ويتدفَّقُ عدد من زعماء العالم إلى القدس، مدينة السلام، دعماً لهذه الحرب. وهذا خطأ فادح. العنف ليس حلاً أبدًا، ولا يؤدي إلا إلى المزيد من العنف. إن الآثار السلبية المترتبة على ما يَدْعونَ إليه باستمرار هذه الحرب، أمر مخجل للغاية ولا يمكنهم توضيحه أو الدفاع عنه.
ليس للمدنيين الأبرياء في غزة أي رأي أو اختيار في ما يحصل. السؤال الكبير: ما الذي تقترح فعله بالضبط تلك الدول التي صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار وقف الحرب؟ إن بَدْءَ تلك الحرب كان خطأ، وأن دعوة العديد من القادة الغربيين في المقام الأول إلى استمرار إسرائيل في شنّ هذه الحرب على غزة خطأً أكبر، ولا يخدم إلا أجندة المتطرفين الذين بدأوها، وحتماً يخدم أجندة أولئك المتطرفين الذين يرغبون في استمرارها. المؤسف أنّ تلك الدول قد اقترعت في الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي ضد ما يريده أصدقاؤها من الدول في المنطقة، والذين يواصلون سعيهم لوقف الحرب ولتحقيق السلام.
إنَّ هذا الأمر يذهب إلى ما هو أبعد من كليشيهات المعايير المزدوجة، وعلى الخصوص في ضوء السياسة التي تعتمدها، وتسعى إليه تلك الدول ذاتها في أوكرانيا، وحيث أنها تعمل لوقف الحرب وإنهاء الاحتلال هناك. إنها بالفعل سياسة معايير مزدوجة وخاطئة ترتكبها تلك الدول.
وهي، عملياً، ترتكبها ضد مصالحها الخاصة والدائمة في العالم.
تلك الدول لا تستطيع مواجهة الانحراف عن طريق ارتكاب انحراف أسوأ، وسوف يحكم عليها التاريخ بقسوة إذا فشلت هذه الدول مرة أخرى في وقف هذه الحرب وهذا الهجوم الوحشي الذي تشنّه إسرائيل على غزة وعلى الفلسطينيين الأبرياء. فاستمرار هذه الحرب هو هدية للمتطرفين ولدعاة الحرب من كلا الجانبين ولا يخدم أحداً سواهم.
إنَّه لا يجوز أن يُتْرَكَ مصيرنا في أيدي المتطرفين، ولا أن يُسْمَحَ بالتالي في إضعاف قوى الاعتدال في المنطقة.
إنّ حل الدولتين هو الخيار الوحيد الذي يتحدث عنه العديد من زعماء العالم، ولكنهم- ويا للأسف- لا يتخذون أي إجراء ملموس للدفع في هذا الاتجاه. لا بل إنهم سكتوا وغَضُّوا النظر لعقود طويلة عن الانتهاكات التي كانت ولاتزال ترتكبها إسرائيل ضد تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. المؤسف أنّ الكثير مما تفعله إسرائيل، ولاسيما بالبناء المستمر للمستوطنات في الضفة الغربية يجعل من تحقيق حل الدولتين أكثر صعوبة، ودون تقديم بديل قابل للتطبيق. لقد مضى 32 عاماً على مؤتمر مدريد للسلام، و30 عاماً على إعلان المبادئ في أوسلو. فالوقت كما أصبح الحال عليه الآن ليس في صالح جهود تحقيق السلام ولا في صالح إحقاق العدالة.
إن عناصر الحل موجودة في مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي أقرّها جميع أعضاء جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. فهي بالفعل تعرض سلاماً شاملاً وعادلاً مع إسرائيل. وهذا أمر لا يقدر بثمن، ومع ذلك تستمر إسرائيل في التقليل من أهمية فوائد السلام لها إذا ما تمَّ هذا السلام مع الفلسطينيين ومع العالمَيْن العربي والإسلامي الأوسع، وكذلك في التقليل أيضاً في ما يعنيه تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة من استقرار وازدهار للعالم أجمع. المطلوب هو الشجاعة الأخلاقية وحسن النية والإرادة لتنفيذ ذلك.
لا سلام بدون عدالة للفلسطينيين، ولا يتوهمَّن أحدٌ أنّ بالإمكان اعتماد التهجير القسري للفلسطينيين من غزة أو من الضفة الغربية، أو أن حلاًّ حقيقياً قد ينبثق عن ذلك. فلا الجدران ولا الحواجز ولا الحروب ولا التهجير أثبتت أنها ذات فائدة. لذلك لا بد من اعتماد الحلول الصحيحة والناجزة. فالمعالجات الدورية المجتزأة والمقتصرة على تدابير غير ناضجة وغير مكتملة ليست في الحقيقة سياسة قابلة للتطبيق، وهي لا تؤدي إلى أي حلّ حقيقي على الإطلاق، وذلك بكونها، وبالفعل، تؤدي إلى المزيد من التدهور والدمار، وإلى أحوال أسوأ مما نحن عليه الآن.
لذا، لا بدّ من العودة إلى اعتماد القواعد الصحيحة لإحلال السلام، وهي التي أقرّتها وأكّدت عليها القرارات الدولية.
أوقفوا الحرب اليوم ولنبدأ جميعًا بخطوات حقيقية وملموسة نحو سلام شامل ودائم وقابل للحياة.
*ترجمة لمقال كتبه الرئيس فؤاد السنيورة في صحيفة الفايننشال تايمز اللندنية
("النهار") - (Financial Times)