قضايا العرب

صحافيّو اليمن... مطاردون في الداخل ومشرّدون في الخارج

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

إلى ما قبل اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية في 12 سبتمبر/أيلول 2014، كانت سلطة الإعلام المعارض والمستقل في هذا البلد توازي في تأثيرها بقية السلطات، وكان الصحافيون يتمتّعون بمساحة من الحرية يمكن القول إنها كانت نموذجية مقارنةً بأوضاع أقرانهم في دول المنطقة... لكنهم اليوم مطاردون داخليًا أو مشرّدون في المنافي بعد أن قضى الحوثيون على كل تلك المكاسب.

صحافيّو اليمن... مطاردون في الداخل ومشرّدون في الخارج

عقب السيطرة على صنعاء، سارع الحوثيون إلى إغلاق مكاتب وسائل الإعلام العربية والدولية، وانتقلوا نحو وسائل الإعلام المعارضة والمستقلّة، وما أن اندلعت الحرب في بداية عام 2015، حتى أصبح الصحافيون هدفًا للمطاردة والاعتقال وصدرت بحق خمسة منهم أحكامًا بالإعدام، وماهي إلا أشهر قليلة حتى أصبحت المدينة خالية من أي إعلام مستقل أو معارض، بما فيها الصحف الحزبية بعد نحو أربعين عامًا على هبوب رياح التعدّدية التي رافقت قيام دولة الوحدة.

وسط أجواء القمع هذه، هاجر عدد كبير من الصحافيين اليمنيين المستقلّين والمعارضين، ومعهم مراسلو وسائل الإعلام الدولية والعربية، إلى الخارج واستقرّ بعضهم في القاهرة أو أنقره أو عمّان، فيما اختارت مجموعة منهم تقديم اللجوء في الدول الأوروبية، بينما استقرّ البعض الآخر في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، لكنّ الأوضاع لم تكن نموذجية، وإن كان من غير المنطقي مقارنتها بالأوضاع في مناطق سيطرة الحوثيين حيث وصل العداء ذروته بخطاب لعبد الملك الحوثي حذّر فيه أتباعه من الصحافيين ووصفهم بأنهم أخطر من المقاتلين في الميدان.

وخلافًا لذلك، اختارت مجموعة من الصحافيين، أغلبهم كانوا يعملون في المؤسسات الإعلامية الحكومية، البقاء في منازلهم وترك العمل بالمطلق في تلك المؤسسات التي استولى عليها الحوثيون، وبرّر بعض هؤلاء هذا القرار بأنّ الجانب الحكومي لم يستوعبهم، ولأنهم لا ينتمون إلى أحزاب يمكن أن توفّر لهم مجالًا للعمل في المناطق خارج سيطرة الحوثيين، أو في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة التي تعمل من خارج البلاد، فضّلوا مكرهين الصمت لتجنّب الملاحقة.

وباستثناء صحيفتي "الأيام" و"عدن الغد" الصادرتين في عدن، واللتين عادتا للصدور بعد طرد الحوثيين من عدن، فإنه يمكن التأكيد بأنّ الصحافيين في اليمن يواجهون مخاطر متعدّدة، وعداءً واضحًا في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي تمثّل نسبة 80 ‎%‎ من مساحة البلاد، لأنّ السيطرة على تلك المناطق ليس لهذه الحكومة، إنما لأطراف مسلّحة متناقضة الأهداف والتوجهات.

ووسط هذه الأجواء، استمرّت وسائل الإعلام المستقلّة في التوقف عن الصدور، واختفت الصحف التي كانت تحظى بمتابعة وتأثير كبيرين قبل اجتياح صنعاء، وفي مقابل ذلك نشطت التشكيلات العسكرية المشاركة في الحرب من خلال كتائب من الأتباع، إما عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع إخبارية جديدة على شبكة الإنترنت وصدرت صحف وأنشئت محطات إذاعية وتلفزيونية تؤدي في الغالب دور التوجيه المعنوي للتشكيلات المسلّحة وتحرّض على الكراهية، وقيّدت حركة وعمل الصحافيين بشكل عام.

وتشدد نقابة الصحافيين اليمنيين في تقاريرها على أنّ وضع الحريات الإعلامية في البلاد لا تزال عند المستوى "الحرج والخطر" في ظلّ تواصل مسلسل الانتهاكات بحقّ الصحافة والصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، مؤكدةً استمرار "التعامل العدائي" معهم من قبل أطراف الصراع.

ورغم عدم وجود إعلام معارض أو مستقل أو مكاتب لوسائل إعلام خارجية في مناطق سيطرة الحوثيين خارج نطاق "الجماعة"، تتصدر الجهات المنتهكة للحريات الإعلامية، حيث سجّلت نقابة الصحفيين اليمنيين 40 حالة انتهاك طالت الحريات الصحفية والإعلامية خلال النصف الأول من العام الجاري، تنوّعت بين حجز الحرية والتهديد والتحريض، والمحاكمات والاعتداءات ومصادرة ممتلكات الصحفي، والمعاملة القاسية للمختطفين وإيقاف الرواتب ورفض تنفيذ أوامر القضاء.

ووفق النقابة فإنّ صحفيّين اثنين لا زالا مختطفين لدى جماعة الحوثي، هما وحيد الصوفي المخفي قسرًا منذ أبريل/نيسان 2015، والموظف في وكالة "سبأ" نبيل السداوي، وهناك صحفي ثالث لدى المجلس الانتقالي الشريك في الحكومة أحمد ماهر، وصحفي واحد مختطَف من قبل تنظيم "القاعدة" بحضرموت هو محمد قائد المقري الذي اختُطف في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 عند سيطرة التنظيم على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت.

وإلى ذلك، يعيش الصحافيون والعاملون في وسائل الإعلام الحكومية في مناطق سيطرة الحوثيين بدون رواتب منذ العام 2016م، في ظل أوضاع اقتصادية غاية في السوء، فضلًا عن تأكيد نقابة الصحافيين أنّ بيئة العمل الصحافي في اليمن تواجه تحديات تشريعية مثل استمرار محاكمة الصحفيين أمام محاكم استثنائية ومعنية بقضايا الإرهاب والأمن القومي، ووفقًا لقوانين الجرائم والعقوبات ومكافحة الإرهاب، وليس بموجب قانون الصحافة والمطبوعات، وبيّنت النقابة أنّ هذه القوانين تصل العقوبات فيها حدّ الإعدام في قضايا النشر.

واشتكت النقابة في المجال عينه، من رفض سلطات الحوثيين الاستجابة لأوامر القضاء المساندة للحريات، كما هو حال حكم محكمة الصحافة بإعادة بثّ إذاعة "صوت اليمن" واستعادة كل مستلزماتها وأجهزتها. وقالت إنّ السلطات المتعدّدة في البلاد تُظهر حساسية شديدة من الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، وتمارس القمع والعنف في مواجهتهم، وتظهر عداءً واضحًا للعمل الصحفي وحرية التعبير، بحيث تتعامل مع الصحافيين بعدائية وتحريض، خاصة في ظل حالة الإفلات من العقاب لكل منتهكي الحريات.

وإلى جانب غياب التعدّدية الإعلامية، وإلغاء كل طرف أو سلطة مسيطرة على جغرافيا معيّنة أيّ نشاط صحافي أو وسيلة إعلام مستقلة أو معارضة، ومحاولة كل طرف فرض قيود على النشاط الصحافي المستقل. لفتت النقابة إلى أنّ الصحفيين المعتقلين يعيشون ظروف اعتقال قاسية وتعسّفية، وغير قانونية، ويُحرمون من الرعاية الصحية ويتعرّضون للتعذيب دون أي حماية قانونية.

كما انتقدت رفض الحكومة الشرعية دفع مرتّبات الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام الرسمية في المناطق غير الخاضعة لسلطتها، ورأت في ذلك مخالفة لمسؤوليتها القانونية والاخلاقية تجاه الموظفين، مع التذكير في الوقت نفسه بأنّ سلطات الحوثيين قامت بإيقاف مستحقات الصحفيين، بالإضافة إلى فصل بعضهم بسبب انتماءاتهم أو آرائهم المخالفة لتوجهاتها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن