وجهات نظر

إنّها أَنْصافُ حُروبٍ مُنْذِرَة!

تَشْتَعِلُ النّيرانُ بِالتَّزامُنِ على أَرْبَعِ جَبَهات، غَزَّةَ وَالضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ وَلبنانَ وَسوريا، بِذَرائِعَ مُتَشابِهَةٍ تَنْسُبُ جَرائِمَها إلى تَهْديداتٍ مُفْتَرَضَةٍ لِلأَمْنِ الإِسْرائيليّ. إِنَّها حُروبٌ صَغيرَةٌ، لَكِنَّها مُرَشَّحَةٌ لِلتَّوَسُّعِ وَالتَّمَدُّدِ وَجَرِّ الإِقْليمِ كُلِّهِ إلى حَرْبٍ إِقْليمِيَّةٍ واسِعَةٍ... أَوْ بِالأَحْرى: إِنَّها أَنْصافُ حُروبٍ مُنْذِرَة.

إنّها أَنْصافُ حُروبٍ مُنْذِرَة!

الذَّرائِعُ أَمْنِيَّةٌ، غَيْرَ أَنَّ أَهْدافَها اِسْتْراتيجِيَّةٌ، تُؤَسِّسُ لِضَمِّ أَراضٍ في لبنانَ وَسوريا وَغَزَّةَ وَالكُتْلَةِ الرَّئيسِيَّةِ مِنَ الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ مَنْعًا لِمَشْروعِ إِقامَةِ دَوْلَةٍ فِلَسْطينِيَّةٍ بِقُوَّةِ الأَمْرِ الوَاقِع.

تَكْريسُ الاِنْفِصالِ بَيْنَ الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ وَغَزَّةَ هَدَفٌ رَئيسِيٌّ آخَرُ لِتَفْكيكِ القَضِيَّةِ الفِلَسْطينِيَّةِ وَفَتْحِ المَجالِ واسِعًا بِالتَّداعِياتِ لِمَشْروعاتِ نُزوحٍ وَتَهْجيرٍ تَمْكينًا لِإِسْرائيلَ من بِنَاءِ شَرْقٍ أَوْسَطَ جَدِيد.

الذَّرائِعُ الأَمْنِيَّةُ غَيْرُ مُتَماسِكَةٍ وَغَيْرُ مُقْنِعَةٍ، لَكِنَّها لا تَجِدُ مَنْ يَرْدَعُها.

العَواقِبُ الاسْتْراتيجِيَّةُ ماثِلَةٌ وَلا تَجِدُ مَنْ يَتَحَسَّبُ لَها.

التَّواطُؤُ الأَميرْكيُّ غَيْرُ خافٍ، لَكِنْ لا أَحَدَ يُشيرُ إلى مَسْؤولِيَّتِها، أَوْ يُوَجِّهُ إِلَيْها إِصْبَعَ اِتِّهام!

حَسَبَ تَعْبيرِ المُفَكِّرِ الاقْتِصاديِّ العالَميِّ "جيفْري ساكْس"، في نَدْوَةٍ قاهِرِيَّةٍ دَعَتْ إِلَيْها صَحيفَةُ "المِصْرِيُّ اليَوْم": "تَسْليمُ غَزَّةَ لِسُلطَةِ ترامْب يُؤْذِنُ بِتَطْهيرٍ عِرْقِيّ".

قِيمَةُ هَذِهِ الشَّهادَةِ أَنَّهُ أَكاديميٌّ مَرْموقٌ في جَامِعَةِ "كولومْبيا" وَيَهودِيُّ الدِّيانَةِ لا يُمْكِنُ اِتِّهامُهُ بِـ"العَداءِ لِلسّامِيَّة".

التخاذل المفرط يُغري بالتوحُّش والافتراء على كل ما هو عربي

لا يُوجَدُ أَدْنى اِعْتِبارٍ لِلقَراراتِ وَالمَرْجِعِيّاتِ الدَّوْلِيَّةِ شامِلَةً خُطَّةَ الرَّئيسِ الأَميرْكيِّ دونالد ترامْب لِوَقْفِ الحَرْبِ في غَزَّةَ، التي صَدَرَ بِمُقْتَضى نُصوصِها قَرارٌ أُمَمِيٌّ، وَلا أَدْنى اِلتِزامٍ بِتَعَهُّداتِهِ المُعْلَنَةِ عَدَمَ السَّماحِ لِإِسْرائيلَ بِضَمِّ الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ، أَوْ التَّوَسُّعِ الاسْتيطانِيِّ فيها.

المأْساةُ الإِنْسانِيَّةُ، التي اسْتَدْعَتْ ما يُشْبِهُ الإِجْماعَ على وَقْفِ إِطْلاقِ النّارِ، على الرَّغْمِ مِنَ العُيوبِ الجَوْهَرِيَّةِ في القَرارِ الأُمَميِّ، لَمْ تَتَوَقَّف.

لا أُدْخِلَتْ مُساعَداتٌ إِنْسانِيَّةٌ وَطِبِّيَّةٌ كافِيَةٌ يَحْتاجُها قِطاعُ غَزَّةَ بِفَداحَةٍ، وَلا فُتِحَتِ المَعابِرُ، وَلا اِلتَزَمَتْ إِسْرائيلُ بِوَقْفِ إِطْلاقِ النّار.

حَسَبَ إِحْصاءاتٍ مُؤَكَّدَةٍ، خَرَقَتْ إِسْرائيلُ وَقْفَ إِطْلاقِ النّارِ في غَزَّةَ أَكْثَرَ من خَمْسِمائَةِ مَرَّةٍ حَتَّى الآن.

تُؤَكِّدُ تَقاريرُ إِسْرائيلِيَّةٌ مُتَواتِرَةٌ أَنَّ رَئيسَ الوُزَراءِ بِنْيامين نِتِنْياهو يَتَأَهَّبُ لِمُواصَلَةِ حَرْبِ الإِبادَةِ في غَزَّةَ بِذَريعَةٍ أَوْ أُخْرى.

لَمْ تَكُنْ مُصادَفَةً تَوْقيتُ تَوَحُّشِ القُوَّةِ الإِسْرائيلِيَّةِ في الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ، حَيْثُ اقْتَحَمَتْ بِالتَّزامُنِ ثَلاثَةُ أَلوِيَةٍ مَصْحوبَةٍ بِطائِراتِ الأَباتْشي مُحافَظَةَ طوباسَ لِأَرْبَعَةِ أَيامٍ مُتَتالِيَةٍ، اِعْتَقَلَتْ مِئاتِ الشُّبّانِ، وَهَدَمَتْ بُيوتا.

تَعَمَّدَتِ الضَّرْبَ المُبَرِّحَ لِسُكّانِها بِهَدَفِ كَسْرِ إِنْسانِيَّةِ الفِلَسْطينيِّ وَدَعْوَتِهِ لِلنُّزوحِ من أَرْضِه.

في مُخَيَّمِ جِنينَ، الذي يَرْمُزُ تَقْليدِيًّا لِإِرادَةِ المُقاوَمَةِ، هَدَمَتْ مِئاتِ البُيوتِ وَاعْتَقَلَتْ أَعْدادًا كَبيرَةً مِنَ الشُّبّانِ حَتَّى تَقولَ إِنَّهُ لَمْ يَعُدْ أَمامَكُمْ غَيْرُ مُغادَرَةِ المُخَيَّم.

بَدا أَنَّ الهَدَفَ الرَّئيسِيَّ هُوَ طَمْسُ هُوِيَّةِ المَكانِ وَفَرْضُ نَوْعٍ مِنَ الإِجْلاءِ القَسْريِّ، حَسَبَما أَكَّدَتْ فَصائِلُ المُقاوَمَة.

تَدْخُلُ في الهَدَفِ نَفْسِهِ اِقْتِحاماتُ المُسْتَوْطِنينَ في أَرْجاءِ الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ كافَّةً حَرْقًا وَتَدْميرًا لِلبُيوتِ وَالمَزْروعات.

كانَ اقْتِحامُ الخَليلِ وَالحَرَمِ الإِبْراهيميِّ إِنْذارًا بِسينارْيو أَخْطَرَ وَأَفْدَحَ في القُدْسِ وَالمَسْجِدِ الأَقْصى.

التَّخاذُلُ المُفْرِطُ يُغْرِي بِالتَّوَحُّشِ وَالاِفْتِراءِ على كُلِّ مَا هُوَ عَرَبِيٌّ كَمَا يَحْدُثُ في لبنانَ وَسوريا.

لا يوجَدُ أَدْنَى اِعْتِبارٍ آخَرَ لِقَرارِ مَجْلِسِ الأَمْنِ الدَّوْليِّ، الذي يَقْضِي بِوَقْفِ إِطْلاقِ النّارِ على الجَبْهَةِ اللُّبْنانِيَّةِ، كأَنَّ مَنْ حَقِّ إِسْرائيلَ بِدَعْمٍ أَميرْكيٍّ كامِلٍ أَنْ تَخْرِقَ الأَجْواءَ اللُّبْنانِيَّةَ كَيْفَما شاءَتْ، تَقْصِفُ وَتَقْتُلُ مَنْ تَشاءُ، وَأَنْ تَفْرِضَ شُروطَها الكامِلَةَ على الأَطْرافِ كَافَّة.

الأَوْلَوِيَّةُ الإِسْرائيلِيَّةُ المُطْلَقَةُ على الجَبْهَتَيْنِ الفِلَسْطينِيَّةِ وَاللُّبْنانِيَّةِ نَزْعُ سِلاحِ المُقاوَمَة.

في تَفْسيرِها الخاصِّ لِمَهامِّ قُوّاتِ الاسْتِقْرارِ الدَّوْلِيَّةِ المُزْمَعِ تَشْكيلُها في غَزَّةَ، فَإِنَّ مُهِمَّتَها الأولى نَزْعُ سِلاحِ "حَماس" بِالقُوَّةِ إِذا لَزِمَ الأَمْر.

لا تَرْفُضُ "حَماسُ" مَدْعومَةً من "الجَبْهَةِ الشَّعْبِيَّةِ لِتَحْريرِ فِلَسْطينَ" وَ"الجِهادِ الإِسْلاميِّ" تَسْليمَ سِلاحِها، لَكِنْ لِمَن؟!

إِذَا لَمْ تَتَسَلَّمْهُ جِهَةٌ فِلَسْطينِيَّةٌ، من ضِمْنِ مَسارٍ سِياسيٍّ مَوْثوقٍ لِبِناءِ دَوْلَةٍ فِلَسْطينِيَّةٍ، فَإِنَّها هَزيمَةٌ وَاِسْتِسْلام.

لا يُمانِعُ "حِزْبُ اللَّهِ" بِدَوْرِهِ، فيما هُوَ مُعْلَنٌ، تَسْليمَ سِلاحِهِ إلى الدَّوْلَةِ وَفْقَ مَبْدأ "حَصْرِيَّةِ السِّلاحِ"، لَكِنَّهُ يَتَحَوَّطُ لِما قَدْ يَحْدُثُ تالِيًا في ظِلِّ غِيابِ اِسْتْراتيجِيَّةٍ وَطَنِيَّةٍ لِلدِّفاعِ، خَشْيَةَ اِسْتِباحَةِ المَصيرِ اللُّبْنانيِّ كُلِّهِ، لا الحِزْبَ وَحْدَه.

بَدا لافِتًا مَا كَشَفَتْ عَنْهُ "هَيْئَةُ البَثِّ الإِسْرائيلِيَّةُ" أَنَّ دَوْلَةَ الاحْتِلالِ وَجَّهَتْ رِسالَةً عَبْرَ واشِنْطُن لِلقِياداتِ اللُّبْنانِيَّةِ أَنَّها مُتَأَهِّبَةٌ لِعَمَلِيَّةٍ عَسْكَرِيَّةٍ كَبيرَةٍ في لبنانَ إِذا لَمْ يُنْزَعْ سِلاحُ "حِزْبِ اللَّهِ" في أَقْرَبِ وَقْت.

لَمْ تَأْبَهْ لِدَعْوَةِ الرَّئيسِ اللُّبْنانيِّ جوزاف عون لِلتَّفاوُض.

