قضايا العرب

حرب غزّة... حياد المغرب وإرجاء قمة "النقب 2"!

الرباط - حسن الأشرف

المشاركة

على الرغم من بُعده الجغرافي عن المواجهة العسكرية المستعرة بين حركة "حماس" الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، فإنّ المغرب معنيّ بحال ومآل هذه الحرب، باعتبار أنه يرتبط بعلاقات دبلوماسية منتعشة في الفترة الأخيرة مع تل أبيب، كما أنه منخرط في "اتفاقات أبراهام"، وهي اتفاقيات السلام التي عُقدت بين إسرائيل وبلدان عربية، من بينها المغرب، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية.

حرب غزّة... حياد المغرب وإرجاء قمة

ويرى مراقبون أنّ ما يجري من مواجهات دامية بين "حماس" وإسرائيل قد لا يؤثّر كثيرًا على العلاقات الاستراتيجية بين الرباط وتل أبيب، خصوصًا وأنّ إسرائيل اعترفت مؤخرًا بمغربية الصحراء، وهو المعيار السياسي الذي باتت تحدد به المملكة علاقاتها مع الدول، بينما من الوارد جدًا تأجيل قمة "النقب 2" التي جرى الحديث بشأن انعقادها في المغرب في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وذلك في خضمّ عدم تعليق الحكومة المغربية بشأن هذا المستجد.

كما كل مرّة، في الأزمات الدولية من حروب أو انقلابات سياسية، يحاول المغرب أن ينهج دبلوماسية الحياد بإمساك العصا من الوسط، حيث لا يصطف إلى جانب دون آخر إلا في حالات محدّدة وقليلة.

وهكذا بادر المغرب منذ اليوم الأول للمعركة العسكرية بين "حماس" وإسرائيل، إلى تسجيل مجرّد "قلقه العميق جراء تدهور الأوضاع واندلاع الأعمال العسكرية في قطاع غزة"، كما أدان "استهداف المدنيين من أي جهة كانت"، في إشارة إلى مساواته بين طرفي الحرب العسكرية معًا، مع تحذير الرباط من "تداعيات الانسداد السياسي على السلام في المنطقة، ومخاطر تزايد الاحتقان والتوتر"، داعيةً إلى "الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والعودة إلى التهدئة وتفادي كل أشكال التصعيد التي من شأنها تقويض فرص السلام بالمنطقة".

وبالرغم من موقفها الواضح حيال القضية الفلسطينية، فإنّ الرباط تبدو كأنها تتأرجح بين مطرقة اهتمامها بهذه القضية التي تضعها ضمن أولوياتها الدبلوماسية الخارجية، وبين سندان علاقاتها الجديدة مع إسرائيل والتي حقّقت منها مكاسب اقتصادية وسياسية كبرى. إذ كان قرار اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على أراضي الصحراء قد جاء ضمن رسالة بعث بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، وهو القرار الذي توّج التقارب بين الرباط وتل أبيب، والذي بدأ منذ التوقيع على اتفاقات أبراهام في عام 2020.

علاقات استراتيجية... و"قمة النقب 2"

في هذا السياق يقول، حسن بلوان، أستاذ باحث في العلاقات الدولية، إنه لا يمكن الجزم بتأثّر العلاقات المغربية الإسرائيلية "المنتعشة" بما يجري من مواجهات دامية بين "حماس" وإسرائيل، لكن بالمقابل قد تعرف هذه العلاقات "تأجيل بعض الأجندات الطفيفة لانشغال الطرف الإسرائيلي بما يجري على الارض، وكذلك انشغال الجانب المغربي بالبحث عن سُبُل وآليات تهدئة الأوضاع وإحلال السلام".

ويوضح بلوان أنه "لا يمكن أن تتأثّر العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لاعتبارين أساسيين، الأوّل كون استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل خيارًا استراتيجيًا للطرفين، وقد لعب فيه اليهود المغاربة (داخل إسرائيل وعبر العالم) دورًا أساسيًا ومحوريًا"، وأما الاعتبار الثاني، وفق المحلل ذاته، هو أنّ "المغرب استطاع منذ البداية أن يتبنّى مقاربة متوازنة تتيح تطوير وتعزيز العلاقات الشاملة مع الجانب الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه مواصلة الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني".

وبخصوص مدى تأثير هذه الأحداث على انعقاد "قمة النقب 2" في المغرب، والتي تأجلت أكثر من مرّة لأسباب مختلفة غير معلنة، يؤكد بلوان أن "شروط تأجيلها لا زالت قائمة، وتعمّقت أكثر مع الحرب الدائرة في غزّة".

لكن بعد أن تضع الحرب أوزارها، بحسب الباحث الساسي، فإنّ "الجميع سيقتنع بأنّ الحوار والمفاوضات هو السبيل الوحيد لإحلال السلام، وستلتحق الأردن بمنتدى النقب، وبالتالي من المتوقع أن تنجح قمة النقب الثانية في المغرب بشكل يفوق جميع التصوّرات".

حري بالذكر أن القمة الأولى التي أقيمت في مدينة النقب آذار/ مارس 2022 شهدت مشاركة وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، وتم الاتفاق على عقدها بشكل سنوي.

... بين المطرقة والسندان

من جهته، يقول عبد الرحيم شهيبي، باحث في الشأن الإسرائيلي، إنّ النزاع الجديد بين "حماس" وإسرائيل "ليس كسابقيه بالنسبة للمغرب، في خضم انتعاش العلاقات بين إسرائيل والمغرب، الذي يحاول التمسك بالحياد الإيجابي في هذا النزاع".

ويشرح شهيبي أنّ "الموقف الرسمي للمغرب ينحو نحو مطالبة الطرفين بضبط النفس وتشجيعهما للجلوس على طاولة الحوار لنزع فتيل التوتر"، مستدركًا بالقول إنّ "المغرب يجد نفسه اليوم بين السندان والمطرقة فيما يتعلق بإصدار موقف رسمي من هذا النزاع، سيّما وأنّ العلاقات المغربية الإسرائيلية هي راهنًا في مراحل متطورة من خلال اتفاقات عسكرية وأمنية واقتصادية وغيرها، كما أنّ المنظار الذي ينظر منه المغرب إلى علاقاته الخارجية متحقّق من خلال الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بالصحراء، وإمكانية فتح قنصلية في إحدى المدن الصحراوية، وهو ما لم تستطع البلدان الداعمة لحركة "حماس" أن تقوم به، كما لم تستطع السلطة الفلسطينية القيام به".

ولفت شهيبي إلى أنّ "المغرب لا يعترف بحركة "حماس" أو أي من الفصائل الفلسطينية الأخرى المسيطرة على قطاع غزة، وإنما يعترف فقط بالسلطة الفلسطينية، وبذلك فإنّ أيّ موقف رسمي يصدر عن المغرب لن يخاطب فيه "حماس" أو غيرها، بينما بإمكانه التوجّه مباشرةً إلى الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية دون غيرهما لضبط النفس والرجوع إلى طاولة المفاوضات"، مذكّرًا بأنّ "الرسالة التي بعث بها الملك محمد السادس الذي يرأس لجنة القدس، إلى محمود عباس عقب "اتفاق أبراهام" جاء فيها أنّ القضية الفلسطينية ستبقى في مركز اهتمام المغرب، وأنّ العلاقات مع إسرائيل لا تعني انحيازه لها أو تبرمه من مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن