وجهات نظر

العالم العربي في مواجهة الكوارث الطبيعية: تعاون غائب!

مرّة أخرى يجد العالم العربي نفسه وحيدًا في مواجهة تحديات غير مسبوقة في المنطقة، فبعد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي عصفت باستقرار عدد من الدول العربية، وبعد جائحة كورونا التي ألقت بظلالها الثقيلة على عالمٍ عربيٍّ تتخبّط معظم دوله في أزمات اقتصادية حادة؛ فاقمت الكوارث الطبيعية التي شهدتها المنطقة العربية خلال الأشهر القليلة الماضية من حدة هذه الأزمات، وعرَّت واقعًا لطالما سعينا جاهدين لتجاهله وإنكاره؛ كوارث بالجملة، إمكانيات محدودة وتعاون عربي غائب.

العالم العربي في مواجهة الكوارث الطبيعية: تعاون غائب!

حرائق الجزائر وزلزال المغرب وفيضان ليبيا، لم تكن هذه الكوارث ولا تداعياتها على الاقتصاد والمجتمع كافية لإقناع العرب بضرورة التنسيق والتعاون وتجاوز الخلافات السياسية، كما لم تكن جائحة كورونا مقنعة قبل ذلك؛ لقد تابعنا خلال هذه الفترة كيف أسهمت الجائحة في انهيار عائدات النفط وعائدات السياحة والتجارة، الأمر الذي أسفر عن تآكل سريع لاحتياطات العملة الصعبة، وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة وتراجع قياسي لمعدلات النمو، كما أسفر عن تحديات اجتماعية وأمنية فاقمت اضطراب الأوضاع وزادت من هشاشة استقلالية القرار العربي.

تصدّع التكتلات العربية ناجم عن تفاقم الخلافات البينية وتصاعد حدة الاستقطاب بين أعضائها

تعاقب الكوارث والجوائح يسائلنا دومًا عن دور التكتلات الإقليمية العربية في مساعدة مختلف دول المنطقة على تجاوز أزماتها، والتخفيف من آثارها الاجتماعية والاقتصادية، كمجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي وجامعة الدول العربية، وهي تكتلات تعرف في الوقت الراهن تصدّعًا وجمودًا تنظيميًا، ناجمًا عن تفاقم الخلافات البينية وتصاعد حدة الاستقطاب بين أعضائها.

على سبيل المثال، ألقت الخلافات السياسية البينية بظلالها على التكتل الخليجي خلال فترة الجائحة، فعلى الرغم من مسارعة أعضائه إلى عقد عدة اجتماعات وزارية طارئة، وإنشائهم لغرفة عمليات موحدة بُغية التنسيق بين مختلف الحكومات الخليجية لتدبير هذه الأزمة، ومصادقتهم على مجموعة من القرارات التي تضمّنت تدابير تتعلّق بضمان حرية المبادلات التجارية والعمل المشترك، إلا أنّ إغفالهم الحديث عن آليات تنزيل وتنفيذ هذه القرارات في ظلّ استمرار مقاطعة عدد من دول المجلس آنذاك لدولة قطر، جعل من التدابير المتخذة مجرّد إجراءات شكلية لم تؤتِ نتائج ملموسة في مواجهة آثار جائحة كورونا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وزاد من تعميق أزمة الثقة بين أعضاء هذا التكتل الإقليمي، وتفويت فرصة استثمار الأزمة الناجمة عن جائحة كورونا لتذويب خلافاتهم البينية، وتوجيه جهودهم نحو تقوية البيت الخليجي ووضع استراتيجيات كفيلة بتجنيب دول المجلس التداعيات المرتقبة.

بالانتقال إلى التكتل المغاربي، نجد أنّ الجمود لا يزال هو السمة الغالبة عليه منذ سنة 1994، تاريخ آخر اتفاقية وُقعت بين أعضائه وآخر لقاء قمة جمعت بينهم بتونس، فعلى الرغم من الخسائر الكارثية لجائحة كورونا والآثار المدمّرة لحرائق الجزائر وزلزال المغرب وفيضان ليبيا على دول المَغَارِبْ، إلا أنّ عِظَم التهديد لم يُشكّل حافزًا لبعضها من أجل تجاوز الخلافات البينية التي عصفت بهذا الاتحاد، وأدخلته في سباتٍ عميق فَوَّتَ على المنطقة فُرصًا عديدة للتنمية والنهوض الاقتصادي.

وباستثناء بعض التحركات المعزولة لدعم هذا البلد أو ذاك، لم يُسجَّل أيّ تحركٍ من قبل الاتحاد أو أعضائه للتنسيق المشترك وتفعيل آليات التضامن لتدبير الأزمات الناجمة عن الكوارث ومواجهة آثارها؛ في المقابل آثرت الدول الأعضاء الانغلاق وسلك طريق التدابير الأحادية، بل ورفض المساعدات البينية كما حدث في حرائق الجزائر وزلزال المغرب.

أمام التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تفرضها الأزمات الناجمة عن الكوارث الطبيعية على مجموع الدول العربية، وأمام الجمود والتصدّع الذي تعرفه التكتلات الإقليمية بالمنطقة، سيكون من الصعب مستقبلًا على هذه الدول مواجهة تبعات وتداعيات الكوارث الطبيعية بشكل منفرد، في الوقت الذي يعاني معظمها من أزمات اقتصادية وسياسية مزمنة وحروب أهلية طاحنة، كما سيكون من سوء التقدير الاستمرار في ترجيح كفة الخلاف على كفة التعاون.

يجب استبدال الأرضية السياسية بأرضية اقتصادية حتى يتسنى لقاطرة الاقتصاد أن تجرّ وراءها قاطرة السياسة

نزعم أنّ التعاون والتكتل هو السبيل الأوحد للتصدي لآثار هذه الكوارث وتسريع تجاوزها، فالتكتلات الاقتصادية والسياسية الإقليمية كانت ولا تزال السمة الأبرز للمناخ الاقتصادي والسياسي الدولي، وإحدى أهم أدوات التنمية المستدامة التي ستمكّنها من تبادل خبراتها وتجاربها ومواردها عبر آليات التعاون المتبادل وصولًا إلى التكامل والاندماج، الذي هو مطلبُ شُعوبِ المنطقة منذ تأسيس جامعة الدول العربية سنة 1945.

مفروض استثمار هذه الأزمات للتّأسيس لتغييرٍ جذري في طريقة عمل مختلف التكتلات العربية، ابتداءً بمراجعة مواثيقها وآليات عملها ومؤسستها التي تَنهلُ من رؤية لا تتناسب وتحديات القرن الواحد والعشرين، كما يجب استبدال الأرضية السياسية التي تـأسّست عليها بأرضية اقتصادية حتى يتسنى لقاطرة الاقتصاد أن تجرّ وراءها قاطرة السياسة، وإلا فإنّ المنطقة العربية ستكون محكومة بتكرار تجارب الماضي، وحصد الثمار نفسها التي أسهمت في رسم ملامح الواقع المرير الذي تعيشه معظم الشعوب العربية اليوم.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن