انقسم الحديث عن هذا القانون إلى ثلاث وجهات، أكثرها صدى وانتشارًا تلك الفئة الرافضة بشكل قطعي أو حدي، ونجد في مقدمة هؤلاء الفقهاء والعلماء وقادة رأي معروفين؛ بينما ذهبت فئة معتدلة إلى اقتراح حذف بعض المواد وتعديل أخرى حتى يكون القانون منسجمًا مع الشريعة الإسلامية وهذا المنحى كان من قادته مثقفون ومفكّرون؛ وأخيرًا، ثمّة فئة ثالثة غير مهتمّة بمحتوى القانون أكثر من اهتمامها بتمريره، وهي فئة موالية منها موظفون سامون وأعضاء في الحكومة وإعلاميون وما جاور هذه النخب الفاعلة في دائرة صناعة القرار.
القوى الإيديولوجية انشغلت في الصراع البيني ودفع العصي في العجلات
في هذا المشهد الذي يبدو موريتانيًا خالصًا، نستحضر التفاعلات العربية إجمالًا مع مثل هذه القضايا، ونلخّصها بدورها في اتجاهات ثلاثة:
- قوى تقليدية رافضة ومنغلقة، وهي الأكثر عددًا وقدرةً على تعبئة وتأجيج الرأي العام، وأقلّها قدرةً على تغيير وجهات السلطة، وثمّة العديد من الأمثلة العربية في هذا السياق، من المغرب العربي إلى مشرقه، وكذا في دول الخليج العربي.
- قوى عقلانية منفتحة، قليلة العدد ومتواضعة الحيلة في علاقتها بصنّاع القرار، وخاصة في علاقتها بالسلطة السياسية.
- وأخيرًا، السلطة السياسية التي تعير اهتمامها أكثر لثقل الحلفاء والشركاء.
كأننا إزاء حالة عربية لا تعبّر لا عن قوة ولا عن عنف في آن، لنقل إنها حالة قوة ضعيفة، ونزعم أنّ السبب في هذا الضعف هو تشتّت القوى الوطنية وعدم انتظامها في مجهود وطني جامع.
معلوم أن القوى الإيديولوجية انشغلت في الصراع البيني ودفع العصي في العجلات، وما أقسى نتائج هذا الخيار، سواء على مشاريع هذه التيارات أو على أداء الدولة الوطنية في المنطقة العربية، بينما تكلّست القوى التقليدية في حيّز الخوف والتقوقع حول الذات، كما تلخّص ذلك مواقف بعض المؤسسات الدينية التي توجد في وضع ديني إصلاحي لا تُحسد عليه.
أما التيار التجديدي، فقد انجرف إلى خواء التقليد والشكلانية، وبين هذا وذاك ظلّت السلطة وسط هذا التنافر والتخبّط تستمد بقاءها واستقرارها من بقاء الضعف بدل استيفائها من صناعة القوة.
أهمّ إصلاح يمكن للدولة مباشرته عنوانه رصّ الصفّ وإطلاق الطاقة الوطنية في اتجاه موحّد
بالنتيجة، نحن إزاء مفارقات إصلاحية بالجملة في المجال الوطني نفسه، وبالتالي في المنطقة العربية برمّتها، مع اختلاف المؤشرات بالطبع. وخلاصة هذه المفارقات أنّ القوى التقليدية اليوم لا تستطيع أن تمنح مجتمعاتها قانونًا، ولا تستطيع القوى الحداثية أن تكيّفه، ولا تستطيع الدولة رفض القوانين الوافدة والمشروطة.
انطلاقًا مما سبق، يبدو أنّ أهمّ، وربما أوّل، إصلاح يمكن للدولة مباشرته عاجلًا، عنوانه رصّ الصفّ الوطني وإطلاق الطاقة الوطنية في اتجاه موحّد يبني ويحمي ويقاوم ويتعايش وينشغل في معركته الواقعية الكبرى بدل الانشغال في الصراعات الوهمية الهامشية.
وقد يعترض البعض على وصف هذه المعارك أو الخلافات، كونها ليست هامشية، لكن العبرة بالنتائج، وواقع العديد من دول المنطقة، خاصة خلال العقد الماضي، يلخّص الشيء الكثير في هذا السياق.
(خاص "عروبة 22")