إِنَّها لا تَطْلُبُ سَلامًا نِدِّيًّا مَعَ لبنانَ، بَل تَطْلُبُ بِالضَّبْطِ إِذْعانَهُ وَفَرْضَ الوِصايَةِ الاسْتْراتيجِيَّةِ عَلَيْه.

يَحْتاجُ اللُّبْنانِيُّونَ، كَمَا الفِلَسْطينِيُّونَ، إلى التَّماسُكِ وَالوَحْدَةِ، لَكِنْ في الحالَتَيْنِ يَبْدُو طَلَبًا بَعيدًا، هَذِهِ مَأْساةٌ بِحَدِّ ذَاتِها.

المُفارَقاتُ على الجَبْهَةِ السّورِيَّةِ تَصِلُ إلى ذُرْوَةِ اللّامَعْقولِ، إِذا نَظَرْنا إِلَيْها من زاوِيَةِ القانونِ الدَّوْليِّ وَالرِّهاناتِ الأَميرْكيَّةِ على التَّحَوُّلاتِ الجارِيَةِ حالِيًّا في ذَلِكَ البَلَدِ العَرَبيِّ الجَوْهَرِيّ.

على الرغم من كل مظاهر القوّة المتوحشة فإنّ مشروع إنشاء شرق أوسط جديد تهيمن عليه إسرائيل محض أوهام

لا تَكُفُّ إِسْرائيلُ عَنِ التَّوَغُّلِ داخِلَ المنطَقَةِ العازِلَةِ وَالقُنَيْطِرَةِ وَجَبَلِ الشَّيْخِ بِذَرائِعَ تَطْلُبُ بِاسْمِ أَمْنِها الاسْتيلاءَ على أَراضٍ وَإِخْضاعَ سوريا لِإِرادَتِها السِّياسِيَّةِ وَالاسْتْراتيجِيَّةِ وَتَقْسيمَها من دونِ تَرَدُّدٍ إِذا مَا سَنَحَتِ الفُرْصَةُ أَمامَها.

إِنَّها أَهْدافٌ اِسْتْراتيجِيَّةٌ تَدْخُلُ ضِمْنَ مَشْروعِها المُعْلَنِ لِإِنْشاءِ شَرْقٍ أَوْسَطَ جَديدٍ تُهَيْمِنُ عَلَيْهِ وَتَكُونُ مَرْكَزَ التَّفاعُلاتِ السِّياسِيَّةِ وَالاقْتِصادِيَّةِ فيه. على الرَّغْمِ من كُلِّ مَظاهِرِ القُوَّةِ المُتَوَحِّشَةِ فَإِنَّ هَذَا المَشْروعَ مَحْضُ أَوْهامٍ مُحَلِّقَة.

وَسْطَ هَذِهِ الأَجْواءِ القاتِمَةِ تَبَدَّتْ إِشارَتانِ مُخْتَلِفَتانِ لِلمُسْتَقْبَل.

أُولاهُما، من "بَيْتِ جِنٍّ" في ريفِ دِمَشْقَ حَيْثُ لاقَتْ قُوَّةُ اِقْتِحامٍ إِسْرائيلِيَّةٍ مُقاوَمَةً شَرِسَةً وَغَيْرَ مُتَوَقَّعَةٍ من أَهْلِها أَفْضَتْ إلى إِصابَةِ سِتَّةِ إِسْرائيليّينَ، ثَلاثَةٌ منهُمْ في وَضْعٍ حَرِجٍ بَيْنَهُمْ ضابِط.

الأُخْرَى، اِسْتِئْنافُ مَوْجاتِ الاِحْتِجاجِ في اليَوْمِ العالَمِيِّ لِلتَّضامُنِ مَعَ فِلَسْطينَ بِزَخْمٍ أَكْبَرَ من أَيِّ وَقْتٍ سابِقٍ، وعَمَّتِ العَواصِمَ وَالمُدُنَ الأوروبِيَّةَ الكُبْرَى بِمِئاتِ الآلاف.

هَذِهِ قُوَّةٌ هائِلَةٌ تُحاصِرُ إِسْرائيلَ وَتَفْرِضُ عَلَيْها عُزْلَةً دَوْلِيَّةً لا تَحْتَمِلُها على الرَّغْمِ مِنَ التَّخاذُلِ العَرَبيِّ الفادِح.

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن