية لها، اتهمت بتصنيع صواريخ ومسيرات كان يراد بها "دعم المقاومة في غزة" وإبقاؤها تحت دائرة الضغط، ما دام القضاء لحد الآن لم يصدر أي قرار بشأن الجماعة على إثر الإعلان عن نتائج التحقيقات الأمنية. وبغض النظر عن نص القرار الأمريكي الذي يتحدث عن جماعة الإخوان وفروعها، ويحصرها حاليا في ثلاث حالات، فإن شكل تعاطي الأنظمة العربية معه سيكون محكوما بالتفاوت، لاعتبارات تأويلية كثيرة، يتعلق بعضها بثنائية الحصر أو الإطلاق.
أي هل يشمل ثلاثة فروع أم كل الفروع التي تتقاسم نفس توصيف القرار للجماعات المصنفة إرهابية، ويتعلق بعضها الثاني، بمفهوم الإخوان المسلمين، وهل يقصد بذلك الانتماء العضوي (الانتماء للتنظيم الدولي للإخوان) أم يندرج تحته كل التنظيمات الدعوية والحركية التي تشترك مع الإخوان في البعد الرسالي، ويتعلق بعضها الآخر، بالبعد الجغرافي، أو الجيوسياسي، وهل القرار يشمل الدول المنتمية إلى الشرق الأوسط القريبة من دائرة الصراع فيه، أم يسع حتى الجماعات البعيدة عن محور الصراع، ويتعلق رابعا، بمحل التطبيق، وهل يتعلق الأمر بالتراب الأمريكي أم به وبغيره. ومهمات هذه الاعتبارات الأربعة التي تتدخل في تنويع تأويل القرار، فإنه صار مادة تأويلية مهمة للأنظمة العربية، يمكن أن تمارس بها الضغط على مختلف أطياف الإسلاميين، الذين ما يزالون يشكلون المعارضة الأكثر تنظيما أو الجماعة الأكثر ضغطا وإثارة لأزمة الشرعية في الحكم.
في المستوى الثاني المتعلق بأزمة الأطروحات التي أنتجتها مستودعات التفكير الأمريكية طيلة ثلاثة عقود حول شكل التعاطي مع الإسلاميين، فهذا القرار، يطابق تماما ما كان يدعو إليه معهد واشنطن للشرق الأدنى، المقرب من اللوبي الصهيوني، والذي تبنى مديره التنفيذي روبرت ساتلوف، فكرة لا فرق بين المعتدلين والمتطرفين داخل الإسلاميين، وأنهم يخدمون هدفا واحدا بأدوار متعددة، لكنه في المقابل، يتعارض مع ما أنتجته مستودعات تفكير أخرى مثل كارنيجي، وبروكينز وولسون ومعهد السلام الدولي وغيرهم، ممن ميزوا بين أطياف الإسلاميين، بضابط حمل السلاح وقبول المشاركة السياسية، وأيضا ممن يميزون حتى داخل الإخوان المسلمين، حسب الاعتبار الجغرافي والجيوسياسي، بين الحركات المسلحة التي تتصارع مع إسرائيل، وبين الحركات السياسية التي تؤمن بالتغيير السلمي من داخل العملية السياسية، فالشهادات التي قدمت في الكونغرس الأمريكي، من لدن باحثين وازنين، مثل ناثان براون، تنفي أن يكون جماعة الإخوان تمثل تحديا أمنيا، وأنها في الأقصى تمثل تحديا ووجعا سياسيا بالمنطقة.
المثير للانتباه أن مستودعات التفكير التي استثمرت، بعد المبادرة الأمريكية لترقية الديمقراطية الصادرة بعد 11 سبتمبر، في إنتاج الأدلة على قدرة الإسلاميين على لعب دور محوري في التحول السياسي، وجادلت في أن انغلاق النسق السياسي في الأنظمة العربية، سيولد حالة إرهابية متمددة ستهدد المصالح الأمريكية، لم تنتج ما تجيب به عن المفارقة التي أنتجها قرار البيت الأبيض، كما ولو كان انغلاق النسق السياسي، لا علاقة له بتمدد الظاهرة الإرهابية، ولا علاقة له بدفع المنطقة إلى احتقان شعبي عارم، يفضي إلى تهديد المصالح الأمريكية.
فالربيع العربي، حين انطلق من تونس ومصر أنتج تحديات جدية للإدارة الأمريكية، إلى الدرجة التي لم تعد قادرة فيه على الحسم في أي اتجاه تمضي: الحوار مع الإسلاميين في مصر، أو مع الجيش، لاسيما بعد بروز شكوك كبيرة في نوايا المجلس العسكري، فاليوم، لا شيء من هذه التخوفات، يُستحضر في السياق العربي، كما ولو كان التقدير الأمريكي واثقا من نهاية الإسلاميين، أو وصولهم لدرجة من الضعف لا يستطيعون معها تحريك الشارع على خلفية الانسداد السياسي، أو خلفية الانخراط العربي الجماعي في الاتفاقات الإبراهيمية.
الأقرب للمنطق أن واشنطن تستعمل هذه الورقة، فقط للضغط على الإسلاميين، وعلى الأنظمة العربية، حتى يتم التمكين لأجندة تعميم الحالة التطبيعية، لأنها تدرك حالة الإسلاميين مختلفة عما كانوا عليه قبيل الربيع العربي، وأنه لم يعد لهم من خيارات مفتوحة، سوى القبول بواقع الأمر، وتهدئة الشارع حتى يعبر قطار التطبيع العواصم العربية، أو إعطاء الضوء الأخضر للأنظمة من أجل أن تستكمل مهمة إنهائهم سياسيا وتكثيف سياسة التضييق عليهم.
(القدس العربي)

