قضايا العرب

حقوق المرأة المصرية تصطدم بسقف "الحوار" المنخفض

القاهرة - تامر هنداوي

المشاركة

كانت إحدى التوصيات الهامة التي صدرت عن "الحوار الوطني" الذي شاركت فيه أحزاب الموالاة والمعارضة المصرية، تعديل قانون أحكام الولاية على المال لتصبح الأم في المرتبة التالية مباشرة بعد الأب وصية على أموال أبنائها الُقصّر، وهو ما اعتبره مراقبون أحد الإنجازات القليلة للحوار.

حقوق المرأة المصرية تصطدم بسقف

فيما يرى نواب شاركوا في الحوار أنّ التوصية تمثّل انتصارًا لحقوق المرأة، اعتبر نشطاء حقوقيون أنّ التوصية جاءت أقلّ من المتوقّع، لا سيما بعد ما شهدته لجان الحوار من مناقشات، تتعلق بالعديد من المطالب التي تنصف المرأة وتمنحها بعض حقوقها المسلوبة بدءًا من التعليم والعمل والمشاركة السياسية، والاجتماعية، وصولًا لقضايا أحدث عهدًا، مثل الاختلافات الجندرية المجتمعية والحقوق الإنجابية، والمراكز القانونية للمرأة.

"الإشكالية الأولى التي شهدها الحوار، تتعلّق بعدم وجود محور خاص بالتمييز والمواطنة، ما مثّل عيبًا وميزةً في الوقت نفسه"، بحسب تعبير إلهام عيداروس وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية تحت التأسيس.

عيداروس وهي إحدى المشاركات في جلسات الحوار قالت لـ"عروبة 22": "حاولنا التعامل مع عدم وجود لجنة خاصة بالتمييز والمواطنة ضمن الحوار الوطني كميزة بفرض قضية "مناهضة التمييز" في كل المحاور واللجان وعدم اقتصارها على المحور المجتمعي، مضيفة "في المحور السياسي على سبيل المثال طرحنا التمييز ضد الأم المصرية، حيث يشترط قانون الأحزاب أن يكون الأعضاء المؤسسين من أب مصري".

"لا تنفصل القضايا السياسية عن قضايا المرأة، فطالبنا بإقرار القائمة النسبية في الانتخابات التشريعية بدلًا من القائمة المطلقة التي رغم تضمينها كوتة للمرأة إلا أنها  جعلت تمثيلها محصورًا في فئة واحدة وهي الفئة الموالية للسلطة، والدليل على ذلك أن في برلمان 2015، فاز عدد من المعارضين الذين تنافسوا على المقاعد الفردية شكلوا تحالف 25/ 30، لم يكن بينهم امرأة واحدة"، تابعت عيداروس.

نِسَب الطلاق

قصرت السلطة قضايا المرأة على محور المجتمعي وتماسك الأسرة، ما فتح الباب لانتقادات تتعلّق بأنّ هدف اللجنة هو تخفيض نسب الطلاق في المجتمع وليس سعادة المواطنين.

تقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، كشف عن عدد من المؤشرات الإحصائية المتعلّقة بالأسرة المصرية، بيّنت ارتفاع حالات الطلاق بنسبة 14.7% خلال عام واحد.

وأكد التقرير أنّ حالات الطلاق على مستوى الجمهورية، وفقًا لآخر إحصاء لعام 2021، قد بلغت 254,777 حالة طلاق، مقارنة بالعام الذي سبقه والذي شهد تسجيل 222,039 حالة طلاق.

وبحسب عيداروس، فإنّ اللجنة حددت 3 موضوعات لمناقشتها، هي الطلاق والعنف الأسري والمخاطر الإلكترونية على التماسك الأسري، قبل إضافة موضوع الولاية على أموال القصّر، ولم تناقش اللجنة قوانين عدة قدّمتها الحركة المدنية الديمقراطية التي تضمّ 12 حزبًا معارضًا، وجمعيات نسوية لقانون الأحوال الشخصية.

قانون الأحوال الشخصية

وكانت أحزاب ومنظمات من المجتمع المدني، انتقدت عدم تضمين قانون الأحوال الشخصية ضمن الموضوعات التي تناقشها اللجنة، وجاء في بيان صادر عن عدد من قيادات الحركة المدنية ونشطاء بالحركة الحقوقية: "طالعنا البيان الرسمي الصادر عن الحوار الوطني عن محاور النقاش في اللجان، واندهشنا لغياب إدراج مشروع قانون الأحوال الشخصية بمحاور لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي، وتفريغ محاور اللجنة من أهم محاورها ثقلًا وترقّبًا، واقتصار المحاور على بنود مجتزئة غير شافية، ولا ترقى للأهداف المتوقعة من اللجنة والحوار".

 البيان أكد على ضرورة نشر مشروع قانون الأحوال الشخصية والإعلان عنه، وإضافته إلى محاور النقاش للجنة الأسرة والتماسك المجتمعي، وإتاحة التداول حوله بأفق مفتوح، وإذاعة جلسات النقاش في وسائل الإعلام المختلفة، وأن يخرج الحوار بتوصيات جادة وملهمة للمشرّع حول قانون عادل للأسرة المصرية.

وترى عيداروس أنه رغم وجود عدد من مشروعات قوانين جديدة للأحوال الشخصية، قدّمتها الحركة المدنية بالإضافة إلى نواب مستقلين واتحاد نساء مصر "فوجئنا قبل عام بالرئيس عبد الفتاح السيسي، يكلّف لجنة من وزارة العدل بصياغة مشروع القانون بعد سحب المشروع الذي تقدّمت به الحكومة وواجه رفضًا من كلّ فئات المجتمع، واللجنة لم تضمّ ممثلين من المجلس القومي للمرأة أو المجتمع المدني".

عبء الرعاية

وتذهب عيدراوس إلى أنّ الدولة لا تنظر لحقوق المرأة بشكل فعلي، خاصة ما يتعلق بتقديم الرعاية، ففي الوقت الذي طرح عدد من المشاركين في لجنة الحوار المجتمعي، موضوع الولاية بشكل عام وتساوي المراكز القانونية للرجل والمراة، اختارت الدولة الوصاية المالية، لتسهيل انسحابها من دور الرعاية.

"منهج تبنّته الدولة منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات مرورًا بعهد مبارك ومستمر حتى الآن، وهو الانسحاب من الرعاية، فيتم تغليظ عقوبة المتهرّب من دفع نفقة الأطفال، دون تقديم حلول للإنفاق، فماذا تستفيد المرأة من سجن الرجل".

في كتاب "أفق الخروج" الذي وثّق مقترحات الحركة المدنية الديمقراطية في الحوار، دعت الحركة، إلى إصدار قانون جديد للأحوال الشخصية وليس تعديلَ، أو ترقيعَ، القوانين الحالية التي مرّ عليها سنوات ولم تعد صالحة، على أن يتضمّن القانون الجديد المبادئ التي تحقّق التوازن بين حقوق والتزامات كافة أطراف الأسرة بما يحقق المصلحة العليا للطفل، وأهمّها أن تكون جميع قضايا الأسرة في ملف قضائي واحد أمام قاضٍ واحد توفيرًا للوقت والجهد، وتحقيقًا لمبدأ العدالة الناجزة وهي الغاية التي تسعى إليها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة.

الولاية على القاصر

ودعت الحركة إلى إقرار الولاية التعليمية والعلاجية والرياضية للحاضن دون الحاجة لوجود نزاع قضائي، كما هو معمول به حاليًا فيما يتعلق بالولاية التعليمية، وأهمية توسيع دائرة الولاية للحاضن تضمن تحقيق المصلحة للطفل.

ولفتت الحركة إلى أنّ المشرّع لم يتناول سوى الولاية التعليمية فقط، وهناك معاناة شديدة بسبب الولاية العلاجية للصغر، كالأطفال أصحاب الأمراض المزمنة والسرطانية، والعراقيل التي تواجه الحاضن بسبب الموافقات التي تؤثّر على صحة الطفل.

وتخشى عيداروس من نظرة الدولة للمرأة باعتبارها أداةً لتحقيق خطّتها في مواجهة الزيادة السكانية، فتقول: "إذا ذهبت سيّدة للوحدات الصحية تطلب مساعدة لمنع الحمل ستجد ترحيبًا واسعًا، أما إذا ذهبت لطلب مساعدة لتمكّنها من الإنجاب فستواجَه بالتجاهل، وإن حاولت الحصول على مساعدة لتصبح حياتها الزوجية أسعد، ستواجه باندهاش من العاملين".

الزيادة السكانية

وتمثّل الزيادة السكانية أخطر القضايا التي تواجه مصر، إذ حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صراحةً من كارثة محدقة ستعصف بالبلاد ما لم تنخفض معدلات الإنجاب فيها، بعد بلوغ التعداد السكاني حوالى 105.5 مليون نسمة، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وقال السيسي في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية الذي استضافته القاهرة أواخر أغسطس/آب الماضي، إنه يجب ألا يزيد عدد المواليد في مصر عن 400 ألف سنويًا لفترة زمنية قد تصل إلى 20 سنة، مؤكدًا رفضه لمفهوم "الحرية المطلقة في الإنجاب".

غياب الحديث عن قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، إشكالية أخرى واجهها الحوار الوطني بحسب "عيداروس" إذ "تعامل الحوار الوطني مع الأسرة المصرية وكأنها المسلمة فقط، على الرغم من وجود أزمات تتعلق بالأسرة المسيحية خاصة فيما يتصل بقضية الطلاق، ويعمل ممثلو الطوائف المسيحية على مشروع قانون للأحوال الشخصية لغير المسلمين منذ أكثر من 3 سنوات دون نتيجة حتى الآن".

في المحصلة، شهد الحوار الوطني المصري مناقشات واسعة في قضايا عديدة تتعلق بالأسرة منها قضية الأسرة الكافلة وعدم ولايتها على الطفل، وتساوي المرأة مع الرجل في المراكز القانونية في الأسرة، لكن حتى الآن اقتصرت التوصيات التي رفعها مجلس أمناء الحوار الوطني إلى رئيس البلاد على توصية بتقديم مركز الأم في ترتيب الولاية على أموال القصّر، ما خفّض سقف أحلام النشطاء المشاركين في الحوار... وإن اعتبروه حجرًا أُلقي في مياه راكدة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن