العرب وطموح الوحدة

حاضِرُ "مَجْلِسِ التَّعاوُنِ" يُؤَسِّسُ لِمُسْتَقْبَلِ "جامِعَةِ الدُّوَل"!

الذينَ تابَعوا القِمَّةَ الخَليجِيَّةَ السّادِسَةَ وَالأَرْبَعين، تَمَنَّوْا لَوْ تَذْهَبُ جامِعَةُ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ في المُسْتَقْبَل، إلى ما ذَهَبَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ القِمَّةُ في الحاضِر. القِمَّةُ الخَليجِيَّةُ تَنْعَقِدُ سَنَوِيًّا في مَوْعِدٍ ثابِتٍ مُنْذُ نَشْأَةِ مَجْلِسِ التَّعاوُنِ الخَليجيِّ في 1981، وَلِأَنَّها اخْتارَتْ لِنَفْسِها أَنْ تَنْعَقِدَ في ديسَمْبِر/كانونَ الأَوَّلِ من كُلِّ سَنَة، وَأَنْ تَتَنَقَّلَ بَيْنَ الدُّوَلِ الأَعْضاءِ السِّتِّ من دَوْرَةٍ إلى دَوْرَة، فَإِنَّها حافَظَتْ على ذَلِكَ طَوالَ ما يَقْرُبُ من نِصْفِ قَرْن.

حاضِرُ

بَعْدَ سِتِّ سَنَواتٍ مِنَ اليَوْم، سَوْفَ تَكونُ القِمَّةُ الخَليجِيَّةُ قَدْ أَضافَتْ سِتَّ دَوْراتٍ إلى دَوْراتِ انْعِقادِها السَّنَوِيَّة، وَسَوْفَ يَحْتَفِلُ مَجْلِسُ التَّعاوُنِ الخَليجِيُّ بِالعيدِ الذَّهَبيِّ لِنَشْأَتِه، وَسَوْفَ يَسْتَطيعُ في عيدِهِ الذَّهَبيِّ أَنْ يَقولَ إِنَّهُ حافَظَ على الشَّكْلِ طَوالَ سَنَواتِهِ الخَمْسين، وَمَعَ الشَّكْلِ حافَظَ على شَيْءٍ مِنَ المَضْمون.

في مقدور الشأن الاقتصادي أن يقطع خطواته بين الدول العربية إذا تحاشى ما هو محلّ خلاف سياسي

وَلِأَنَّ الشَّكْلَ جُزْءٌ مِنَ المَضْمون، فَإِنَّ الحِفاظَ عَلَيْهِ هُوَ حِفاظٌ في حَقيقَتِهِ على المَضْمونِ نَفْسِه، حَتّى وَلَوْ كانَ ذَلِكَ تَمَّ أَوْ يَتِمُّ نِسْبِيّا، وَحَتّى لَوْ كانَ الطَّريقُ إلى المَضْمونِ سَوْفَ يَطول، فَفي النِّهايَةِ سَوْفَ يَصِلُ مَجْلِسٌ يَسيرُ بِوَتيرَةِ مَجْلِسِ التَّعاوُنِ إلى غَايَتِه.

قِمَّةُ هَذِهِ السَّنَةِ انْعَقَدَتْ في منطَقَةِ "الصَّخيرِ" في البَحْرَيْن، وَأَصْدَرَتْ في خِتامِها "بَيانَ الصَّخيرِ" وَمنهُ نَفْهَمُ أَنَّ القِمَّةَ رَكَّزَتْ على كُلِّ ما هُوَ اقْتِصادِيّ، وَتَفادَتْ مَناطِقَ الخِلافِ السِّياسِيّ، وَهَذا بِالضَّبْطِ ما قَصَدْتُهُ عِنْدَما أَشَرْتُ إلى أَنَّ جامِعَةَ الدُّوَلِ مَدْعُوَّةٌ إلى أَنْ تَذْهَبَ إِلَيْه. صَحيحٌ أَنَّ السِّياسِيَّ لَا يَنْفَصِلُ كُلَّ الِانْفِصالِ عَنِ الِاقْتِصادِيّ، وَلَكِنَّ الحاصِلَ يَقولُ إِنَّ في مَقْدورِ الشَّأْنِ الاقْتِصاديِّ أَنْ يَقْطَعَ خُطُواتِهِ بَيْنَ الدُّوَلِ العَرَبِيَّة، إِذا تَحاشى ما هُوَ مَحَلُّ خِلافٍ سِياسيٍّ بَيْنَ الدُّوَلِ نَفْسِها إلى أَنْ يَجيءَ وَقْتُهُ المُناسِب.

نَظْرَةٌ مُتَأَمِّلَةٌ في بَيانِ الصَّخيرِ تَقولُ إِنَّهُ يَحْمِلُ الكَثيرَ مِنَ الاقْتِصاد، وَإِنَّهُ يَتَخَفَّفُ مِنَ السِّياسَةِ ما اسْتَطَاع، وَلا دَليلَ على ذَلِكَ أَقْوى من أَنَّهُ يَتَحَدَّثُ مَرَّةً عَنِ الوَحْدَةِ الاقْتِصادِيَّة، وَمَرَّةً ثانِيَةً عَنِ الاتِّحادِ الجُمْرُكِيّ، وَيَتَكَلَّمُ مَرَّةً ثالِثَةً عَنِ السّوقِ الخَليجِيَّةِ المُشْتَرَكَة، ثُمَّ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ يَقولُ إِنَّ الهَدَفَ تَحْويلُ "التَّعاوُنِ" في مُسَمّى المَجْلِسِ إلى "اتِّحاد".

إِنَّ بَيْنَ مَجْلِسِ التَّعاوُنِ الكَثيرَ مِنَ التَّبايُناتِ السِّياسِيَّةِ الطَّبيعِيَّة، وَلا مَجالَ لِلْحَديثِ فيما بَيْنَها عَمّا يُسَمّى "تَطابُقَ الرُّؤى" لأَنَّهُ مُصْطَلَحٌ سِياسِيٌّ غَيْرُ وَاقِعِيّ. وَلأَنَّ الدُّوَلَ السِّتَّ لَا تُريدُ أَنْ تُضَيِّعَ وَقْتَها، فَإِنَّها فيما يَبْدو مِنَ البَيانِ تَقْفِزُ فَوْقَ التَّبايُناتِ القائِمَة، وَتَتَطَلَّعُ إلى ما يَتَجاوَزُها، وَتَفْعَلُ ذَلِكَ بِطُموحٍ يَصِلُ إلى حَدِّ التَّفْكيرِ في قُبَّةٍ صاروخِيَّةٍ دِفاعِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْمي سَماءَها جَميعها.

وَعلى الرَّغْمِ من أَنَّ مَجْلِسَ التَّعاوُنِ الخَليجيِّ بِمَثابَةِ الفَرْع، إِذا ما قورِنَ بِالأَصْلِ الذي هُوَ جامِعَةُ الدُّوَلِ العَرَبِيَّة، إِلَّا أَنَّ الفَرْعَ مُتَقَدِّمٌ إلى غايَتِهِ بِأَكْثَرَ مِمّا هُوَ حاصِلٌ على مُسْتَوى الجامِعَة، وَهُناكَ بِالضَّرورَةِ أَسْبابٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَراءَ مُفارَقَةٍ كَهَذِه، وَلَكِنَّ السَّبَبَ الأَهَمَّ هُوَ أَنَّ الفَرْعَ يَعْمَلُ على المَبْدَأِ الذي يَعْمَلُ بِهِ المُؤْمِنونَ بِفِكْرَةِ الحِوارِ بَيْنَ الأَدْيان.

الجامعة مظلّة لمجالس اقتصادية وثقافية واجتماعية ولا يظهر منها إلا العجز عن احتواء الخلاف بين الإرادات العربية

المُؤْمِنونَ بِهَذِهِ الفِكْرَة، وَالسّاعونَ في طَرِيقِها، وَالمُتَمَسِّكونَ بِها، تَجِدُهُمْ يَتَحَدَّثونَ دائِمًا عَنْ أَنَّ حِوارًا بَيْنَ الأَدْيانِ لَنْ يُكْتَبَ لَهُ النَّجاح، إِلَّا إِذا الْتَقَى الدّاعونَ إِلَيْهِ على ما هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُم، وَتَجَنَّبوا بِالتَّوازِي ما هُوَ مَوْضِعُ خِلافٍ وَاخْتِلاف. هَذِهِ صيغَةٌ ذَهَبِيَّةٌ مُجَرَّبَةٌ في حِوارِ الأَدْيانِ الذي لَمْ يَنْطَلِقْ إِلّا قَريبًا، وَمَعَ ذَلِكَ أَدّى إلى أَكْثَرَ من لِقاءٍ بَيْنَ بابا الفاتيكان، بِاعْتِبارِهِ رَأْسَ الكَنيسَةِ الكاثوليكِيَّة، وَشَيْخِ الأَزْهَر، بِاعْتِبارِهِ رَأْسَ الإِسْلامِ السُّنّيِّ في العالَم.

وَقَدْ تَكَرَّرَ اللِّقاءُ أَكْثَرَ من مَرَّة، لَيْسَ بَيْنَ البابا الحالي، وَشَيْخِ الأَزْهَرِ الحالي، فَقَطْ، وَلَكِنْ بَيْنَ البابا السّابِقِ وَالأَسْبَق، وَشَيْخِ الأَزْهَرِ السّابِقِ وَالأَسْبَق، وَكانَ وَراءَ ذَلِكَ إِيمانٌ بِالصّيغَةِ الذَّهَبِيَّةِ التي تَنْصَحُ بِما هُوَ مُشارٌ إِلَيْه.

وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا جَرَّبَ أَنْ يُحْصِيَ المَجالِسَ الاقْتِصادِيَّةَ وَالثَّقافِيَّةَ وَالاجْتِماعِيَّةَ التابِعَةَ لِجامِعَةِ الدُّوَل، وَالواقِعَةَ تَحْتَ مِظَلَّتِها، فَسَوْفَ يُدْهِشُهُ أَنْ تَكونَ الجامِعَةُ مِظَلَّةً لِكُلِّ هَذِهِ المَجالِس، ثُمَّ لا يَظْهَرُ منها لِلنّاسِ بِامْتِدادِ أَرْضِ العَرَب، إِلّا صَخَبُ الأَمانَةِ العامَّةِ من مَقَرِّها في القاهِرَة، وَإِلّا عَجْزُ الأَمانَةِ العامَّةِ عَنْ احْتِواءِ الخِلافِ بَيْنَ الإِراداتِ العَرَبِيَّةِ المُتَعارِكَةِ داخِلَ الأَمانَةِ وَخَارِجَها.

أَخَذَتْ قِمَّةُ مَجْلِسِ التَّعاوُنِ بِالمَبْدَأ الأَهَمِّ في فِكْرَةِ حِوارِ الأَدْيان، وَاعْتَمَدَتْهُ في قِمَّتِها الأَخيرَةِ بِالذّاتِ من دونِ أَنْ تَقْصِدَ أَوْ تَدْرِي، وَلَوْ شاءَتْ جامِعَةُ الدُّوَلِ لَأَخَذَتْ بِهِ فيما هُوَ مُقْبِلٌ من خُطُواتِها عَنْ قَصْدٍ وَعَنْ دِرايَة، وَساعَتَها يَجوزُ لِلْجامِعَةِ أَنْ تُحَقِّقَ ما تُريدُهُ فيما هُوَ اقْتِصادِيٌّ أَوْ ثَقافِيٌّ أَوْ اجْتِماعِيّ، وَأَنْ تُؤَجِّلَ ما هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ إلى أَنْ يَتَراكَمَ فيهِ ما تَراكَمَ لَدى الاتِّحادِ الأوروبيِّ فَصارَ إلى ما أَصْبَحَ عَلَيْه.

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن