بصمات

عبدالله العروي في المشرق

في السابع من نوفمبر يحتفل الوسط الثقافي المغربي والعربي ببلوغ المفكّر عبدالله العروي التسعين من العمر. أنتج خلالها عشرات الكتب بين المحاولة (Essai) والتاريخ والفكر والرواية وغيرها. في هذه المناسبة نستقري كيف تعرّف المشرق العربي على هذا المفكّر قبل ما يزيد على نصف قرن من الزمن.

عبدالله العروي في المشرق

أصدر عبدالله العروي بالفرنسية كتابه الأول عام 1967 L’idéologie Arabe Contemporaine، وسرعان ما استرعى الكتاب انتباه المفكّر السوري ياسين الحافظ، والذي أسّس مع رفاق له "دار الحقيقة" في بيروت وسعى إلى ترجمته، التي تولاها محمد عيتاني. وعند صدور الكتاب (1970) ترك صدى لدى المثقفين الذين استرعاهم الأسلوب والمنهج الذي صاغ مؤلّفه كتابه بهما مع بعض التعثّر في إدراك غاية الكتاب.

لم يكن الكتاب تأريخًا أو معالجة أكاديمية للفكر العربي الحديث، ولكنه (Essai) التي يمكن ترجمتها بمحاولة أو معالجة قضية والموضوع هنا هو "الأيديولوجية". وبالرغم من أنّ الكلمة كانت شائعة ولو بشكل محدود في الأوساط الثقافية وخصوصًا الماركسية آنذاك، والتي كانت تستخدم بمعنى النظرية أو الفكر أو المنظومة الفكرية، إلا أنّ "الأيديولوجية" حسب غورفيتش كانت تحمل معاني متعدّدة، وأغلبها يدور حول الوعي غير المطابق للواقع، وبمعنى العقيدة التي تتضمّن رؤية محدّدة للواقع في زمن محدّد. وبهذا المعنى استخدم العروي مصطلح الأيديولوجية، مما سبّب التباسًا في فهم كتابه.

لمس قرّاؤه أنّه يتبنّى الماركسية إلا أنها تختلف عن ماركسيات المنظّمات اليسارية اللبنانية - الفلسطينية

والعروي في قراءته للفكر العربي المعاصر رأى أنه محمّل بالأيديولوجية متناولًا بذلك ثلاثة رموز: الشيخ والليبرالي وداعية التقنية. فالشيخ يحمل رؤية دينية أو أيديولوجية دينية والليبرالي يحمل أيديولوجية سياسية والتقني الذي يدعو إلى تبني الصناعة.

وقد انشغل قرّاء الكتاب بالبحث عن الأشخاص الذين يقفون خلف هذه الرموز، الإمام محمد عبده هو الشيخ، وأحمد لطفي السيد هو الليبرالي، وسلامة موسى هو داعية التقنية. وهذه الطريقة في القراءة المشرقية تفسّر الفرق بين الثقافة الشائعة في الوسط البيروتي والمشرقي الغارق في الأيديولوجية القومية والاشتراكية، وبين القراءة النقدية التي استخدمها العروي والتي اتّبع فيها طرائق البحث التي كانت شائعة في فرنسا خاصة. وقد لمس قرّاؤه أنّ العروي يتبنّى الماركسية آنذاك إلا أنها ماركسية تختلف عن ماركسيات المنظّمات اليسارية اللبنانية - الفلسطينية.

ولم تتأخّر دار الحقيقة في إصدار كتاب آخر لعبدالله العروي وهو العرب والفكر التاريخي وهو يشتمل على عدد من الدراسات تدور حول "التاريخانية". كان أغلب المؤرّخين في المشرق يستخدمون التاريخ في خدمة أغراض عقائدية قومية أو دينية. ما اقترحه العروي هو تبنّي "التاريخانية" وهو مفهوم متداول في الغرب لدى المفكّرين الألمان والفرنسيين، والذي يعني تجاوز سرد الوقائع والأحداث، إلى اكتشاف أو معالجة القوانين التي تتحكّم بالتاريخ. وفي هذا الكتاب فصل يناقش فيه العروي المستشرق غوستاف غروبناوم حول نظرته الاستشراقية إلى تاريخ الإسلام، ويقدّم من خلاله نموذجًا للنقد التاريخي عبر اكتشاف المفاهيم التي تتحكّم بعمل المستشرق.

جعل الكتابان لعبدالله العروي مكانةً في المشرق كأوّل كاتب ومؤرّخ مغربي يتقدّم بأطروحات غير شائعة في المشرق آنذاك. وسرعان ما ترجم كتابه: تاريخ المغرب في ترجمة لا ترقى إلى مستوى الكتاب. مما طرح مشكلة الترجمة ومقدار مطابقتها للنص الأصلي.

لكن العروي ذهب إلى الكتابة بالعربية مباشرة. وكانت كتبه تُطبع في بيروت وخصوصًا تلك الكتب التي تناولت المفاهيم: الأيديولوجية – الحرية – الدولة - التاريخ. وهي كتب أكاديمية يمكن استخدامها من قبل الطالب الجامعي. والتي راجت من خلال نشرها في المركز الثقافي العربي (الدار البيضاء- بيروت) والتي صدرت أيضًا في عدّة طبعات.

لكن مؤلفات العروي التاريخية، وخصوصًا الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية، فإنها لم تحظَ بالانتشار نفسه الذي حظيت به كتبه الأخرى.

كان الأول بين المفكّرين المغاربة المعاصرين الذين عرفهم قرّاء المشرق

كان العروي روائيًا، وأول رواياته: الغربة، التي كتب بعدها روايات: اليتيم، و رجل الذكرى و غيلة، فإنها بالكاد عُرفت، كذلك فإنّ كتبه التي تتضمّن يوميات وخواطر مثل: خواطر الصباح، و السّنة والإصلاح، ومن ديوان السياسة فإنها تكاد تكون مجهولة لدى قرّاء المشرق.

كان العروي الأول بين المفكّرين المغاربة المعاصرين الذين عرفهم قرّاء المشرق. وقد طغت صورته كمفكّر ماركسي نقدي وحداثي. ومن جهته كان قليل الاهتمام بالكتّاب المشرقيين ولا نجد أثرًا لهم في أعماله: وفي إحدى مقابلاته ذكر أنه عمل لفترة قصيرة في وزارة الخارجية المغربية، وخدم في القاهرة عام 1961، يقول: "أُعجبت بالشعب المصري، لكن لم أكن معجبًا بالمثقفين المصريين.. لكن إقامتي بمصر كانت لسوء الحظ وجيزة، ولم أعد إليها أبدًا، ولا أستطيع أن أقول بصدق إنني أحسست بحاجة أو رغبة في ذلك، كان زمن التفوّق المصري في العالم العربي قد ولّى، على الأقل كما ننظر نحن إلى الأشياء، من المغارب".

وقد زار بيروت مرّتين أو ثلاث مرّات، الأولى عام 1974، وألقى محاضرة في النادي الثقافي العربي، كما زارها عام 1998، وألقى محاضرة في إطار مؤتمر، في الجامعة الأميركية. وفي عام 2017 حاز على تسميته شخصية العام الثقافية لجائزة الشيخ زايد للكتاب.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن