ربما لم تنكشف سوءات العالم بهذا الشكل الفاضح كما يحدث الآن منذ السابع من أكتوبر. العالم الذي نقصده هو دول الدساتير والقوانين ومنظمات حقوق الإنسان وحماية المدنيين في الحروب وفض النزاعات وحماية السلم والسلام والأمن الدولي وإنصاف المظلوم وردع الظالم، هذه المبادئ تكاد عطلتها تماماً الدول الكبرى التي أسّستها ووضعت مواثيقها عندما تعلق الأمر بإسرائيل.
صحيح أننا نعرف مواقف تلك الدول المنحازة كلياً لإسرائيل منذ إنشائها، ودعمها اللامحدود لها، لكن ما يحدث الآن شيء مختلف عندما تستمر إبادة شعب أعزل محاصر منذ ثلاثة أسابيع، بدعم عسكري وسياسي ومالي وإعلامي من أمريكا وحلفائها الأوروبيين، مع تعطيل متعمد لأي محاولة لإيقاف الجحيم المستمر في غزة.
إسرائيل بدأت غزوها البري بعد استعراض أشرس ما يستطيعه سلاحها الجوي من تدمير طال كل شيء، ويصرح رئيس وزرائها ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان أن الجيش الإسرائيلي لم ولن يستثني شيئاً أو أحداً في غزة. تم قطع الكهرباء والاتصالات والوقود، بالإضافة إلى منعها الماء والغذاء والدواء. المنظمات الإغاثية لم تعد قادرة على العمل في ظل هذا الوضع الكارثي الذي فرضته إسرائيل، بينما قادة الدول الكبرى متمسكون بترديد مقولة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، حتى وهم يشاهدون هذه المأساة الإنسانية غير المسبوقة، بل وصل بهم القبح إلى تهديد مواطنيهم بالمحاسبة إذا تضامنوا مع الفلسطينيين في مأساتهم، لكن الحقيقة فرضت نفسها وخرج الآلاف في مدن أمريكا وأوروبا ليعبروا عن إنسانيتهم مقابل المواقف المخزية لحكوماتهم.
امتحان غزة سقط فيه ما يسمى بالمجتمع الدولي سقوطاً مخجلاً، ازدواجية المعايير حضرت بشكل سافر، الانحياز التام لإسرائيل في ظل هذا الوضع الخطير أفقد الثقة في المجتمع الدولي ومنظماته. ما الذي نرجوه من هذا المجتمع في أي أزمة أخرى إذا كان غير قادر الآن على إيقاف إبادة شعب كامل والعالم كله يشاهد تفاصيل الإبادة على مدار الساعة؟.
("عكاظ") السعودية