اقتصاد ومال

"الطوفان" الاقتصادي.. إسرائيل "تدفع" الثمن

لا تزال تقديرات الخسائر الاقتصاديّة التي تكبّدتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل، أوّلية، بانتظار انتهاء الحرب على قطاع غزّة، وانكشاف الحجم الحقيقي للأضرار الناتجة عنها. لكن إلى اليوم، يبدو واضحًا أن الفاتورة الاقتصاديّة الإسرائيليّة، ستكون باهظة جدًا على كيان الاحتلال، وهي قابلة للإرتفاع أكثر، في حال تصاعد وتيرة الحرب واستمرارها لفترة طويلة، خصوصًا مع توسيع إسرائيل عملياتها البرّية في القطاع.

لا يخفى على أحد أنّ هناك تخبطًا تعيشه الحكومة الإسرائيلية، لجهة تقدير الخسائر. ففي أسبوع العدوان الرابع، اختلفت التقديرات والترجيحات، لكنّ غالبية التقارير أجمعت على أنّ الخسائر ستتوزّع بين تكلفة الحرب المباشرة، أيّ كلفة السلاح والذخيرة وقوات الإحتياط، وغير المباشرة مثل الكلفة الاقتصادية والمالية وكلفة التعويضات للمتضرّرين من أفراد وشركات، فضلًا عن كلفة خسارة إيرادات الدولة مثل عائدات الضرائب بسبب الحرب.. وغيرها الكثير.

وما هو مثبت حتى الآن، أنّ الخسائر المباشرة لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى اليوم تقدّر بنحو 246 مليون دولار يوميًا وفق تقديرات وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أيّ ما يعادل 6.64 مليار دولار (على أساس 4 شيكل للدولار الواحد) حتى كتابة هذا التقرير، في حين تتحدث تقديرات أخرى عن خسارة إسرائيلية يومية تُقدّر بمليار دولار، جرّاء الأضرار المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن الحرب.

وعلى هذا الأساس، يُنذر استمرار الحرب بالمزيد من الخسائر الإقتصادية التي لن يكون لها سقف طالما بقيت سقوف الحرب والتصعيد مفتوحة. علمًا أنّ، من أبرز القطاعات المتضررة، يمكن ذكر، قطاعات التشييد والبناء والسياحة والتكنولوجيا والغاز، إذ منذ بدء الحرب توقفت أعمال البناء والتشييد بالكامل في إسرائيل، وهو ما يكبد الحكومة الإسرائيلية خسائر تصل إلى 37 مليون دولار (أيّ ما يعادل 150 مليون شيكل) يوميًا، بينما يشغل اللاجئون الإسرائيليون الفنادق التي باتت خالية من السياح، وهو القطاع الذي يسهم عادةً بإيرادات ضخمة للاقتصاد المحلي بنحو 5.5 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي (بحسب أرقام 2022)، فيما يسهم قطاع التكنولوجيا بنحو 18% من إجمالي الناتج المحلي ونحو نصف الصادرات، في حين باتت تُقدّر خسائر إسرائيل بنحو 200 مليون دولار شهريًا بسبب توقف إنتاخ الغاز في حقل تمار.

ومن خلال هذا التقرير نستعرض بعض النقاط التي يمكن تلخيصها على مستوى انعكاسات حرب غزّة على المشهد الاقتصاديّ الإسرائيلي:

- إنخفاض العملة الإسرائيليّة (الشيكل) إلى أدنى مستويات لم تشهدها منذ أكثر من عقد، حيث سجل حوالى 4 شيكل مقابل الدولار الواحد، رغم إعلان المركزي الإسرائيلي عن ضخّ نحو 45 مليار دولار في محاولة لضبط سعر الصرف ومنع تدهوره.

- تجنيد أكثر من 360 ألف عنصر إحتياط بتكلفة تُقدّر بنحو 2.5 مليار دولار شهريًا، وهم يعادلون 8% من القوى العاملة في إسرائيل، ربعهم يعمل في المصانع و15% منهم في قطاع التكنولوجيا.

- تراجع بورصة تل أبيب (بالقياس على أداء أكبر 35 شركة) وتكبد المؤشر أكبر خسارة شهرية له في أكثر من 3 سنوات، إذ سجّلت الخسائر السوقية لبورصة تل أبيب 27 مليار دولار خلال شهر أكتوبر 2023، بينما أظهر مسح لوكالة الأناضول (نُشر في 25 أكتوبر/تشرين الأوّل) استنادًا إلى بيانات بورصة تل أبيب، أنّ المؤشر تراجع بنسبة 11.7% إلى 1617 نقطة - وهو أدنى مستوى منذ مارس/آذار 2021 - نزولًا من ختام جلسة 5 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 البالغة 1831 نقطة. وقد تسببت الحرب على غزّة بتراجع غالبية المؤشرات التي تتألف منها البورصة هناك، بصدارة قطاعات البنوك، والتأمين، والتكنولوجيا، والعقارات والإنشاءات.

- إلغاء العديد من شركات الطيران رحلاتها من وإلى إسرائيل.

- توقف أكثر من 130 ألف عامل فلسطيني يأتون من الضفة الغربية ويعملون بشكل كبير في قطاعي الزراعة والبناء، علمًا أنّ وزير الاقتصاد الإسرائيلي، نير بركات، اقترح بشكل عاجل المصادقة على خطوة لجلب 160 ألف عامل أجنبي، معظمهم من الهند ليحلّوا محل العمّال الفلسطينيين، خصوصًا أنه تمّ إجلاء 250 ألف إسرائيلي من منازلهم ما أثر على حجم القوى العاملة المتاحة.

- نسبة من القوى العاملة في مجال التكنولوجيا والصناعات أصبحت خارج نطاق أعمالها بسبب استدعائها للخدمة وصعوبة الوصول إلى أماكن العمل.

- توقّع عدد من خبراء الاقتصاد أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي بنحو 15% مقارنة بـ0.4% خلال الحرب على غزّة في عام 2014، و0.5% خلال الحرب على لبنان عام 2006، وقُدِّر في نهاية العام الماضي بنحو 525 مليار دولار (وفق بيانات صندوق النقد الدولي).

- تحذير وكالات التصنيف الائتماني، فيتش وموديز وستاندرد آند بورز، من أنّ تصعيد النزاع قد يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل بعد ستة أشهر.

- تضرّر عدد من المباني والمنشآت، ما يهدّد "صندوق التعويضات والأضرار" البالغ حجم أرصدته 4.5 مليار دولار بالوصول إلى مرحلة الإفلاس.

- ترجيح مضاعفة العجز المالي الحكومي ضعفي ما كان متوقعًا قبل الحرب بـ1.5%، علمًا أنّ قيمة موازنة الدولة الإسرائيلية في 2023 تبلغ 484 مليار شيكل، أيّ نحو 120 مليار دولار، و514 مليار شيكل للعام 2024، أيّ نحو 128 مليار دولار، (على أساس 4 شيكل للدولار).

- توقّع انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي.

في المحصلة، إسرائيل بدأت "تدفع" ثمن عدوانها على غزّة، وقد بلغت تكلفة الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب "نحو 7.5 مليار دولار" بإقرار القناة 12 الإسرائيلية... و"العدّاد مستمرّ"، لا سيما وأنّ صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية، نقلت عن أرقام أولية لوزارة المالية أنّ تكلفة الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة ستبلغ ما يصل إلى 200 مليار شيكل (51 مليار دولار)، موضحةً أنّ نصف هذه التكلفة ستكون في نفقات الدفاع التي تصل إلى نحو مليار شيكل يوميًا، على أن تتراوح تكلفة الخسائر في الإيرادات بين 40 و60 مليار شيكل أخرى، إلى جانب ما بين 17 و20 مليار شيكل ستتكبدها إسرائيل على شكل تعويضات للشركات، و10 إلى 20 مليار شيكل لإعادة التأهيل.

(خاص "عروبة22" - إعداد حنان حمدان)

يتم التصفح الآن