اقتصاد ومال

الأثر الاقتصادي لزيادة الرسوم الجمركيّة!

تُـمثّل الرسوم الجمركيّة إحدى الآليات الهامة التي تستخدمها الدول لتنظيم حركة السلع والبضائع عبر حدودها، وتعتبر جزءًا أساسيًا من السياسات التجارية الدولية، وتهدف في الأساس إلى تحقيق أهدافٍ عدّة، منها حماية الصناعات المحلية، وتشجيع التجارة الدولية العادلة، وتعزيز الإيرادات الحكومية.

الأثر الاقتصادي لزيادة الرسوم الجمركيّة!

في ضوء الأمر التنفيذي الذي زاد دونالد ترامب بموجبه الرسوم الجمركيّة على عددٍ من الدول، التي تعتبر أميركا أنّ الميزان التجاري معها يميل بقوة لحساب تلك الدول، في خطوةٍ لإعادة هيكلة التجارة العالمية بما يعود بالنفع على أميركا حسب وجهة نظرها، دخلت هذه الرسوم حيّز التنفيذ في 7 أغسطس/آب 2025، علمًا أنّ نسبة الرسوم الجمركية الجديدة تتراوح ما بين 10 و41%، وعلى رأس هذه القائمة سوريا؛ التي فُرضت عليها رسوم عالية. وجدير بالذكر أنّ هذه التعريفات ستُطبّق على الدول التي لم تتوصّل إلى اتفاقات تجارية ثنائيّة مع أميركا.

الرسوم الإضافية أثارت اضطرابًا واسع النطاق في صفوف الشركات المُصدِّرة إلى أميركا

وبناءً على ما تقدّم، حُددت نسبة التعريفات الجمركية على منتجات دول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية بـ15%، وبريطانيا بـ10%، وهي تحتاج إلى مفاوضات إضافية، علمًا أنّ غالبيّة الدول التي ذُكرت في القائمة الجديدة، بلغت نسبة الرسوم الجمركيّة الإضافية عليها 15%.

أثارت هذه الرسوم الإضافية اضطرابًا واسع النطاق في صفوف الشركات المُصدِّرة إلى أميركا، وستكون تداعيات هذا القرار صعبةً على بعض الدول، مثل سويسرا التي بلغت نسبة الرسوم الإضافية على صادراتها إلى أميركا 39%، وكندا التي زاد ترامب الرسوم الجمركية على منتجاتها غير المشمولة باتفاقية التجارة الحرّة لأميركا الشمالية من 25% إلى 35%.

في المقابل، أعربت العديد من الدول الآسيوية التي تعتمد بقوة على السوق الأميركية، عن ارتياحها لخضوع صادراتها لتعريفات جمركية إضافية تقلّ عن تلك التي كان ترامب يعتزم فرضها، مثل كمبوديا وتايلاند اللتَيْن خُفّضت الرسوم على بضائعهما من 36% إلى 19%، أمّا تايوان فأعربت عن أملها في إبرام اتفاقٍ يُخفّض الرسوم التي فُرضت على صادراتها، ونسبتها 20%.

ووفقًا للبيانات، فإنّ الرسوم الجمركيّة الجديدة المفروضة على الدول كانت تفصيليًا كالتالي: 41% على سوريا، وهي النسبة الأعلى، 40% على كلّ من لاوس وميانمار، 39% على سويسرا، 35% على كلّ من صربيا والعراق، 30% على الجزائر وجنوب أفريقيا والبوسنة والهرسك، 25% على الهند وتونس ومولدوفا وكازاخستان، 20% على تايوان وفيتنام وبنغلاديش وسريلانكا، 19% على تايلاند وكمبوديا وماليزيا وإندونيسيا وباكستان والفيليبين. كما شملت القائمة دولًا من كلّ القارات، مثل: فنزويلا، ونيكاراغوا، وأيسلندا، وناورو، وجزر فوكلاند، وغيرها، في حال عدم تفعيل الاتفاقات الثنائيّة، وتُعدّ هذه الخطوة إحدى أقوى أدوات الضغط التجاري التي استخدمتها أميركا.

يتوقّع صندوق النقد أن ترتفع الديون إلى مستوى يُعادل 100% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2030

وقد رحّبت اليابان بالأمر التنفيذي الذي يُحدّد الرسوم الجمركيّة الجديدة المتبادلة لليابان، كخطوةٍ من شأنها أن تُخفّف من حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية الأميركية وتأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك اقتصاد اليابان. ومع ذلك، فإنّ اليابان لا تزال بحاجةٍ إلى دراسة الإجراءات عن كثب ومواصلة حثّ الحكومة الأميركية على التنفيذ الفوري للاتفاقيّة.

وقد تجاوز الدين العام العالمي 100 تريليون دولار في نهاية عام 2024، وفقًا لـ"صندوق النقد الدولي"، وهو أعلى من القيمة الإجمالية للأموال المُسجّلة عالميًا والمُقدّرة بـ80 تريليون دولار. ويتوقّع الصندوق أن ترتفع الديون إلى مستوى يُعادل 100% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030. وتشكّل ديون أميركا الجزء الأكبر من هذه الديون، إذ بلغت 36 تريليون دولار في عام 2024، أي ما يُعادل 34.6% من الإجمالي العالمي، بالرّجوع إلى بيانات وزارة الخزانة الأميركية.

وعلى الرَّغم من التحذيرات من مخاطر استمرار ارتفاع ديون أميركا، إلّا أنّ الحكومة الأميركية واصلت الاقتراض لتصل الديون إلى 36.2 تريليون دولار. وعلى النّقيض من النموّ الاقتصادي في أميركا، تعاني العديد من دول العالم الثالث، بما فيها دول عربية مثل مصر والمغرب والأردن وتونس، من دوّامة الديون وفوائدها المرتفعة التي تستنزف نسبةً كبيرةً من ناتجها المحلي، وعلى الرَّغم من ذلك، تبقى ديون هذه الدول ضئيلةً مقارنةً بديون أميركا.

تعاني الدول النامية من أزمات في خدمة ديونها السيادية التي تُستخدم كأداة للهيمنة الجيوسياسية والاقتصادية

وفي الختام، تُعدّ الولايات المتحدة الأميركية أكبر اقتصاد في العالم، تليها الصين كثاني أكبر اقتصاد، مع ناتجٍ محلّي إجماليّ يتجاوز 18 تريليون دولار. ومن هنا تُطرح تساؤلات عدّة حول بنية الاقتصاد العالمي، لعلّ أبرزها، كيف تتمكّن أميركا من الحفاظ على استقرارها الاقتصادي على الرَّغم من ارتفاع مستويات ديونها العامة، وذلك لأنّ أميركا هي المصدر الرئيسي - بل والوحيد فعليًّا - للدولار، العملة الاحتياطيّة الأولى عالميًا، ما يمنحها قوةً اقتصاديةً واستراتيجيةً فريدة.

في المقابل، تعاني الدول النامية من أزماتٍ متكرّرةٍ في خدمة ديونها السيادية، التي غالبًا ما تُستخدم كأداةٍ للهيمنة الجيوسياسية والاقتصادية، خصوصًا في دول أفريقيا وآسيا، لا سيّما في ظل ما تعكسه هذه المقالة من الأثر الاقتصادي لزيادة الرسوم الجمركية!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن