قضايا العرب

العرب وحرب "الحزام" و"الممرّ"... وقائع وتوقعات!

القاهرة - أحمد شوقي العطار

المشاركة

أثار إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة الهند والسعودية والإمارات العربية المتحدة، عن إطلاق طريق تجاري جديد يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا عبر سكك حديدية وموانئ، جدلًا عالميًا واسعًا، خاصة بعدما وصفه البيت الأبيض بـ"بداية عصر جديد من الاتصال".

العرب وحرب

يتضمّن المشروع، الذي أُعلن عنه في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في الهند، من طريقين منفصلين، "ممرًا شرقيًا من الهند إلى دول الخليج العربي، وممرًا شماليًا من دول الخليج إلى أوروبا عبر إسرائيل". ويربط الممرّ الهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي من خلال موانئ شحن وطرق سكك حديدية.

يخدم الممرّ الجديد المصالح الأمريكية من جوانب عدة

يمكن للمشروع، الذي أطلق عليه مسمّى "الشراكة من أجل الاستثمار العالمي في البنية التحتية IMEC"، أن يسرّع التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40%، ويعزّز التعاون الاقتصادي والاتصال الرقمي ونقل الطاقة النظيفة عبر أنابيب لتصدير الهيدروجين الأخضر.

سياسيًا، يخدم الممرّ الجديد المصالح الأمريكية من جوانب عدة، فبخلاف أنه يؤكد نفوذ واشنطن في المحيط الهندي والشرق الأوسط، ويساهم في تعبيد طريق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة السعودية، وهو ما كانت إدارة بايدن تسعى لتحقيقه قبل انتهاء ولايتها الحالية، فهو قبل كل ذلك، جزء من صراع اقتصادي محتدم بين الولايات المتحدة والصين.

يشكّل الممر تحديًا مباشرًا لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وهو مشروع للبنية التحتية أطلقته بكين قبل عقد من الزمن بهدف ربط الصين ببقية العالم، ويسعى لتحجيم نفوذ بكين المتصاعد في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.

تحدث الرئيس الأمريكي عن ذلك علنًا الشهر الماضي، في حفل استقبال لحملته الانتخابية، عندما وصف مبادرة الحزام والطريق الصينية بأنها "اتفاقية ديون وحبل مشنقة"، مؤكدًا أنّ بلاده ومجموعة السبع (G7) تأمل في مواجهتها بالبدائل... "الصين قنبلة موقوتة، وجمعنا مليارات الدولارات في دول مجموعة السبع لتوفير بدائل لما يسمّونه بمبادرة الحزام والطريق".

بدأت المناقشات حول المشروع في يوليو/تموز من العام الماضي خلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية، وفق جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن، الذي أشار إلى أنّ اجتماعًا آخر بين الرياض وأبو ظبي ونيودلهي قد عُقد في وقت سابق من هذا العام لإضفاء الطابع الرسمي على الاتفاق. كما أشركت الولايات المتحدة إسرائيل، التي لا تربطها مع السعودية علاقات دبلوماسية، في المشروع إلى جانب الأردن.

الحزام والطريق

تقوم مبادرة الحزام والطريق، على ربط الصين بجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى ومنطقة الخليج وأفريقيا وأوروبا بشبكة من الطرق البرية والبحرية التي تعيد بناء طريق الحرير التجاري القديم.

ضخّت بكين حوالى تريليون دولار في مشاريع المبادرة حتى الآن، ووقعت اتفاقيات تعاون مع أكثر من 150 دولة، ومع ذلك، واجهت الخطة أزمات عديدة، بما في ذلك نقص التمويل، مما أدى إلى توقف بعض المشاريع.

تواجه الصين تحديًا كبيرًا آخر يتعلّق بإعلان إيطاليا، الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي انضمّت للمبادرة، عن خططها للانسحاب منها، والتي وفقًا لوزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني "لم تحقّق النتائج المتوقّعة".

قد يتسبّب انضمام إيطاليا إلى الممرّ الاقتصادي الجديد، بالتزامن مع انسحابها من مبادرة الحزام والطريق، في أزمة كبيرة لمشروع الصين الطموح، وهو ما سعت إليه واشنطن فيما يبدو.

على جانب آخر، نجحت الولايات المتحدة في استغلال التنافس الاقتصادي بين الهند والصين، واللعب على التناقضات بين حلفاء "بريكس"، لإعادة نيودلهي إلى المعسكر الأمريكي.

