يأتي الموقف من جوائز نوبل ليكرّس أزمة المجتمعات العربية، ويلخّص موقعها من العالم في اللحظة الراهنة، إذ يشكل غياب العرب المستمر عن جوائز نوبل في المجالات العلمية، رسالة واضحة البيان عن حالة هذه العلوم وتدريسها في الدول العربية، فلا تمتلك المنطقة بعد المراكز العلمية القادرة على إنتاج معرفة حقيقية تشارك بها على المستوى الدولي، وهو أمر تتحمّل إثمه الحكومات في المقام الأول.
لذا تغيب المشاركة العربية في تلك الفروع العلمية، وأسماء الباحثين العرب التي تظهر وتلمع لمن هاجر إلى إحدى الدول الأمريكية أو الأوروبية، ليقدّم بذلك دليلًا جديدًا على عمق الأزمة في بلاد العرب، بأنّ غياب المناخ العلمي الكافي، هو السبب في حرمان المجتمعات العربية من الكثير من الكفاءات العلمية المهاجرة، إذ تغيب عن أذهاننا حقيقة أنّ الجائزة تحسب للمراكز العلمية التي احتوت الباحث، ووفّرت له الجوّ المناسب للإبداع العلمي، لا للبلد الذي خرج منه.
أحمد زويل غادر مصر بسبب البيروقراطية التي كادت أن تقضي على مستقبله العلمي قبل أن يبدأ
ربما يلخّص بؤس المشهد العربي، الاحتفاء بفوز عالم فرنسي أمريكي من أصول تونسية بجائزة نوبل للكيمياء، فالكيميائي منجي باوندي، ولد في باريس الفرنسية وعاش حياته كلّها تقريبًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقته بأصوله التونسية ضعيفة وشبه منعدمة، لكن لا مشكلة هنا أمام محاولات البعض استعارة أصوات الآخرين لصناعة مجد زائف.
تكرّر هذا في السابق مع المصري الأمريكي أحمد زويل، الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء أيضًا العام 1999، ورغم أنّ زويل عاش الشطر الأول من حياته حيث الطفولة والصبا والمراهقة في مصر قبل أن يغادر إلى أمريكا، وظلّ على اتصال ببلده الأم، لكنّ الاحتفاء المصري والعربي به لم يكن إلا تكريسًا للأوضاع العلمية السيّئة في المنطقة، فالرجل غادر مصر بسبب البيروقراطية التي كادت أن تقضي على مستقبله العلمي قبل أن يبدأ، أي أنّ حصوله على الجائزة كان شهادة إدانة للأوضاع العلمية البائسة في بلده الأصلي.
أمام هذا كلّه ولمعرفة العرب أنهم خسروا في هذه اللحظة السباق العلمي العالمي، يركّزون على جائزة نوبل للأدب، فمنذ أن فاز بها نجيب محفوظ في العام 1988، وهناك شوق عربي كبير للحصول على هذه الجائزة مجددًا، باعتباره المتاح الوحيد.
ولا تكفّ الصحف العربية على تدبيج المقالات والتقارير التي تتحدث عن استحقاق شعراء وروائيين عرب للجائزة، فهل بلغ الأدب العربي الدرجة التي تجعله من الآداب العالمية التي يسعى القارئ غير العربي للبحث عن أعماله الروائية والشعرية؟ هل هناك أسماء عربية ذات صدى تتخطى حواجز اللغة وتقدّم تجربة إنسانية لا تعترف بمحدودية التجربة وسطحيتها لكي تتحوّل إلى تجربة بشرية لا تخضع للتنميط؟ هل يتم ترجمة الأدب العربي بشكل ممنهج ومنتظم لطرحه على القارئ باللغات الأجنبية؟
إذا استعدنا القدرة على العطاء العلمي، فسيصبح اهتمام العرب بكل جوائز نوبل لا جائزة الآداب فقط
كل هذه الأسئلة هي ما يجب أن نطرحه على أنفسنا إذا أردنا أن يكون لنا أي مكانة في العالم الآن وغدًا، قد يكون في بعض الكلام قسوة، وتجاهل لجهود هنا وهناك، وأسماء مبدعة تستحق الإشادة والاحترام، لكننا نتحدث هنا عن الوضع الكلّي والصورة الشاملة، وهي أننا كعرب خارج الحركة العلمية العالمية، لذا نركّز على المنتج الأدبي كمحاولة لتحسين صورتنا أمام أنفسنا والآخر، ورغم ذلك لا نقدّم أدبنا بالشكل الذي يليق.
العرب الآن أمام أهمّ منعطف تاريخي في مسيرتهم كأمّة، فهم أمام صراع الحضارة المتسارع حيث تبيئة مراكز الأبحاث، وتوطين العلوم، ودعم حركات الترجمة العلمية النشطة، فعلى الحكومات أن تسعى إلى أن ينطق العلم بالعربية، كما كان قبل قرون طويلة. نحن أمام لحظة إذا خسرناها فسنضمن مكانةً خارج حركة التاريخ.
إذا استعدنا القدرة على العطاء العلمي، فسيصبح اهتمام العرب بكل جوائز نوبل لا جائزة الآداب فقط، وقتها لن يصبح موسم الجائزة الأشهر عالميًا، تذكرة للشعوب العربية بموقعها في مؤخرة الركب الحضاري، بعيدًا عن التحدث بلغته وهي العلم، في ظلّ غياب الروح العملية وغلبة القهر والتخلّف المفروض على المجتمعات العربية من قبل أنظمة سلطوية.
(خاص "عروبة 22")