في خِضَمِّ هذِهِ التَّحَدِّيات، تَكْمُنُ فُرَصٌ جَديدَةٌ لِتَأمينِ النُّمُوِّ الشّامِلِ لِلجَميع، وَخَلْقِ الوَظائِفِ المُسْتَدامَة، وَمُواجَهَةِ التَّغَيُّرِ المُناخِيّ، وَالاسْتِفادَةِ مِنَ الثَّوْرَةِ الرَّقْمِيَّة. وَيَشْمَلُ ذلِكَ التَّحَوُّلَ الرَّقْمِيّ، وَالاِسْتِثْمارَ الأَخْضَر، وَالأَسْواقَ الاِقْتِصادِيَّةَ الجَديدَة، وَتَحَوُّلَ نِظامِ الطّاقَة، وَطَبيعَةَ العَمَلِ المُتَغَيِّرَة. وَقَدْ بَدَأَتْ دُوَلٌ مِثْلَ مِصْرَ وَموريتانْيا وَالمَغْرِبِ وَالإِماراتِ بِالفِعْلِ في الاسْتِفادَةِ مِنْ فُرَصِ الطَاقَةِ الخَضْراء، وَبِإِمكانِ الدُّوَلِ العَرَبيَّةِ كَذلِكَ اِقْتِناصُ فُرْصَةِ الاسْتِفادَةِ مِنْ تَوَسُّعِ التِّجارَةِ البَيْنِيَّة.
ينبغي أن يمسك القطاع الخاص بعجلة القيادة لزيادة النشاط الاقتصادي بدعم من قطاع عام قوي
وَتَجْدُرُ الإِشارَةُ إِلى أَنَّ التَّرْكِيزَ على الاسْتِقْرارِ الاقْتِصاديِّ الكُلّيِّ وَالماليِّ هُوَ نُقْطَةُ الانْطِلاق، وَقَدْ قامَتِ العَديدُ مِنَ الحُكوماتِ بِزِيادَةِ الإِنْفاقِ وَتَقديمِ الدَّعْمِ الاجْتِماعيِّ لِمُواجَهَةِ أَزْمَةِ غَلاءِ المَعيشَة، وَلَمْ تَأْتِ مِثْلُ هذِهِ التَّدابيرِ مِنْ دونِ تَكْلِفَة، إِذْ اسْتَدْعَتْ في الغالِبِ الاقْتِراض. وَمَعَ ارْتِفاعِ تَكاليفِ خِدْمَةِ الدَّيْن، يَضيقُ الحَيِّزُ المُتاحُ لِلتَّصَرُّفِ في المالِيَّةِ العامَّة، مَعَ اسْتِمْرارِ الحُكوماتِ في مُواجَهَةِ المَخاطِرِ مِنَ الصَّدَماتِ المُسْتَقْبَلِيَّة، وَالالْتِزاماتِ الاحْتِمالِيَّة، وَتَفاقُمِ الضُّغوطِ المُناخِيَّة. وَمَعَ قِيامِ الحُكوماتِ بِسَدادِ دُيونِها، يَنْبَغي أَنْ تَعكُفَ على تَعبِئَةِ الإيرادات، عَنْ طَريقِ إِلْغاءِ الإِعْفاءاتِ غَيْرِ الفَعّالَة، وَتَعْزيزِ العَدالَةِ الضَّريبِيَّة، وَالحَدِّ مِنَ الإِنْفاقِ على الدَّعْمِ غَيْرِ المُوَجَّه، وَالسَّيْطَرَةِ على فاتُورَةِ أُجورِ القِطاعِ العامّ.
مِنْ شَأْنِ ضَمانِ اضْطِلاعِ القِطاعِ الخاصِّ بِدَوْرٍ أَكْثَرَ شُمولًا أَنْ يَكونَ عامِلًا أَساسِيًّا لِخَلْقِ فُرَصِ العَمَل؛ فَالقِطاعُ الخاصُّ يُوَفِّرُ أَكْثَرَ مِنْ 80% مِنَ الوَظائِفِ في الدُّوَلِ العَرَبيَّة. وَمَعَ اضْطِلاعِ القِطاعِ العامِّ بِالعَمَلِ على خَلْقِ بيئَةٍ تَمْكينِيَّة، يَنْبَغي أَنْ تَضْطَلِعَ مُؤَسَّساتُ القِطاعِ الخاصِّ بِمَسْؤولِيَّةِ زِيادَةِ الاسْتِثْمارِ وَالإِنْتاجِيَّةِ وَالقُدْرَةِ التَّنافُسِيَّة، مَعَ تَدْريبِ القُوى العامِلَةِ لِلاسْتِفادَةِ مِنَ التِّكْنولوجْيا المُتَغَيِّرَة. وَبِالتّالِي، يَنْبَغي أَنْ يُمْسِكَ القِطاعُ الخاصُّ بِعَجَلَةِ القِيادَةِ لِزِيادَةِ النَّشاطِ الاقْتِصاديِّ، بِدَعْمٍ مِنْ قِطاعٍ عامٍّ قَويٍّ وَعلى دَرَجَةٍ عالِيَةٍ مِنَ الكَفاءَة.
يمكن أن يرتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بأكثر من 40% في ظلّ التحوّل الرقمي
وَتَنْتَشِرُ المُؤَسَّساتُ المَمْلوكَةُ لِلدَّوْلَةِ في المِنْطَقَةِ العَرَبيَّة، بِحَيْثُ تَتَراوَحُ مِنْ مُؤَسَّساتِ الصِّناعاتِ التَّحْويلِيَّةِ لِلتَّبْغِ وَالمَنْسوجاتِ وَالمَوادِّ الغِذائِيَّةِ وَالأَثاث، إِلى مُؤَسَّساتِ الاتِّصالاتِ وَإِنْتاجِ الكَهْرَباء. وَهَذا التَّواجُدُ الكَبيرُ لِلقِطاعِ العامِّ في الأَنْشِطَةِ التِّجارِيَّة، وَبِصِفَتِهِ المَلاذَ الأَوَّلَ لِلتَّوْظيف، يَخْلُقُ أَوْجُهَ عَدَمِ كَفاءَةٍ وَتَشَوُّهات، مِمّا يُشَكِّلُ عِبْئًا كَبيرًا على نُمُوِّ الإِنْتاجِيَّةِ الكُلِّيّ.
وَمِنْ شَأْنِ اعْتِمادِ التِّكْنولوجْيا الحَديثَةِ أَنْ يُعَزِّزَ فُرَصَ التَّحَوُّلِ الجَذْرِيّ. وَوِفْقًا لِدِراسَةٍ أَعَدَّها "البَنْكُ الدَّوْلِيُّ"، يُمْكِنُ أَنْ يَرْتَفِعَ نَصيبُ الفَرْدِ مِنْ إِجْماليِّ النّاتِجِ المَحَلّيِّ بِأَكْثَرَ مِنْ 40% في ظِلِّ التَّحَوُّلِ الرَّقْمِيِّ الَّذِي يُؤَدِّي إِلى رَفْعِ مُسْتَوَياتِ الكَفاءَةِ وَالإِدْماجِ وَالصَّلابَةِ. غَيْرَ أَنَّهُ لا تَزالُ هُناكَ إِمْكاناتٌ كَبيرَةٌ غَيْرُ مُسْتَغَلَّةٍ بَعْد؛ فَالهَواتِفُ الذَّكِيَّةُ مُسْتَخْدَمَةٌ على نِطاقٍ واسِع، وَلَكِنَّ التِّجارَةَ الإِلِكْتِرونِيَّةَ لا تَزالُ حَديثَةَ العَهْد، وَلا تَزالُ أَوْجُهُ التَّفاوُتِ قائِمَةً في اعْتِمادِ التِّقْنِيّاتِ الرَّقْمِيَّةِ بَيْنَ الدُّوَلِ مُنْخَفِضَةِ الدَّخْلِ وَالدُّوَلِ مُرْتَفِعَةِ الدَّخْلِ في المِنْطَقَة.
من الضروري تقوية الروابط الإقليمية في التجارة والاستثمار
وَعلى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الإصْلاحاتِ سَتَسْتَغْرِقُ وَقْتًا غَيْرَ قَصيرٍ لِكَيْ تُؤْتِيَ نَتائِجَها، فَإِنَّ ضَمانَ نَجاحِها يَقْتَضِي تَوافُرَ بَعْضِ المُكَوِّناتِ الأَساسِيَّة، بَلِ الحَيَوِيَّة. وَاسْتِنادًا إِلى التَّجارِبِ السّابِقَةِ عَبْرَ دُوَلِ المِنْطَقَة، فَإِنَّ شُعورَ الحُكوماتِ بِمِلْكِيَّتِها التّامَّةِ لِبَرامِجِ الإصْلاحِ هُوَ عامِلٌ رَئيسِيٌّ لِنَجاحِ الإصْلاحاتِ وَاسْتِمْرارِها. وَمِثْلُ هَذا الشُّعورِ بِالمِلْكِيَّةِ سَيُساعِدُ الحُكوماتِ في التَّغَلُّبِ على مُقاوَمَةِ التَّغْيير. وَالعامِلُ الثّاني هُوَ شَفّافِيَّةُ التَّواصُلِ لِضَمانِ إِبْلاغِ الجُمْهورِ بِضَرورَةِ التَّغْييرِ وَبِناءِ التَّأييدِ اللّازِمِ للاِخْتِياراتِ العَسيرَة. وَسَيَتَطَلَّبُ ذلِكَ إِقامَةَ حِوارٍ حَقيقيٍّ في اِتِّجاهَيْن، تَقومُ الحُكوماتُ مِنْ خِلالِهِ بِتَلَقّي الآراءِ التَّقْييمِيَّةِ مِنَ الأَطْرافِ المَعْنِيَّةِ الرَّئيسِيَّة، وَإِدْراجِها في بَرامِجِ الإصْلاحِ الاِقْتِصاديِّ في الدُّوَلِ العَرَبيَّة.
وَفي الخِتامِ، إِنَّ اِرْتِباكَ المَشْهَدِ العالَميِّ في الوَقْتِ الحاضِر، يَدْعو إِلى اِنْطِلاقَةٍ جَديدَةٍ لِلشَّراكَاتِ الإِقْليمِيَّةِ في مَنْطِقَةِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّة. فَالتَّراجُعُ في وَتيرَةِ التَّكامُلِ التِّجاريِّ وَالاقْتِصاديِّ سَيُلْحِقُ أَكْبَرَ الضَّرَرِ بِالدُّوَلِ مُنْخَفِضَةِ الدَّخْلِ في مَنْطِقَةٍ تَتَّسِمُ بِدَرَجَةٍ عالِيَةٍ مِنَ الهَشاشَة. كَما أَنَّ تَخْفيضَ التَّدَفُّقاتِ الرَّأْسْمالِيَّةِ وَالاسْتِثْمارِ الأَجْنَبيِّ المُباشِرِ سَيَفْرِضُ المَزيدَ مِنَ القُيودِ على حُصولِ هذِهِ الدُّوَلِ على التَّمْويل، وَنَشْرِ التِّكْنولوجْيا، وَتَحْسينِ آفَاقِ النُّمُوّ. وَمَعَ ضَعْفِ الرَّوابِطِ العالَمِيَّة، سَيَكونُ مِنَ الضَّروريِّ تَقْوِيَةُ الرَّوابِطِ الإِقْليمِيَّةِ في التِّجارَةِ وَالاسْتِثْمار. وَلِتَشْجيعِ التَّحَوُّلِ الرَّقْمِيّ، يَتَعَيَّنُ على الحُكوماتِ خَلْقُ بيئَةٍ تَمْكينِيَّةٍ قَوِيَّة، وَهَذا يَعْني تَقْوِيَةَ البُنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ الرَّقْمِيَّة، وَالنُّهوضَ بِالثَّقافَةِ الرَّقْمِيَّة، وَتَنْمِيَةَ مَهاراتِ القُوى العامِلَة.
(خاص "عروبة 22")

