نَتيجَةً لِأَضْرارِ تَغَيُّرِ المُناخ، مِنَ المُتَوَقَّعِ تَراجُعُ إِنْتاجِ الغِذاءِ في الدُّوَلِ النّامِيَةِ والفَقيرَةِ بِنِسَبٍ تَصِلُ إلى 20% وَهِيَ في الأَصْلِ مُسْتَوْرِدَةٌ لِأَغْلَبِ غِذائِها، كَما سَتَتَراجَعُ مَوارِدُها المائِيَّةُ بِنِسْبَةِ 6-10% بِسَبَبِ ارْتِفاعِ دَرَجاتِ الحَرارَةِ وَزِيادَةِ البُخْرِ مِنَ التُّرَعِ وَمِنْ سَطْحِ التُّرْبَةِ وَجِسْمِ وأَوْراقِ النَّباتاتِ النّامِيَةِ مِمّا سَيَزيدُ مِنْ مُعاناتِها. وَمِنَ المُتَعارَفِ عَلَيْهِ عِلْمِيًّا أَنَّ قِطاعَ الزِّراعَةِ هُوَ القِطاعُ الأَكْثَرُ هَشَاشَةً لِتَغَيُّرِ المُناخِ نَتيجَةَ ضَعْفِ البُنى التَّحْتِيَّةِ وَتَخَلُّفِ طُرُقِ الزِّراعَةِ العَرَبِيَّةِ وَعَدَمِ مُسايَرَتِها لِلتَّحْديثِ العالَمِيِّ في الزِّراعَةِ الحَديثَةِ والذَّكِيَّةِ والرَّقْمِيَّةِ، وأخيرًا اسْتِخْدامِ الذَّكاءِ الصِّناعِيِّ في الزِّراعَةِ والمِياهِ، واعْتِمادِ الزِّراعَةِ على الأَجْواءِ المَفْتوحَةِ بِمُناخِها الذي تَغَيَّرَ وأَصْبَحَ أَكْثَرَ احْتِرارًا.
الدول الصناعية والمُتقدّمة تختلق الحجج والأعذار حتى لا تُسدّد التعويضات للدول الفقيرة
هَذِهِ الأَضْرارُ التي لَحِقَتْ وَسَتَلْحَقُ بِالدُّوَلِ النّامِيَةِ والفَقيرَةِ يَنْبَغي لِلدُّوَلِ الصِّناعِيَّةِ الكُبْرَى المَسْؤولَةِ عَنِ الِانْبِعاثاتِ الغازِيَّةِ تَعْويضُ الدُّوَلِ الفَقيرَةِ عَنْها، وَهُوَ ما أَقَرَّتْهُ أَغْلَبُ مُؤْتَمَراتِ المُناخِ السَّنَوِيَّةِ والتي يَحْضُرُها جَميعُ قادَةِ العالَمِ في السَّنَواتِ العَشْرِ الأَخيرَةِ إِلّا أَنَّ الدُّوَلَ الصِّناعِيَّةَ والمُتَقَدِّمَةَ تَخْتَلِقُ الحُجَجَ والأَعْذارَ حَتّى لا تُسَدِّدَ هَذِهِ التَّعْويضاتِ لِلدُّوَلِ الفَقيرَة. وَسَبَقَ لِلرَّئِيسِ الأَميرْكيِّ تْرامْب أَنْ أَعْلَنَ انْسِحابَ الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ مِنْها، لِلْهُروبِ مِنْ سَدادِ بَلَدِهِ لِهَذِهِ التَّعْويضاتِ، بَلْ والتَّشْكيكِ في أَنَّ المُناخَ يَتَغَيَّرُ على الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ بَلَدَهُ وَفَريقَ آل غور نائِبَ الرَّئيسِ الأَميرْكيِّ الأَسْبَقَ هِيَ التي خَرَجَتْ بِهِ إلى العالَمِ وَنالَتْ عَنْهُ "جائِزَةَ نُوبِِل"!
وَطِبْقًا لِآخِرِ تَحْديثٍ، يُمْكِنُ تَرْتيبُ الدُّوَلِ العِشْرينَ الأَعْلَى تَسَبُّبًا في الِانْبِعاثاتِ الغازِيَّةِ في: الصِينُ على قِمَّةِ الدُّوَلِ الأَعْلى وَبِأَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِ مَنْ تَليها وَهِيَ الوِلاياتُ المُتَّحِدَةُ الأَميرْكِيَّةُ وَتَليها الهِنْدُ ثُمَّ روسِيا، اليابانُ، إِنْدونيسْيا، إِيرانُ، أَلْمانيا، كورِيا الجَنوبِيَّةُ، المَمْلَكَةُ العَرَبِيَّةُ السَّعودِيَّةُ، كَنَدا، المَكْسيكُ، تُرْكِيّا، جَنوبُ أَفْريقْيا، أُسْتْرالْيا، إِنْكِلْترا، إِيطاليا، بُولَنْدا. بَدَأَتِ المُشْكِلَةُ حينَ أَثارَتِ الصّينُ والهِنْدُ بِعَدَمِ الأَخْذِ بِالِانْبِعاثاتِ المُطْلَقَةِ مِنَ الدُّوَلِ، وَلَكِنْ يَنْبَغي الأَخْذُ بِحَجْمِ هَذِهِ الِانْبِعاثاتِ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَدِ السُّكّانِ وَنَصيبِ الفَرْدِ أَوِ الرَّأْسِ في كُلِّ دَوْلَةٍ مِنْها، لِأَنَّ عَدَدَ سُكّانِ الصّينِ والهِنْدِ نَحْوَ 1460 مِلْيونَ نَسَمَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُما، بَيْنَما تَعْدادُ الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ لا يَزِيدُ عَنْ 340 مِلْيونَ نَسَمَةٍ فَقَطْ، وَنِصْفُ هَذا العَدَدِ في روسِيا واليابانِ بَيْنَما إِنْدونيسْيا والبَرازيلُ تَتَجاوَزانِ المائَتَيْ مِلْيونٍ بِقَليلٍ!، وَبِذَلِكَ يَكونُ نَصيبُ الفَرْدِ مِنَ الِانْبِعاثاتِ الغازِيَّةِ في الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ أَعْلى كَثيرًا مِمّا يُسَبِّبُهُ الفَرْدُ مِنْ هَذِهِ الِانْبِعاثاتِ في أَيٍّ مِنَ الصّينِ أَوِ الهِنْدِ، وَبِالتّالِي يَنْبَغي لِهَذِهِ الدُّوَلِ الأَعْلى في نَصيبِ وَمَسْؤولِيَّةِ الفَرْدِ عَنِ الِانْبِعاثاتِ الغازِيَّةِ أَنْ تَدْفَعَ تَعْويضاتٍ لِلدُّوَلِ النّامِيَةِ المُتَضَرِّرَةِ أَكْثَرَ كَثيرًا مِمّا يَجِبُ أَنْ تَدْفَعَهُ الصّينُ والهِنْد! هَذا الأَمْرُ لَمْ يُعْجِبِ الرَّئيسَ تْرامْب في وِلايَتِهِ السّابِقَةِ وأَصَرَّ على اعْتِبارِ الدُّوَلِ وَحْدَةً واحِدَةً مِنْ دونِ اعْتِبارٍ لِعَدَدِ السُّكّانِ، وَلَكِنْ فَقَطْ بِحَجْمِ الِانْبِعاثاتِ النّاتِجَةِ عَنْ كُلِّ دَوْلَةٍ، وأَعْلَنَ انْسِحابَهُ مِنِ اتِّفاقِيّاتِ المُناخِ الأَمْرُ الذي فَسَّرَهُ البَعْضُ على أَنَّ إِثارَةَ هَذه المسألةِ كَانَتْ فَقَطْ لِلتَّهَرُّبِ مِنْ دَفْعِ التَّعْويضاتِ المُسْتَحَقَّةِ لِلدُّوَلِ الفَقيرَةِ المُتَضَرِّرَةِ، لِأَنَّهُ مِنَ المَعْروفِ عَنْ تْرامْب أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ فَقَطْ وَلا يُعْطي أَبَدًا.
أفريقيا لا تُساهم في تغيّرات المناخ عالميًا إِلّا بأقل من 1% بينما تزداد معدلات الانبعاثات من الدول الكبرى سنويًا
وإِذا طَبَّقْنا النِّظامَ المُقْتَرَحَ مِنَ الصّينِ والهِنْدِ بِحِسابِ الِانْبِعاثاتِ طِبْقًا لِنَصيبِ الفَرْدِ مِنْها، سَتَكونُ المَمْلَكَةُ العَرَبِيَّةُ السَّعودِيَّةُ على قِمَّةِ الدُّوَلِ المُسَبِّبَةِ لِلِانْبِعاثاتِ طِبْقًا لِعَدَدِ سُكَّانِها 45 مِلْيونَ نَسَمَةٍ وَحَجْمِ الِانْبِعاثاتِ الصّادِرَةِ عَنْها! بَيْنَما سَتَأْتي الصّينُ في المَرْكَزِ 12 عالَمِيًّا، والهِنْدُ في المَرْكَزِ 20!، وَتَكونُ أُسْتْرالْيا في المَرْكَزِ الثّاني لِلدُّوَلِ الأَعْلى تَسَبُّبًا في الِانْبِعاثاتِ الغازِيَّةِ طِبْقًا لِنَصيبِ الفَرْدِ مِنْ هَذِهِ الِانْبِعاثاتِ، تَليها الوِلاياتُ المُتَّحِدَةُ الأَميرْكِيَّةُ في المَرْكَزِ الثّالِثِ، وَكَنَدا في المَرْكَزِ الرّابِعِ ثُمَّ كورِيا الجَنوبِيَّةُ في المَرْكَزِ الخامِسِ، وَروسْيا في المَرْكَزِ السّادِسِ، وإيرانُ في المَرْكَزِ الحادي عَشَرَ!، وأَلْمانْيا في المَرْكَزِ الثّامِنِ، وإِنْكِلْترا في المَرْكَزِ الثّالِثَ عَشَرَ، واليابانُ في المَرْكَزِ السّابِعِ وإيطالْيا في المَرْكَزِ الرّابِعَ عَشَرَ وَهَلُمَّ جَرّا! هَذا الأَمْرُ لَمْ يُعْجِبْ لا الوِلاياتِ المُتَّحِدَةَ الأَميرْكِيَّةَ وَلا دُوَلَ الِاتِّحادِ الأوروبِّيَّ فَأَعْلَنَتَا رَفْضَهُما لِهَذا الأَمْرِ الذي يَبْدو عادِلًا لِلدُّوَلِ كَثيفَةِ السُّكّانِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذا الخِلافِ ضاعَتْ حُقوقُ الدُّوَلِ النّامِيَةِ الفَقيرَةِ مِنَ التَّعْويضاتِ عَنِ الأَضْرارِ التي لَحِقَتْ بِها بِسَبَبِ الدُّوَلِ الصِّناعِيَّةِ الكُبْرى.
وَفي هَذا الصَّدَدِ، قالَ رَئيسُ أُوغَنْدا يُويِرِي موسيفيني (Yoweri Museveni) وأَقْدَمُ رُؤَساءِ القارَّةِ الأَفْريقِيَّةِ أَنَّ أَفْريقْيا لا تُساهِمُ في تَغَيُّراتِ المُناخِ عالَمِيًّا إِلّا بِأَقَلَّ مِنْ 1% فَقَطْ، وإِذا اسْتَخْدَمَتْ دُوَلُ القارَّةِ كُلَّ أَنْواعِ الوَقودِ الأَحْفوريِّ والفَحْمِ وَكُلَّ مُسَبِّباتِ الِانْبِعاثاتِ الغازِيَّةِ فَلَنْ يَتَجاوَزَ نَصيبُها 3% مِنْ حَجْمِ الِانْبِعاثاتِ العالَمِيَّة. وَمَعَ ذَلِكَ يُلْزِمونَ الدُّوَلَ الأَفْريقِيَّةَ بِالتَّحَوُّلِ إلى الطّاقَةِ النَّظيفَةِ بِأَعْباءَ هائِلَةٍ على دُوَلِ القارَّة، والتَّحَوُّلِ إلى وَسائِلِ المُواصَلاتِ بِالكَهْرَباءِ، بَيْنَما لا يُلْزِمونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَيِّ أَعْباءٍ، بَلْ وَتَزْدادُ مُعَدَّلاتُ الِانْبِعاثاتِ الغازِيَّةِ مِنَ الدُّوَلِ الكُبْرى سَنَوِيًّا مِنْ دونِ أَدْنى تَحَسُّن.
تُعقد قمم المناخ من دون جدوى بسبب سيطرة الدول الكبرى التي يراها مركز العدالة المناخيّة دولًا ظالمة
بِشَكْلٍ عام، تَتَلَخَّصُ أَهْدافُ العَدالَةِ المُناخِيَّةِ طِبْقًا لِمُؤَسِّسَتِها "Mary Robinson" في:
- احْتِرامُ وَحِمايَةُ حُقوقِ الإِنْسانِ وَحَقِّهِ في حَياةٍ عادِلَةٍ نَظيفَةٍ لا يَموتُ فيها بِسَبَبِ أَخْطاءِ الكِبَار.
- دَعْمُ الحَقِّ في التَّنْمِيَةِ لِلدُّوَلِ الفَقيرَةِ والمُتَضَرِّرَة.
- تَقاسُمُ الحُقوقِ في المَنْفَعَةِ والتَّكَالِيف.
- دَعْمُ المُساواةِ بَيْنَ الجِنْسَيْن.
- دَعْمُ التَّعْليمِ في الدُّوَلِ الفَقيرَةِ لِخَلْقِ الكَوادِرِ القادِرَةِ على مُجابَهَةِ والتَّأَقْلُمِ مَعَ تَغَيُّرِ المُناخ.
- اسْتِخْدامُ وَسائِلَ عادِلَةٍ لِلْمُشارَكَةِ مَعَ الدُّوَلِ المُتَضَرِّرَةِ في تَقْليلِ الأَضْرارِ النّاتِجَةِ عَنِ التَّغَيُّرِ المُناخِيّ.
وَقادَتْ أَيْضًا بَعْضُ المَراكِزِ الدَّوْلِيَّةِ داخِلَ أَميرْكا وَخارِجَها الاتِّجاهَ لِلْعَدالَةِ البيئِيَّةِ والمُناخِيَّةِ يُمْكِنُ إِيجازُها في:
- تَقْليلُ الِانْبِعاثاتِ الغازِيَّةِ حَتْمِيًّا على كَوْكَبِ الأَرْض.
- حِمايَةُ الدُّوَلِ والمُجْتَمَعاتِ الأَكْثَرُ هَشَاشَة.
- أَنَّ المَشاكِلَ العالَمِيَّةَ تَتَطَلَّبُ حُلولًا عالَمِيَّةً أَيْضًا مِنْ دونِ أَعْباءٍ على الصِّغار.
- تَقْليصُ، بَلْ وَمَنْعُ اسْتِخْدامِ الفَحْمِ والوَقودِ الأَحْفوريِّ المُتَسَبِّبِ الأَعْظَمِ بِتَغَيُّرِ المُناخ.
- حَتْمِيَّةُ حِمايَةِ الأَجْيالِ القادِمَةِ مِنْ أَخْطاءِ وَخَطايا الأَجْيالِ الحَالِيَّة.
- التَّحَوُّلُ مِنْ دونِ إِبْطاءٍ لِلدُّوَلِ الْكُبْرى إلى الطّاقَةِ النَّظيفَة.
تُعْقَدُ مُؤْتَمَراتُ تَغَيُّرِ المُناخِ سَنَوِيًّا وَيَحْضُرُها جَميعُ مُلوكِ وَرُؤَساءِ وَقادَةِ الْعالَمِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرينَ عامًا بَعْدَ تَحَوُّلِها مِنْ قِمَمِ الْأَرْضِ فَقِمَمِ الْبيئَةِ ثُمَّ إلى قِمَمِ المُناخِ، وَلَكِنْ مِنْ دونِ جَدْوى حَقيقَةً بِسَبَبِ سَيْطَرَةِ الْكِبارِ وَضَعْفِ الصِّغارِ وَحاجَتِهِمْ إلى دَعْمِ الدُّوَلِ الْكُبْرى الَّتِي يَراها مَرْكَزُ العَدالَةِ المُناخِيَّةِ دُوَلًا ظالِمَة.
(خاص "عروبة 22")