تعتبر الهند مبادرة الحزام والطريق أحد أكبر التحديات التي تواجهها من جارتها الصين، التي تستثمر بكثافة في سلسلة من الطرق والسكك الحديدية والموانئ البحرية في جميع أنحاء العالم بهدف المزيد من السيطرة على التجارة المتدفقة عبر أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأوروبا.

نقلة استراتيجية نوعية ذات عواقب جيوسياسية يمكن أن تعيد تشكيل دور الهند في النظام الاقتصادي العالمي

ترى نيودلهي أنّ مخطط طريق الحرير يمثّل عائقًا لنموّها وتجارتها الدولية، وسعت في البداية إلى تجنّب التعرض للحصار، فأنشأت ممرًا خاصًا بها يربط مومباي بموسكو عبر آسيا الوسطى وإيران.

سيتيح الممرّ الجديد للهند فرصة جديدة لتحدي المخططات الصينية في التجارة الإقليمية والعالمية، وسيسمح لها بشحن البضائع إلى الإمارات، ثم نقلها بالقطار عبر السعودية والأردن إلى إسرائيل، ومن هناك، تشحن إلى ميناء بيريوس اليوناني، أحد أكبر الموانئ بأوروبا، مما يتيح للهند الوصول للقارة الباردة بأكملها.

يُشكّل الاتصال الجديد نقلة استراتيجية نوعية ذات عواقب جيوسياسية هائلة يمكن أن تعيد تشكيل دور الهند في النظام الاقتصادي العالمي، وفقًا لمايكل تانشوم الباحث بجامعة نافارا في إسبانيا.

يحقّق الممرّ أيضًا مكاسب كبرى لإسرائيل، الحليف الأمريكي الرئيس بالشرق الأوسط، فهو يضعها كمركز للطريق التجاري الجديد، ويسهّل تطبيع العلاقات بينها وبين الرياض.

لذا خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الفور ليشيد بالمشروع واصفًا إياه بأنه "التعاون الأعظم في تاريخنا".

لم يحدَّد حتى الآن من سيدفع تكاليف المشروع، التي تبلغ 20 مليار دولار أمريكي

في أول ردّ فعل من بكين، بعدما غاب زعيمها شي جين بينغ عن اجتماع قمة العشرين الذي أعلنت خلاله الصفقة، قالت الخارجية الصينية إنها ترحب بالممرّ الجديد وبأيّ مبادرة تساعد الدول النامية في بناء البنية التحتية، طالما لن تصبح "أداة جيوسياسية".

لكن يبدو أنّ التكامل الذي تتحدث عنه الصين أمر بعيد المنال، وفق سينزيا بيانكو، الزميلة الزائرة في مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين.

قالت بيانكو في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية إنه من المحتمل ألا يكون هناك حجم تجارة كافٍ في المنطقة لجعل مشروع بايدن ومبادرة الصين قابلين للتطبيق في الوقت نفسه، مضيفة: "الممر الجديد هو بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ولا يمكن أن يكون مكمّلًا لها".

وفق خبراء، يمكن تفعيل الممرّ في المستقبل القريب، إذ "يتعيّن فقط بناء 300 كيلومتر من السكك الحديدية في الأردن والسعودية، ليكتمل الممرّ".

رغم ذلك، لم يحدّد حتى الآن من سيدفع تكاليف المشروع، التي تبلغ 20 مليار دولار أمريكي، وسوف تضع مجموعة العمل التي ستُعيّن من قبل القادة، خططًا أكمل على مدار الستين يومًا القادمة، بما في ذلك جدول زمني لبناء البنية التحتية.

توازن أم ضغوط؟

إلى جانب إيطاليا، تعدّ كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أعضاء في الممرّ الجديد ومبادرة الحزام والطريق الصينية معًا.

في الوقت الذي استقبلت فيه الدولتان الخليجيتان دعوة من قادة "بريكس"، قبل أسابيع قليلة، للانضمام إلى المجموعة، كانت الإمارات تلعب دورًا محوريًا لإتمام صفقة الممرّ الجديد، وفق ما أكد بايدن نفسه، عندما وجّه الشكر لمحمد بن زايد أكثر من مرة خلال القمة، قائلًا: "لا أعتقد أننا سنكون هنا بدونك".

تفسّر ورقة استراتيجية صادرة عن المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية هذا التناقض بأنه محاولة خليجية لرفض الضغوط المستمرة من أجل اختيار أحد الجانبين، والحفاظ على موقف متوازن مع واشنطن وبكين، يتضمّن التعاون السياسي والاقتصادي في جميع المجالات، ما يجعل دول الخليج ذات أهمية استراتيجية.

تقول الورقة إنّ الحزام والممرّ بالنسبة للسعودية والإمارات، ليست مبادرات متعارضة، ففي كل من الحالتين، يتمتّع الخليج بأفضلية اقتصادية وتجارية.

تستخدم دول الخليج التعددية القطبية في النظام العالمي الجديد لوضع نفسها في قلب التجارة العالمية

تشير أيضًا إلى أنّ لكل من "الحزام" و"الممر"، نتيجتين فوريتين، ورمزيتين أيضًا، بالنسبة لمنطقة الخليج:

أولاً، تعزيز الدور الجيواقتصادي والجيوستراتيجي للسعودية والإمارات في طرق التجارة العالمية والأمن العالمي.

ثانيًا، تعظيم الطموحات الاقتصادية وطموحات الطاقة السعودية والإماراتية، مما يوفّر لهما فرصًا جديدة ومفيدة للتنويع في مرحلة ما بعد النفط وتنفيذ برامج الطاقة الوطنية.

على عكس المتداول، يسمح مشروع الممرّ للرياض وأبو ظبي بإظهار درجة استقلاليتهما، خاصة وأنّ إعلانه يأتي في أعقاب قبولهما مؤخرًا كعضوين بمجموعة "بريكس"، ويعيد تأكيد الموقف المتعدّد الأقطاب الذي تبنّته الدولتان.

تتفق بيانكو مع هذا الطرح، وتقول: "تستخدم دول الخليج هذه التعددية القطبية في النظام العالمي الجديد لمحاولة وضع نفسها في قلب التجارة العالمية، وتحاول الاستثمار بشكل أكبر في الاتصال والعولمة". وتضيف: "قرار دول الخليج بالانضمام إلى المشروع الجديد قد يكون مدفوعًا بتباطؤ الاقتصاد الصيني، فقرّرت ألا تضع البيض كلّه في سلة واحدة، وتنوّع أوراقها لترى ما سيحدث أولًا".

مصر ولبنان وتركيا

حتى الآن، لا تبدو التأثيرات المتوقعة للممرّ الجديد على قناة السويس واضحة، رغم التأكيدات التي صدرت عن خبراء مصريين بعدم تأثّرها استنادًا إلى مقارنات بشأن استيعاب السفن والحاويات والقطارات للبضائع.

قال براميت بال تشودوري، رئيس ممارسة جنوب آسيا في مجموعة أوراسيا، إنّ الممرّ الجديد سيوفّر المال والوقت مقارنةً بقناة السويس، التي تمثّل عنق الزجاجة الرئيس للتجارة البحرية العالمية، وتتعامل مع ما يقرب من 10% منها، ولكنها أحيانًا ما تعاني من الاضطرابات، كحادث سفينة الحاويات العملاقة "إيفر جيفن" في مارس/آذار 2021.

ويرى أنّ الممرّ قد يكون بديلًا لقناة السويس في أوقات الاضطرابات، لتقليل خطرها، لكن بشكل عام تبدو فرص التكامل بينهما أكبر.

على جانب أخر، ووفق الخطة المعلنة، سيعمل الممر الاقتصادي على تطوير البنية التحتية لتمكين إنتاج ونقل "الهيدروجين الأخضر"، وغيره من مصادر الطاقة.

رفض تركي... وتساؤلات لبنانية "لماذا حيفا وليس بيروت"؟

اتّفق العديد من الخبراء على أنّ إنشاء أي خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز والهيدروجين الأخضر، يمثّل تهديدًا حقيقيا لقناة السويس، لأنّ ناقلات الطاقة تمثّل نسبة كبيرة من السفن المارة من القناة.

ولا تبدو مصر، الرسمية، مرحّبة بالمشروع الجديد، لكن ليس بسبب ما يثار عن تهديده لقناة السويس، بل لاستبعادها منه، وهو الموقف نفسه الذي يتخذه كل من لبنان وتركيا، لكنّ الأخيرة أعلنت عن موقفها المعارض للممرّ الجديد بوضوح فور الإعلان عنه، إذ قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لا يمكن أن يكون هناك ممرّ بدون تركيا، لأنها قاعدة إنتاجية وتجارية أساسية. وفي لبنان، ثارت التساؤلات على استحياء وسط طرح علامة استفهام كبيرة حول سبب اختيار "حيفا" بدلًا من "بيروت" كممرّ للمشروع!

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن