يَتَّسِقُ انْحِدارُ حِصَّةِ الدولارِ مِنَ الاحْتِياطِيّاتِ الدَّوْلِيَّة، مَعَ بُطْءِ نُمُوِّ الاقْتِصادِ الأَميرْكيِّ مُنْذُ خَمْسَةِ عُقود، وَتَدَهُّورِ حِصَّتِهِ مِنَ النّاتِجِ العالَميِّ الحَقيقيِّ المُقَدَّرِ بِالدولارِ وَفْقًا لِتَعادُلِ القُوى الشِّرائِيَّةِ لِأَقَلَّ من 14,9%. كَما يَتَّسِقُ مَعَ مُعاناتِهِ مِنَ العَجْزِ المُتَواصِلِ والضَّخْمِ لِلمَوازينِ الخارِجِيَّةِ الأَميرْكِيَّةِ لِأَكْثَرَ من نِصْفِ قَرْن، وَمَعَ تَفاقُمِ الدُّيونِ الأَميرْكِيَّةِ التي تَجاوَزَتْ 36,1 تْريلْيونَ دولارٍ تُعادِلُ نَحْوَ 124% مِنَ النّاتِجِ المَحَلّيِّ الإِجْماليِّ الأَميرْكيِّ عامَ 2024، وَسَوْفَ تَرْتَفِعُ وَفْقًا لِلتَّوَقُّعات، خِلالَ وِلايَةِ تْرامْب الحالِيَّةِ إلى أَكْثَرَ من 41 تْريلْيونَ دولارٍ في ظِلِّ قانونِ تْرامْب المُسَمّى "قانونَ الكَبيرِ الجَميلِ" (One Big Beautiful Bill) الذي تَضَمَّنَ تَخْفيضاتٍ ضَريبِيَّةً كَبيرَةً على الطَّبَقَةِ العُليا بِما يُخَفِّضُ الإيراداتِ العامَّة، وَإِنْفاقًا ضَخْمًا على الدِّفاعِ والأَمْنِ وَوِكالاتِ مُكافَحَةِ الهِجْرَةِ غَيْرِ القانونِيَّةِ بِما يَرْفَعُ النَّفَقاتِ العامَّةَ بِصورَةٍ هائِلَة، وَهُوَ ما سَيَتِمُّ تَعْويضُهُ بِالمَزيدِ مِنَ الدُّيون.
الدولار من 71,5% من احتياطيات العالم عام 2000 إلى 57,5% عام 2025
على الرَّغْمِ من تَسْعيرِ النَّفْطِ بِالدولارِ وَما يُقَدِّمُهُ من قُوَّةٍ لِلعُمْلَةِ الأَميرْكِيَّة، وَتَمَتُّعِها بِقُوَّةِ الدَّفْعِ الذاتيِّ المُرْتَبِطِ بِالسُّلوكِ المُحافِظِ لِلحُكوماتِ التي اعْتادَتْ على تَسْوِيَةِ تَعامُلاتِها وَحِفْظِ احْتِياطِيّاتِها في أَوْعِيَةٍ دولارِيَّةٍ مُنْذُ 80 عامًا، إِلّا أَنَّ حِصَّةَ العُمْلَةِ الأَميرْكِيَّةِ من سَلَّةِ الاحْتِياطِيّاتِ الرَّسْمِيَّةِ لِكُلِّ دُوَلِ العالَمِ تَهاوَتْ وَفْقًا لِتَقْريرِ "اليونِكْتاد" الصّادِرِ هَذا الشَّهْر، من 71,5% عامَ 2000، إلى 61,9% عامَ 2020، ثُمَّ إلى 57,5% عامَ 2025، وَهُوَ رَدُّ فِعْلٍ مَوْضوعِيٍّ وَمُتَأَخِّرٍ لِلغايَةِ وَأَقَلُّ مِمّا يَنْبَغي، على فُقْدانِ تِلكَ العُمْلَةِ لِعَوامِلِ الجَدارَةِ التي رَفَعَتْها إلى مَكانَةِ عُمْلَةِ الاحْتِياطِ الدَّوْلِيَّةِ والتي كانَتْ مَوْجودَةً قَبْلَ ثَمانِيَةِ عُقود، وانْكَسَرَ ضِلعُها الرَّئيسِيُّ عامَ 1971 عِنْدَما أَلغَتِ الوِلاياتُ المُتَّحِدَةُ قابِلِيَّةَ تَحْويلِ عُمْلَتِها إلى ذَهَب، ثُمَّ تَوالَتِ الانْكِساراتُ بِعَجْزٍ دائِمٍ في المَوازينِ الخارِجِيَّةِ وَتَفاقُمِ الدُّيون، وانْفِصالِ الإِصْدارِ النَّقْديِّ الجَديدِ عَنِ الزِّيادَةِ في النّاتِجِ الأَميرْكيِّ مُنْذُ عَهْدِ رونالد ريغان، بِما يَعْني فُقْدانَ الدولارِ لِلغِطاءِ الإِنْتاجيِّ أَيْضا.
وَيُشيرُ تَقْريرُ "اليونِكْتاد" إلى أَنَّ سَلَّةَ احْتِياطِيّاتِ دُوَلِ العالَمِ مِنَ العُمُلاتِ الحُرَّةِ في عامَ 2000 كانَتْ تَتَشَكَّلُ مِنَ الدولارِ بِنِسْبَةِ 71,5%، واليورو بِنِسْبَةِ 17,5%، واليِنِّ اليابانيِّ بِنِسْبَةِ 6,3%، والجُنَيْهِ الاسْتِرْلِينِيِّ بِنِسْبَةِ 2,9%، بَيْنَما شَكَّلَتْ باقِي عُمُلاتِ العالَمِ نِسْبَةَ 1,8% فَقَطْ من تِلكَ السَّلَّةِ. وَفي عامِ 2025 أَصْبَحَتْ تَتَشَكَّلُ مِنَ الدولارِ بِنِسْبَةِ 57,5%، واليورو بِنِسْبَةِ 20,1%، واليِنِّ اليابانِيِّ بِنِسْبَةِ 5,1%، والاسْتِرْلينيِّ بِنِسْبَةِ 5,2%، والرّينْمَنبي الصّينيِّ بِنِسْبَةِ 2,1%، بَيْنَما ارْتَفَعَتْ حِصَّةُ باقي العُمُلاتِ إلى 9,8% من سَلَّةِ احْتِياطِيّاتِ دُوَلِ العالَمِ مِنَ العُمُلاتِ الحُرَّة.
الهيمنة العالمية للدولار تُعدّ عنوانًا لفساد النظام النقدي الدولي وعدم اتساقه مع الحقائق الاقتصادية
وَإِذا كانَ ارْتِفاعُ حِصَّةِ اليورو مُرْتَبِطًا بِحَجْمِ احْتِياطِيّاتِ دُوَلِ مِنْطَقَةِ اليورو بِالأَسَاس، وارْتِفاعُ حِصَّةِ الاسْتِرْلينيِّ مُرْتَبِطًا بِزِيادَةِ احْتِياطِيّاتِ دولِ الكومنوِلث البَريطانيِّ وَعلى رَأْسِها الهِنْدُ مِنَ العُمُلاتِ الحُرَّة، حَيْثُ تُفَضِّلُ تِلكَ الدُّوَلُ الاحْتِفاظَ بِحِصَّةٍ مُهِمَّةٍ من احْتِياطِيّاتِها في أَوْعِيَةٍ اسْتِرْلينِيَّة، فَإِنَّ التَّطَوُّرَ المُهِمَّ والمُتَصاعِدَ هُوَ ارْتِفاعُ العُمُلاتِ الأُخْرَى من إِجْماليِّ الاحْتِياطِيّاتِ العالَمِيَّةِ مِنَ العُمُلاتِ الحُرَّةِ من 1,8% عامَ 2000، إلى 11,9% عامَ 2025، وَمن ضِمْنِها الرّينْمَنبي (اليوان) الصّينِيُّ الذي ارْتَفَعَتْ حِصَّتُهُ مِنَ العَدَمِ تَقْريبًا عامَ 2000 إلى 2,1% من إِجْماليِّ الاحْتِياطِيّاتِ العالَمِيَّةِ مِنَ العُمُلاتِ الحُرَّةِ عامَ 2025.
هَل هِيَ مَعْرَكَةٌ لإِزاحَةِ الدّولارِ أَمْ لِتَغْييرِ النِّظامِ الاقْتِصاديِّ العالَمِيّ؟
تُعْتَبَرُ مَعْرَكَةُ إِزاحَةِ الدولارِ عَنْ وَضْعِيَّةِ عُمْلَةِ الاحْتِياطِ الدَّوْلِيَّةِ التي يَحْتَلُّها من دونِ أَيِّ حَقٍّ أَوْ جَدارَةٍ حالِيًا، هِيَ النُّقْطَةُ الفاصِلَةُ في تَغْييرِ النِّظامِ النَّقْديِّ الدَّوْليِّ وَبِناءِ نِظامٍ دَوْليٍّ جَديدٍ اقْتِصادِيًّا وَسِياسِيًا، اتِّساقًا مَعَ التَّراجُعِ طَويلِ الأَجَلِ لِأَسْعارِ الدولارِ وَحِصَّتِهِ مِنَ الاحْتِياطِيّاتِ العالَمِيَّة.
ووَفْقًا لِتَقْريرِ الإِحْصاءاتِ المالِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ (IFS) الصّادِرِ عَنْ صُنْدوقِ النَّقْدِ الدَّوْلِيّ: في عامِ 1966 كانَ الدولارُ يُساوِي 362 يِنًّا يابانِيّا، وانْخَفَضَ تَدْريجِيًّا لِيَبْلُغَ 109 يِنّاتٍ عامَ 1996. وَوَصَلَ في بَعْضِ أَيّامِ التَّداوُلِ إلى أَقَلَّ من 80 يِنّا. وَمَعَ صُعودِ الصّينِ والعَديدِ مِنَ الدُّوَلِ الآسْيَوِيَّةِ وَتَحَوُّلِ اليابانِ إلى العَجْزِ في التِّجارَةِ السِّلَعِيَّةِ الذي بَلَغَ 150 مِليارَ دولارٍ عامَ 2022، والتَّدَنّي الشَّديدِ لِمُعَدَّلِ نُمُوِّ الاقْتِصادِ اليابانيِّ الذي بَلَغَ 0,6% سَنَوِيًّا في المُتَوَسِّطِ خِلالَ الفَتْرَة 2004-2025، ارْتَفَعَ الدولارُ مُقابِلَ اليِنِّ لَكِنَّهُ يَدورُ حَوْلَ مُسْتَوى 140- 155 يِنًّا حالِيًّا أَيْ نَحْوَ 40% من سِعْرِهِ في عامِ 1966.
وَكانَ الدولارُ يُساوي 4 مارْكاتٍ أَلْمانِيَّةٍ عامَ 1966، ثُمَّ انْخَفَضَ تَدْريجِيًّا لِيَبْلُغَ 1,5 مارْكٍ عامَ 1996، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ المارْكُ في العُمْلَةِ الأوروبِّيَّةِ المُوَحَّدَة (اليورو). كَما انْخَفَضَ الدولارُ تَدْريجِيًّا من 4,4 فْرَنْك سويسْري عامَ 1966، إلى نَحْوَ 0,8 فْرَنْك سويسْرِي في الوَقْتِ الرّاهِن.
القوّة الاقتصادية لمجموعة "بريكس" كفيلة بقيادة عملية إنهاء الهيمنة العالمية للدولار تدريجيًا
تَعْمَلُ القُوَى الاقْتِصادِيَّةُ الكُبْرى في مَجْموعَةِ "بْريكْس" وَعلى رَأْسِها العِمْلاقُ الاقْتِصادِيُّ الصّينِيّ، على تَرْسيخِ التَّحَوُّلِ عَنِ الدولارِ في تَسْوِيَةِ التَّعامُلاتِ الدَّوْلِيَّةِ وَفي تَكْوينِ سَلَّةِ الاحْتِياطِيّاتِ الدَّوْلِيَّة. وَتَرى المَجْموعَةُ أَنَّ الهَيْمَنَةَ العالَمِيَّةَ لِلدولارِ تُعَدُّ عُنْوانًا لِفَسادِ النِّظامِ النَّقْديِّ الدَّوْليِّ وَعَدَمِ اتِّساقِهِ مَعَ الحَقائِقِ الاقْتِصادِيَّة. وَتَجْسيدًا لِهَذا التَّوَجُّهِ المُعْلَن، اتَّفَقَتْ دُوَلُ "بْريكْس" على تَسْوِيَةِ التَّعامُلاتِ بَيْنَ دُوَلِها بِعُمُلاتِها المَحَلِّيَّة، وَبَلَغَتْ نِسْبَةُ التَّعامُلاتِ بِتِلكَ العُمُلاتِ نَحْوَ 90% من تِجارَةِ روسْيا مَعَ باقي دُوَلِ المَجْموعَة.
وَلِلعِلمِ فَإِنَّ مَجْموعَ النَّواتِجِ المَحَلِّيَّةِ الحَقيقِيَّةِ لِبُلدانِ مَجْموعَةِ "بْريكْس" العَشَرَةِ (البَرازِيل، روسْيا، الهِنْد، الصّين، جَنوب أَفْريقْيا، إِنْدونيسْيا، مِصْر، إِيران، إِثْيوبْيا، الإِمارات) المَحْسوبَةِ بِالدولارِ وَفْقًا لِتَعادُلِ القُوى الشِّرائِيَّة، بَلَغَ في عامِ 2024 نَحْوَ 76,9 تْريلْيونَ دولارٍ تُعادِلُ 39,2% مِنَ الإِجْماليِّ العالَميِّ المَحْسوبِ بِالطَّريقَةِ نَفْسِها، مُقارَنَةً بِنَحْو 56,6 تْريلْيونَ دولارٍ لِما يُسَمّى بِـ"الدُّوَلِ الصِّناعِيَّةِ السَّبْعِ الكُبْرى"، تُعادِلُ 28,9% مِنَ الإِجْماليِّ العالَمِيّ. وَبِالتّالِي فَإِنَّ القُوَّةَ الاقْتِصادِيَّةَ لِمَجْموعَةِ "بْريكْس" كَفيلَةٌ بِقِيادَةِ عَمَلِيَّةِ إِنْهاءِ الهَيْمَنَةِ العالَمِيَّةِ لِلدولارِ تَدْريجِيًا.
(خاص "عروبة 22")

