اقتصاد ومال

تعافي العراق الهشّ "في خطر"

أعلن البنك الدولي في أحدث تقرير صدر في أيلول/ سبتمبر 2023، أنّ الاقتصاد العراقي اقتصاد هشّ، وأنّ ديون العراق، إرتفعت الى 152 مليار دولار، إذ إنّ مزاد البنك المركزي العراقي، تسبّب في إعادة توجيه العملة الصعبة إلى السوق الموازية مما أدى إلى خفض قيمة الدينار مقابل الدولار. 

تعافي العراق الهشّ

وتحت عنوان "ضغوط متجدّدة: تعافي العراق في خطر"، بيّن البنك الدولي أنّ اقتصاد العراق يعاني من ركود الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، المتمثّل في الصناعة والزراعة والخدمات، وغيرها من النشاطات التي تشكّل الناتج المحلي الإجمالي، والذي صاحبه ارتفاع معدلات التضخم، حيث يفتقر العراق إلى إصلاحات هيكلية واسعة النطاق تقوّي اقتصاده بعيدًا عن النفط.

وتنخفض مساهمة قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد الناتج المحلي الإجمالي، استنادًا إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحّد 2023، إذ تساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 4% في توليد الناتج المحلي الإجمالي للعراق، والصناعات التحويلية بمقدار1.6 %، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 56.4%، التشييد 2.7%، الكهرباء والغاز والماء يمثّل 1.9%، والتجارة والمطاعم والفنادق 6.5%، النقل والمواصلات والتخزين 7.2%، التمويل والتأمين والمصارف 0.6%، الإسكان والمرافق 5%، الخدمات الحكومية 12.4%، و أخيرًا الخدمات الأخرى 3%، وهذا يمثل خللًا هيكليًا في الاقتصاد العراقي؛ إذ إنّ مساهمات القطاعات السلعية منخفضة جدًا في توليد الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يؤدي إلى تعميق مشكلة الاقتصاد العراقي، والتي لا ترى نموًا حقيقيًا في القطاعات الإنتاجية وإنما نموًا في عائدات الحكومة النفطية نتيجة تحسّن أسعار النفط خلال الأعوام 2021، 2022، 2023.

آفاق المستقبل الاقتصادي في العراق معرّضة لمخاطر كبيرة، بسبب الاعتماد المفرط على النفط

وفي ما يخصّ سياسات البنك المركزي في تخفيض قيمة العملة المحلية، أوضح البنك الدولي أنّ خفض قيمة الدينار العراقي أدى إلى زيادة التضخّم الكلّي والأساسي، جرّاء الاعتماد الكبير على عمليات الاستيراد في ظلّ ضعف الإنتاج المحلي الذي لا تدعمه السلطات الحكومية، وأنّ معايير المعاملات التي يعتمدها البنك المركزي من خلال مزادات بيع العملة، تسبّبت في إعادة توجيه العملة الصعبة إلى السوق الموازية، الأمر الذي أدى إلى خفض قيمة الدينار مقابل الدولار.

إستنادًا إلى البنك الدولي، فإنّ افتقار العراق إلى تنويع مصادر الدخل بسبب السياسات غير السليمة التي أتبعتها الحكومة، أدى إلى انكماش الناتج المحلي بمقدار 1.1% في2023 ، وزيادة الدين العام ليبلغ 58.3% بعد أن كان في السنة السابقة 53.8% أي سيصل إلى 152 مليار دولار، بزيادة 10 مليارات دولار، فيما بلغ مجموع الديون الخارجية 50 مليار دولار، والداخلية 102 مليار دولار.

ويرى البنك الدولي، أنّ آفاق المستقبل الاقتصادي في العراق ما تزال معرّضة لمخاطر كبيرة، بسبب الاعتماد المفرط على النفط، الذي يجعله عُرضةً للصدمات في أسواق النفط والطلب العالمي، بالإضافة إلى العوامل المحرّكة للهشاشة والتي تشكّل تحديات أساسية للاقتصاد، كاستشراء الفساد، وسوء تقديم الخدمات وتطوير البنى التحتية، والمخاطر الأمنية، إذ إنّ استمرار السلطات الحكومية في اتّباع هذه السياسات، سيجعل من موازنة العراق تصب في اتجاهات بعيدة عن عجلة التنمية، جعلتها تعاني من اختلالات كبيرة.

ويبرز النمو السكاني السريع في العراق 2.4% سنويًا الحاجةَ إلى زيادة النمو لتحسين نواتج الرفاهة وسد فجوة الدخل المتنامية مع الدول النظيرة، وقد واجه إجمالي الناتج المحلي النفطي، وهو المحرّك الرئيسي للنمو الأخير، قيودًا بسبب السقوف الجديدة لإنتاج النفط الخام التي أعلن عنها في أواخر عام 2022 وتم تمديدها في أبريل/نيسان 2023، ونتيجة لذلك، فقد تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 2.6% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2023.

من العوامل المحرّكة للهشاشة: ارتفاع معدل انتشار الفساد ونقص فرص العمل وسوء تقديم الخدمات والمخاطر الأمنية

وتتسم الموازنة الجديدة بكونها توسّعية بشكل مفرط، وتفتقر إلى الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها العراق لتطوير اقتصاد حيوي ومستدام، ولا تزال الآفاق الاقتصادية للعراق على المدى المتوسط مرهونةً بتطورات قطاع النفط، إذ يؤدي الاعتماد الكبير على النفط إلى جعل الاقتصاد عرضةً للصدمات في أسواق النفط والطلب العالمي، كما يتضح من تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، ولا تزال العوامل المحرّكة للهشاشة القائمة من قبل، ومنها ارتفاع معدل انتشار الفساد، وانخفاض المشاركة في القوى العاملة، لا سيما الإناث، وارتفاع نسبة القطاع الخاص غير الرسمي، ونقص فرص العمل، واختلالات القطاع المالي، وسوء تقديم الخدمات، والمخاطر الأمنية، كلّها تشكّل تحدياتٍ رئيسية للعراق.

وفي الختام، لا تزال آفاق المستقبل الاقتصادي للعراق عرضةً لمخاطر كبيرة، ويرجع ذلك في الأساس إلى التحديات الهيكلية العميقة، إذ يُعدّ التنفيذ العاجل لإصلاحات القطاع المالي وتحديث بنية القطاع المصرفي، والتي تشكل حاليًا حواجز رئيسية أمام التنويع الاقتصادي، شرطًا مهمًا لتعزيز القطاع الخاص وإطلاق العنان لخلق فرص العمل المُلحّة، وبشكل حاسم لا يزال نقص التمويل يمثّل أكبر القيود التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات العاملة في القطاع غير الرسمي، مما يضعف النمو الذي يقوده القطاع الخاص وخلق فرص العمل.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن