وجهات نظر

بعد ثلاثين عامًا.. تقييم "أوسلو" الاتفاق والنهج

يحقّ لنا بعد مرور ثلاثين عامًا على توقيع إتفاق أوسلو، ليس فقط أن نقيّم تلك التجربة، بل وأن نقيّم أيضًا المنطلقات والدوافع الفكرية والرؤى التي قادت إلى "نهج أوسلو" الذي ما زال مستمرًا مُشكّلًا اليوم نقطة الخلاف الجوهرية في الساحة الفلسطينية.

بعد ثلاثين عامًا.. تقييم

مثّل اتفاق أوسلو فخًا كبيرًا نُصب ببراعة من الحركة الصهيونية للقيادة الرسمية الفلسطينية بهدف إمتصاص نتائج الانتفاضة الأولى التي غيّرت موازين القوى على الأرض وأجبرت إسرائيل على الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، بهدف إحداث شرخ عميق في الساحة الفلسطينية، وكسب الوقت لتكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان وبناء منظومة أبارتهايد عنصرية، غرضها تصفية حقوق الشعب الفلسطيني، وانتزاع شرعية فلسطينية وعربية ودولية لمشروع الاستيطان الكولونيالي الصهيوني.

بُني نهج واتفاق أوسلو على 3 أوهام: الحلّ الوسط مع الصهيونية وحلّ الدولتين والدور الأمريكي

وللأسف ارتُكبت عدة أخطاء إستراتيجية من الجانب الفلسطيني في مفاوضات واتفاق أوسلو ومنها:

1 - توقيع الإتفاق دون اشتراط وقف الاستيطان، كما كان يصرّ الوفد الفلسطيني الرسمي في واشنطن والذي أديرت مفاوضات أوسلو السرّية من خلف ظهره، ومن دون علمه، ودون استشارته.

هذا الخطأ كان بمثابة الخطيئة الكبرى لذلك الاتفاق والدليل القاطع على ذلك إرتفاع عدد المستوطنين المستعمرين من 121 ألفًا عندما وُقّع الاتفاق إلى 750 ألفًا اليوم، أصبح لديهم أربعة عشر عضوًا في الكنيست الإسرائيلي وأصبحوا يمثّلون قوة سياسية فاشية لها دور حاسم في الحكومة الإسرائيلية بقيادة الفاشيين سموتريتش وبن غفير.

2 - انعدام التكافؤ بين الجانبين حيث اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، وحقّها في الوجود مقابل مجرد الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلًا للفلسطينيين.

3 - أنّ الاتفاق كان جزئيًا انتقاليًا دون تحديد النتيجة النهائية بإنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة، بل تتضمّن قبولًا بجعل الأراضي المحتلة قضايا متنازع عليها.

4 - كان من أكبر الأخطاء القبول بتجزئة الأراضي المحتلة إلى تقسيمات (أ، ب ، ج)، وأتاح ذلك لإسرائيل عزل 62% من الضفة الغربية، تسمى مناطق ج، وتخصيصها بالكامل للتوسع الاستيطاني، وتجزئة ما تبقى إلى 224 من الجيتوهات المعزولة بالحواجز، والمستوطنات والجدار، والطرق العنصرية المحرّمة على الفلسطينيين.

5 - القبول بعقيدة ومبدأ التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، مما وضع السلطة والقيادة الرسمية في معضلة تناقض وصدام مع شعبها ومع قوى المقاومة الفلسطينية.

6 - أحدث إتفاق أوسلو تجزئة للشعب الفلسطيني، وشرخًا وإنقسامًا سياسيًا عميقًا في الساحة الفلسطينية. أصبح قاعدة لانقسامات عديدة أخرى، ولكن الأخطر كان إحداث شرخ عميق بين مكوّنات الشعب الفلسطيني في الداخل (أراضي 1948) والخارج والأراضي المحتلة.

7 - فتح اتفاق أوسلو الباب على مصراعيه للتطبيع العربي والدولي مع كيان الاحتلال والتمييز العنصري.

نستطيع وقف النهج الذي أدى لتلك الخطيئة واستبداله باستراتيجية وطنية فلسطينية كفاحية مقاوِمة

من الناحية الفكرية بُني نهج واتفاق أوسلو على ثلاثة أوهام، وهم الحل الوسط مع الحركة الصهيونية، ووهم حل الدولتين كبديل للهدف الاستراتيجي الفلسطيني الأصلي بإقامة دولة ديمقراطية واحدة على كامل فلسطين التاريخية، ووهم الدور الأمريكي في تحقيق تلك الحلول. وجميعها أوهام أثبتت ثلاثون عاماً عدم صحتها.

وإذا كان الاعتقاد بوهم الحل الوسط مع الحركة الصهيونية كان له ما يبرّره كاجتهاد عندما وُقّع اتفاق أوسلو نتيجة الضغوط الدولية والظروف الصعبة التي كانت تعيشها منظمة التحرير الفلسطينية، فإنّ الاستمرار في التمسّك به والمراهنة على نهج المفاوضات، بعد كل هذه السنوات يُمثّل خطيئة كبرى.

هل كان اتفاق أوسلو ناجحًا أم فاشلًا؟

الجواب، أنه كان فشلًا ومُحبِطًا للجانب الفلسطيني، ونجاحًا عبقريًا للحركة الصهيونية لأنه سمح لها بمواصلة الاحتلال وتكريس منظومة الأبارتهايد بلا تكاليف، بل بأرباح آخرها التطبيع المشين مع المحيط العربي.

ولا يستطيع أحد إنكار أنّ أصواتًا فلسطينية عاقلة، ووطنية حكيمة وقوى فلسطينية حذّرت من ذلك الاتفاق عند توقيعه، وحذرت من مواصلة السير فيه، ومن أبرزها د. حيدر عبد الشافي ود. إدوارد سعيد وكثيرون آخرون، كما لا يستطيع أحد إنكار أنّ الغالبية الساحقة من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني يعارضون اليوم، ليس فقط اتفاق أوسلو، بل ونهج أوسلو المتواصل، بمن فيهم بعض من أُخذوا بأوهام السلام المنتظر ثم استيقظوا على آلام الواقع المرير.

وأول المعارضين لذلك النهج هم جيل الشباب الفلسطيني الذي ولد بعد توقيع الاتفاق، ويتصدّر اليوم المقاومة الفلسطينية الباسلة لظلم الاحتلال ووحشية التمييز العنصري.

لا نستطيع اليوم إعادة عجلة التاريخ للوراء وإلغاء خطيئة أوسلو، وإن كنّا نتمنى ذلك، ولكننا نستطيع أن نطالب بالتحلّل منها، ووقف النهج الذي أدى لتلك الخطيئة، واستبداله باستراتيجية وطنية فلسطينية كفاحية مقاوِمة تعيد توحيد طاقات ومكونات الشعب الفلسطيني، وتعيد صياغة برنامجه الوطني ورؤيته لتشمل ليس فقط إنهاء الاحتلال، وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين همّشت قضيتهم، بل وإسقاط كل منظومة الأبارتهايد العنصرية ومجمل المشروع الاستعماري الاستيطاني (الكولونيالي) في كامل فلسطين التاريخية. وتوجيه رسالة واحدة واضحة للعالم بأسره، أنّ الفلسطينيين لن يقبلوا بذُلّ الاستعباد للاحتلال ونظام التمييز العنصري، وأنّ البديل الوحيد لواقع دولة الأبارتهايد الواحدة، هو الدولة الديمقراطية الواحدة التي يحقق فيها شعب فلسطين حقّه في الحرية الكاملة والكرامة وتقرير المصير.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن