العرب والعالم ... الصراعات والمصالح

طُبولُ الحَرْبِ تَتَصاعَدُ بَيْنَ مِصْرَ وَإِثْيوبيا!في انْتِظارِ وَساطَةِ ترامْب.. القرنُ الأفريقيُّ مُهّدَّدٌ بالاشتِعال!

بَيْنَما تَدُقُّ طُبولُ الحَرْبِ بِلَهْجَةٍ ديبْلوماسِيَّةٍ مُقَنَّعَةٍ في الطَّريقِ ما بَيْنَ مِصْرَ وَإِثْيوبْيا على ضِفافِ نَهْرِ النّيل، وَباتَ السَّدُّ الإِثْيوبِيُّ مَصْدَرًا لِتَوَتُّرٍ سِياسِيٍّ وَإِعْلامِيٍّ بَيْنَ الطَّرَفَيْن، تَتَحَسَّسُ إِدارَةُ الرَّئيسِ الأَميرْكيِّ دونالْد تْرامْب خُطُواتِها إلى وَساطَةٍ ناجِحَةٍ لِمَنْعِ انْفِجارِ المَوْقِف.

طُبولُ الحَرْبِ تَتَصاعَدُ بَيْنَ مِصْرَ وَإِثْيوبيا!
في انْتِظارِ وَساطَةِ ترامْب.. القرنُ الأفريقيُّ مُهّدَّدٌ بالاشتِعال!

دَأَبَ وَزيرُ الخارِجِيَّةِ المِصْرِيُّ بَدْر عَبْدِ العاطي مُؤَخَّرًا على تَوْجيهِ رَسائِلَ مُبَطَّنَةٍ تَتَعَجَّلُ الوَساطَةَ الأَميرْكِيَّةَ وَتَسْتَدْعيها إلى المِلَفّ، الذي باتَ يُنْذِرُ بِإِشْعالِ مِنْطَقَةِ القَرْنِ الأَفْريقِيّ، مِمّا قَدْ يُؤَثِّرُ سَلْبًا في المَصالِحِ الأَميرْكِيَّةِ وَالدَّوْلِيَّةِ هُناك.

عَبْد العاطي، الذي أَعْلَنَ تَوَقُّفَ وَتَجْميدَ المُحادَثاتِ مَعَ إِثْيوبْيا لِلتَّوَصُّلِ إلى اتِّفاقٍ وَنَزَعَ عَنْ سَدِّها اسْمَ "النَّهْضَة"، الذي عُرِفَ بِهِ مُنْذُ إِنْشائِه، كَرَّرَ مُؤَخَّرًا في تَصْريحاتٍ عَزْمَ مِصْرَ "على اتِّخاذِ الإِجْراءاتِ اللّازِمَةِ اتِّساقًا مَعَ القانونِ الدَّوْلِيّ، لِلْحِفاظِ على أَمْنِها المائِي".

لَكِنَّ النَّقْلَةَ النَّوْعِيَّةَ هُنا، تَكْمُنُ في تَضْمينِ البَيان، الذي أَصْدَرَهُ وَزيرُ الخارِجِيَّةِ المِصْرِيُّ عَنْ اتِّصالِهِ الهاتِفيِّ بِنَظيرِهِ الأَميرْكيِّ مارْكو روبْيو، العِبارَةَ نَفْسَها، في إِطارِ "التَّأْكِيدِ على أَهَمِّيَّةِ التَّعاوُنِ لِلْحِفاظِ على مَصالِحِ جَميعِ دُوَلِ حَوْضِ النِّيل، وَرَفْضِ الإِجْراءاتِ الأُحاديةِ المُخالِفَةِ لِلْقانونِ الدَّوْلِيّ".

اسْتَهْدَفَتِ التَّصْريحاتُ الرَّدَّ على تَحْميلِ وِزارَةِ الخارِجِيَّةِ الإِثْيوبِيَّة، مِصْرَ مَسْؤولِيَّةَ مُحاوَلَةِ تَدْويلِ المُشْكِلَةِ وَ"اسْتِخْدامِ لُغَةِ التَّهْديد"، وَوَصْفِها بِأَنَّها "عائِدَةٌ إلى عَقْلِيَّةٍ اسْتِعْمارِيَّةٍ" أَوْ أَنَّها "تَتَجاهَلُ واقِعَ القَرْنِ الـ21".

بَيْدَ أَنَّ روبْيو لَمْ يَسْقُطْ في الفَخِّ المِصْريِّ النّاعِم، بَعْدَما تَجاهَلَ بَيانٌ أَصْدَرَهُ مَكْتَبُهُ الإِشارَةَ عَنْ عَمْدٍ إلى المَوْقِفَيْنِ المِصْريِّ وَالإِثْيوبِيّ، لافِتًا إلى أَنَّ الاتِّصالَ اقْتَصَرَ على بَحْثِ مِلَفَّيْ غَزَّةَ وَالسّودان.

التَّناقُضُ العَلَنِي

هَذَا التَّناقُضُ في البَياناتِ الرَّسْمِيَّةِ بَيْنَ القاهِرَةِ وَواشِنْطُن، تَعْزوهُ الأَوْساطُ الدّيبْلوماسِيَّةُ إلى حِرْصِ الأَخيرَةِ على عَدَمِ تَكْرارِ الأَخْطاء، التي وَقَعَتْ فيها الوَساطَةُ الأَميرْكِيَّةُ في فَتْرَةِ وِلايَةِ تْرامْب الأولى لِحَلِّ الأَزْمَةِ المُتَصاعِدَةِ بَيْنَ مِصْرَ وَإِثْيوبْيا.

"واشِنْطُن لا تُريدُ إِلْقاءَ أَوْراقِ اللَّعْب، وَتُفَضِّلُ إِبْقاءَها غَيْرَ مُعْلَنَة، بِانْتِظارِ مُحادَثاتٍ قَدْ تُعْقَدُ قَريبًا على مُسْتَوَى رَئيسَيْ جِهازَيْ المُخابَراتِ أَوْ وَزِيرَيْ خارِجِيَّةِ البَلَدَيْن"، هَكَذا يَعْتَقِدُ ديبْلوماسِيٌّ في الاتِّحادِ الأَفْريقيِّ تَحَدَّثَ لِـ"عُروبَة 22"، مُشْتَرِطًا عَدَمَ تَعْرِيفِه.

يَنْسَجِمُ هَذَا التَّحْليلُ مَعَ نَظْرَةِ الأَمْنِ القَوْمِيِّ الأَميرْكِيَّةِ لِلْقَرْنِ الأَفْريقِيّ، كَـ"مِنْطَقَةٍ اسْتْراتيجِيَّةٍ لِلْمَوارِدِ وَالاسْتِقْرار"، مَعَ صِراعاتٍ كَـ"تَهْديداتٍ يَجِبُ احْتِواؤُها سَريعًا" لِصالِحِ التِّجارَةِ الأَميرْكِيَّة، وَيَتَعامَلُ مَعَ النِّزاعاتِ الرّاهِنَةِ في السّودانِ، الصّومالِ – إِثْيوبْيا – إِرِيتْرِيا، وَالتَّوَتُّراتِ حَوْلَ السَّدِّ الإِثْيوبِيّ، كَـ"عَوائِقَ لِلِاسْتِثْمارِ" في المَعادِنِ وَالطّاقَةِ، لا كَقَضايا أَخْلاقِيَّة...

حُدودُ وَساطَةِ تْرامْب

عَبْرَ مَفْهومِ "الشَّراكاتِ المَحْدودَةِ" مَعَ دُوَلِ المِنْطَقَةِ وَإِعْطاءِ مِساحَةٍ لِحُلَفاءَ مُخْتارينَ مِنْ خارِجِها لِلَعْبِ دَوْرٍ أَكْبَر، تَسْعى إِدارَةُ تْرامْب لِمَنْعِ التَّصْعِيد، في نَظْرَةٍ بْراغْماتِيَّةٍ تَتَّفِقُ فَقَطْ مَعَ تَأْمينِ المَصالِحِ الأَميرْكِيَّةِ الاقْتِصادِيَّةِ وَالأَمْنِيَّةِ في البَحْرِ الأَحْمَرِ وَمَمَرّاتِ التِّجارَة، بِهَدَفِ احْتِواءِ التَّصْعيدِ بِأَقَلِّ تَكْلِفَةٍ مُمْكِنَة.

لِهَذَا يَبْدو الخِطابُ المِصْرِيُّ الرَّسْمِيّ، الذي يُدْرِكُ حُدودَ الوَساطَةِ الأَميرْكيَّة، وَأَنَّها تَتَرَجَّى خُطُواتٍ فَنِّيَّةً لِحَلِّ الأَزْمَةِ مَعَ إِثْيوبْيا مِنْ دونِ اللُّجوءِ إلى عَمَلٍ عَسْكَرِيّ، يَسْعَى لِتَعْجِيلِ التَّحَرُّكِ الأَمِيرْكِيّ.

وَخِلافًا لِلْعَلاقاتِ المُباشِرَةِ بَيْنَ تْرامْب وَالرَّئيسِ المِصْريِّ عَبْدِ الفَتّاح السّيسي، تَأْمَلُ القاهِرَةُ في اسْتِغْلالِ الجَفْوَةِ بَيْنَ تْرامْب وَرَئيسِ الوُزَراءِ الإِثْيوبيِّ آبي أَحْمَد، لِتَعْزيزِ مَوْقِفِها.

تْرامْب، الذي أَوْكَلَ إلى وَزيرِ خارِجِيَّتِهِ روبْيو الاتِّصالِ هاتِفيًّا بِأَحْمَد، مُخالِفًا بِذَلِكَ قَواعِدَ البْروتوكولِ المُتَعارَفِ عَلَيْها في اتِّصالاتِ زُعَماءِ الدُّوَل، لا يُريدُ أَنْ يَمْنَحَ أَحْمَد وَرَقَةَ تَحَسُّنِ العَلاقاتِ مَعَ وَاشِنْطُن، لِرَصيدِهِ الدّاخِليِّ كَما فَعَلَ في وِلايَتِهِ الأولى.

لَكِنَّ تْرامْب مَعَ ذَلِك، يُدْرِكُ أَهَمِّيَّةَ إِثْيوبْيا الاسْتراتيجِيَّةِ لِلْمَصالِحِ الأَميرْكِيَّة، لِهَذا يُبْقي على "شَعْرَةِ مُعاوِيَة"، مُضَحِّيًا بِاتِّصالٍ مُباشِرٍ مَعَ رَئيسِ حُكومَةِ أَديسْ أَبابا.

في السّابِقِ، أَعْلَنَ تْرامْب عَزْمَهُ على حَلِّ أَزْمَةِ السَّدّ، واصِفًا إِيّاها بِـ"المُشْكِلَةِ الكَبيرَة"، وَقالَ إِنَّ إِدارَتَهُ "تَعْمَلُ مَعَ إِثْيوبْيا لِحَلِّها بِسُرْعَة"، مُشَدِّدًا على أَهَمِّيَّةِ ضَمانِ تَدَفُّقِ مِياهِ النِّيلِ إلى مِصْر، كَما نَسَبَ إلى نَفْسِهِ النَّجاحَ في "إِيقافِ حَرْبٍ مُحْتَمَلَةٍ" بَيْنَ البَلَدَيْن!.

وَمَعَ هَذا لَمْ يَصِلِ التَّدَخُّلُ الأَميرْكِيُّ إلى مَرْحَلَةٍ تَنْفيذِيَّةٍ مَلْموسَة، وَما زالَ غَيْرَ فَعّالٍ حَتّى الآن، بَيْنَما رَحَّبَتْ مِصْرُ بِالْوَساطَةِ كَـ"فُرْصَةٍ عادِلَة"، مُقابِلَ رَفْضِ إِثْيوبْيا أَيَّ تَدَخُّلٍ "مُتَحَيِّز"، مُعْتَبِرَةً إِعْلاناتِ تْرامْب مُعادِيَةً وَمَبْنِيَّةً على "حِقْدٍ قَديمٍ" مِن 2020، في إِشارَةٍ إلى تهديدِ تْرامْب بِأَنَّ المِصْريّينَ بِصَدَدِ "تَفْجيرِ السَّدّ"، إِنْ لَمْ يُوَقَّعِ الاتِّفاق.

وَظَلَّ الخَطُّ الرَّسْمِيُّ الإِثْيوبِيُّ يُؤَكِّدُ أَنَّ السَّدَّ مَشْروعٌ تَنْمَوِيٌّ أَساسِيّ، وَيَرْفُضُ أَيَّ ضُغوط، فيما تَراهُ مِصْرُ "التَّهْديدَ الوُجودِيَّ الأَوَّل"، مُبْقِيَةً كُلَّ الخِياراتِ مَطْروحَة، بِما في ذَلِكَ اللُّجوءُ إلى اسْتِخْدامِ القُوَّة.

ما قَبْلَ الحَرْب!

تْرامْب الذي يَسْتَخْدِمُ الأَزْمَةَ لِتَعْزيزِ صورَتِهِ كَـ"صانِعِ صَفَقات"، يَتَناقَضُ مَعَ تَفْضيلِ الدّيبْلوماسِيَّةِ الأَميرْكِيَّةِ "حُلولًا فَنِّيَّةً" لِضَبْطِ إِفْراجاتِ المِياه، لَكِنْ مِنْ دونِ ضَغْطٍ قَوِيٍّ على أَديسْ أَبابا بِسَبَبِ نُفوذِ الصّين، التي تَتَحَرَّكُ في المُقابِلِ وَبِشَكْلٍ مُتَزامِنٍ في ديبْلوماسِيَّةٍ نَشِطَة، لَمْ تَصِلْ إلى حَدِّ الوَساطَةِ بَيْنَ القاهِرَةِ وَأَديسْ أَبابا.

وَبَيْنَما تُلَوِّحُ مِصْرُ بِأَنَّ "حُدودَ الصَّبْرِ التَّفاوُضيِّ انْتَهَت"، وَتَرى أَنَّ "الأَزْمَةَ تَجاوَزَتِ الإِطارَ الفَنِّيّ"، تُبْقِي اسْتراتيجِيَّتَها بَعْدَ فَشَلِ 14 عامًا مِنَ المُفاوَضاتِ لِلتَّوَصُّلِ إلى اتِّفاقٍ قانونيٍّ مُلْزِم، مَزيجًا مِنَ الدّيبْلوماسِيَّةِ المُكَثَّفَة، وَالضَّغْطِ السِّياسيِّ وَالإِعْلامِيّ، بِهَدَفِ إِجْبارِ إِثْيوبْيا على تَحْويلِ السَّدِّ مِنْ تَهْديدٍ إلى أَداةِ تَفاوُضٍ أَوِ اسْتِقْرار.. وَإِلّا فَإِنَّها الحَرْب!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن