قضايا العرب

"إيغور آيلاند"... مخطّط قديم يتجدّد لتصفية القضية الفلسطينية!

أعادت التصريحات والتلميحات الإسرائيلية، في ضوء العدوان العسكري الممنهج على قطاع غزة إثر عملية "طوفان الأقصى"، مشاريع التوطين الفلسطيني في سيناء إلى الواجهة. الأمر الذي دفع الجانب المصري إلى إتخاذ مجموعة من المواقف الصارمة، أبرزها كان تشديد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة أن يبقى سكّان غزة موجودين على أرضهم، محذرًا من أنّ خروجهم قد يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، ومن أنّ "تهجير الفلسطينيين لسيناء يجرّنا لحرب مع إسرائيل".

على الرغم من التملّص الإسرائيلي الرسمي من هذا المشروع، عاد رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان لطرحه صراحةً، من خلال إبداء رفضه لدعوة الأمم المتحدة إلى جلب المساعدات الإنسانية إلى غزة، واعتباره أنّ "الحل هو إنشاء مدينة إيواء، خارج غزة، في سيناء، وتزويد سكان غزّة هناك بكل المساعدات الإنسانية التي يريدونها"!

وضمن إطار هذا المخطط، تضع مصادر فلسطينية معنيّة "الهدف الإسرائيلي الحقيقي" من وراء الدعوات المتكرّرة التي توجّه إلى سكان غزة من أجل المغادرة إلى جنوب القطاع، ودفعهم عمليًا تحت وطأة القصف والمجازر والغارات باتجاه المناطق المحاذية للحدود مع مصر، لكنها أكدت في المقابل لـ"عروبة 22" على وجود "موقف فلسطيني جامع، يرفض كل مشاريع التهجير أو التوطين في البلدان المجاورة، لا سيّما وأنّ هذا الأمر يهدف بشكل واضح إلى تصفية القضية الفلسطينية وحقّ العودة"، مثنيةً في هذا المجال على "الموقفين المصري والأردني الحازمين في رفض هذه المشاريع، على إعتبار أنها ليست فقط استهدافًا للقضية الفلسطينية بل هي تشكل إستهدافًا مباشرًا أيضًا لأمنهما القومي".

وفي الذاكرة المصرية، الكثير من الأحداث التاريخية حول مشاريع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، بدءًا من يوم ردّ الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ساخرًا على سؤال بهذا الخصوص، في حوار أجراه صحفي أميركي معه، بالقول: "هل تقبلون أن تُعطى الصحراء الأميركية لأيّ طرف يريدها؟ نقول لكم أعطوهم كارولينا الشمالية أو كارولينا الجنوبية بدلاً من سيناء"، مرورًا أيضًا بما كان قد كشف عنه الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، في تسجيل صوتي مسرّب في العام 2013، عما دار بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في هذا المجال.

وصولًا، إلى ما كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد أكد عليه بنفسه، في العام 2018، عندما كشف أنه تلقى عرضًا من الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، أثناء فترة رئاسته، بالحصول على قطعة أرض من سيناء ليعيش عليها الفلسطينيون، ضمن مشروع "إيغور آيلاند". وهو كان، قبل 4 سنوات من تلك الكلمة، قد أعلن، خلال لقاء له مع إعلاميين مصريين، أنه رفض عرضًا إسرائيليًا لاستلام 1000 كيلومتر في سيناء.

وتذكّر المصادر الفلسطينية بأنّ "هذه المشاريع عادت في السنوات الماضية، إلى الواجهة من جديد، لا سيما مع طرح "صفقة القرن" التي تولّى هندستها جاريد كوشنر في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي كان يهدف إلى القضاء على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، وهو ما أثار مخاوف المصريين والأردنيين معًا. ما قد يقود إلى فهم مواقف عمّان الحالية من مشاريع تهجير سكّان غزة، نظرًا إلى ما يعتري الذاكرة الأردنية أيضًا من هواجس إزاء المخططات المرتبطة بسكان الضفة الغربية.

وتشير المصادر نفسها إلى أنه خلال مؤتمر "ورشة الازدهار من أجل السلام"، الذي عُقد في العاصمة البحرينية، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول بعض المشاريع المتعلقة بمصر، خصوصًا تلك التي تتحدث عن ربط قطاع غزة بسيناء. وهو ما دفع وزير خارجية مصر سامح شكري إلى التأكيد على كون بلاده "لن تتنازل عن حبة رمل واحدة في سيناء"، وتضيف: "واليوم، يبدو أنّ هناك من عاد ليفكّر بفرض هذا الخيار كأمر واقع، على وقع آلة الإجرام الإسرائيلية، بحجة حماية سكّان غزة".

ما هو مشروع "إيغور آيلاند"؟

بعدما بيّنت وثائق أمريكية أنّ فكرة "تقسيم سيناء" تعود جذورها إلى مقترح طرحه هنري كيسنجر عام 1972، عادت فتسرّبت ملامح المشروع التقسيمي بشكل واضح في العام 2000، من خلال الخطة التي وضعها جنرال الاحتياط الإسرائيلي الشهير إيغور آيلاند، الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي.

وينص المشروع على أن تنقل مصر إلى قطاع غزة، مناطق من سيناء، مساحتها 720 كيلومترًا مربعًا، على شكل "مستطيل" ضلعه الأول يمتد على طول 24 كيلومترًا على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غربًا حتى العريش، وبعرض 20 كلم داخل سيناء، إضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوبًا، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر.

ومقابل ذلك، تنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة الغربية التي تنوي إسرائيل ضمّها إليها، بما يشمل الكتل الاستيطانية الكبرى وغلاف مدينة القدس. بينما تحصل مصر من إسرائيل على منطقة جنوب غربي النقب، توازي تقريبًا مساحة المنطقة التي ستتنازل عنها للفلسطينيين، وبعد ذلك تسمح إسرائيل لمصر بارتباط برّي بينها وبين الأردن، من خلال حفر قناة بينهما.

أما بالنسبة إلى المصادر الفلسطينية، فتبقى "نقطة الإرتكاز" في إسقاط هذه المشاريع، هي في الموقف الفلسطيني الرافض لها، والذي من المفترض أن يحظى بأكبر دعم عربي له، وللدول العربية المعنية، وتحديدًا مصر والأردن، والضغط في المقابل على الدول الغربية التي تقع عليها مسؤولية وقف العدوان الحالي على غزّة، كمقدّمة لرفع الحصار والدفع بعملية السلام، بدل الإستمرار في الدعم الأعمى لإسرائيل وسياسة "الكيل بمكيالين" مع العرب والفلسطينيين.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن