هل إسرائيل تريد حقا تصفية حماس والقضاء عليها نهائيا؟، أقصد..هل هذا هو سبب استمرار الجرائم الإسرائيلية على غزة لأربعة أسابيع؟
سؤال يبدو غير منطقي، في ظل تصريحات إسرائيلية وأمريكية، بأن الحرب لن تنتهي إلا باختفاء حماس من الوجود، هذا هو النص الدائر أمام الجمهور العالمي، لكن خلف الستائر الشفافة جدا هدف الحرب هو إجبار الفلسطينيين على النزوح من غزة إلى معبر رفح بالقتل والمجازر والحصار دون ماء وطعام ودواء وكهرباء!
لم يكن أبدا هدف الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تصفية منظمة حماس، وإنما تصفية القضية الفلسطينية برمتها، ورأت في حماس « ذريعة» تقربها من هدفها، وقد فسرها الكاتب «ديمتري شومسكي» في مقال بجريدة هآرتس «لماذا أراد نتنياهو تقوية حماس؟»، وأجاب: ليدوم الخلاف بين حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة، يزيد من الشلل الدبلوماسي ويزيل إلى الأبد خطر المفاوضات مع الفلسطينيين حول حل الدولتين، بحجة أن السلطة الفلسطينية لا تمثل كل الفلسطينيين، وقال إن نيتانياهو ما بين عامي 2012 و2018، كما هو مثبت بالوثائق، منح قطر الموافقة على تحويل مبلغ تراكمي يبلغ مليار دولار إلى غزة، وصل نصفها على الأقل إلى حماس، وجناحها العسكري، ونقل «ديمتري شومسكي عن صحيفة جيروزاليم بوست إن نتنياهو في اجتماع خاص مع حزبه الليكود في 11 مارس 2019، برر خطواته المتهورة بأن تحويل الأموال جزء من إستراتيجية تقسيم الفلسطينيين، ومنع إقامة دولة فلسطينية. واستشهد شومسكي بحوار «جيرشون هاكومين» مساعد نتنياهو مع موقع «واي نيت» قال فيه: إستراتيجية نتنياهو هي منع خيار الدولتين، وحماس هي أقرب شريك. وينهي مقاله بأن أيدي نتنياهو مخضبة بدم الإسرائيليين الذين قتلوا في 7 أكتوبر. وقد سبقه «أدام راز» تحت عنوان «تاريخ مختصر لتحالف نتنياهو- حماس»، أورد فيه تفاصيل سياسة نتنياهو في إضعاف السلطة الفلسطينية لمصلحة حماس، ليضمن دوام دوره على المسرح السياسي.
نحن هنا لا نُقيّم ما فعلته حماس من هجمات شرسة منظمة على إسرائيل في 7 أكتوبر، زلزلت بها أسسا ثابتة في الدولة الصهيونية، فحق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل والأساليب محفوظ في كل القوانين الدولية، لكن لنبين «المخاطر» التي تحيط بمصر والتحديات التي تواجهها في هذه الحرب الإجرامية على غزة. هذه المخاطر تناولها مقال نشره موقع (جراي زون) في 24 أكتوبر، للكاتب «كيت كلارينبرج» بعنوان (مركز أبحاث صهيوني ينشر مخطط التطهير العرقي للفلسطينيين)، وكلارينبرج محقق صحفي يكشف دور أجهزة المخابرات في تشكيل السياسة. يقول: مع القصف الشامل لغزة ومقتل 5000 فرد وتهجير مليون فلسطيني نشر معهد الأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية في تل أبيب أوراقا بحثية كتبها الليكودي «عامير وايتمان» يعلن فيها ما يمكن أن نسميه «الحل النهائي» للحفاظ على الدولة اليهودية، (إنها فرصة فريدة ونادرة صنعها الهجوم الإسرائيلي على غزة، لإعادة توطين وتسكين كل أهلها). وقال: "إن الجارة مصر بها 10 ملايين وحدة سكنية شاغرة، يمكن أن يشغلها الفلسطينيون فورا، بتكلفة تتراوح ما بين 5 و8 مليارات دولار، تعادل من 1 إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالى لإسرائيل، قد يكون سعرا ضخما، لكن حل هذه المشكلة الكبيرة نهائيا يستحق، ويُعد استثمارا مبتكرا ورخيصا، كأننا نشتري غزة، وإذا لم تفلح هذه الخطة حاليا فعلينا إذا أردنا أن نحيا، أن نقتل ونقتل ونقتل!"
ويعلق الكاتب: هذه المقترحات البربرية تعكس ما يغمغم به العديد من المسؤولين الإسرائيليين على انفراد، وهو نفس ما ردده «داني أيلون» نائب وزير الخارجية السابق في مقابلة مع «مارك لا مونت هيل» في قناة الجزيرة: هناك مساحة شاسعة في صحراء سيناء، يمكن أن يغادروا إليها، ونقوم نحن والمجتمع الدولى بإعداد البنية التحتية لـ10 مدن جديدة. تقريبا هذا ملخص ما ورد في مقال كلارينبرج، وقد أعاد موقع «جلوبال ريسارش» نشره في 27 أكتوبر، وعلق عليه «جوناثان ليز» في هآرتس في 30 أكتوبر، أو بمعنى أصح اعترف بما تدبره إسرائيل وتفكر فيه حكوماتها، وأضاف: مع وجود منطقة عازلة تمنع اقتراب هؤلاء «الغزاويين» من حدود إسرائيل! كل هذه أضغاث أحلام إسرائيلية في ظهيرة يوم صيفي حارق، أو أوهام غبية، أو يبدو أن الصنف الذي يتعاطاه اليمين الإسرائيلي مغشوش للغاية، فصور لهم أن المصريين في أزمتهم الاقتصادية يمكن أن يفرطوا في حبة رمل واحدة، وهو نفس الصنف الذي سربوه إلى قادة غربيين، حاولوا الضغط على مصر بكل وقاحة، لقبول الاقتراح المستحيل وما زالوا، والرفض المصري القاطع رسميا وشعبيا، نفسيا وإنسانيا، مصريا وعروبيا دفع بهم إلى السؤال الصعب: وماذا بعد القصف أو حتى اقتحام غزة بريا والاستيلاء عليها؟، كيف يكون المستقبل إذا كان الإسرائيليون يرفضون حل الدولتين؟، وللعلم أمريكا تساند هذا الرفض وتراه ضرورة لدوام الدور الوظيفي لإسرائيل في المنطقة.. ولأن جرائم الحرب الإسرائيلية صارت عبئا ضاغطا يطارد داعميها على صفحات التواصل الاجتماعي، فهم يعيدون الآن حسابات التأييد الأعمى لإسرائيل لتفعل ما تشاء، هذا لا يعني تراجعهم بمقدار خردلة عنه، وإنما في تدبير «بيئة آمنة» لإسرائيل في المستقبل، طالما أن أبواب مصر أغلقت في وجه الوهم التهجيري، ولا يعني أيضا التسامح مع موقف مصر، مع تقديرهم لدورها في عدم توسيع نطاق الصراع، وإنقاذ أهل غزة من الموت جوعا وعطشا ونزفا، وسيتربصون بها، وهنا سيعيد التاريخ نفسه ويُظهر شعب مصر قدراته الكامنة في رد الضغوط , ووأد التآمر الرخيص.
("الأهرام") المصرية