وجهات نظر

عـن "عــروبـة 22" .. الفـكـرة والـطمــوح

تمرّ الأمم، كلّ الأمم، في فترات تشعر فيها بالأزمة، وبالحاجة إلى البحث في الهويّة.. وعنها، وفي الأزمات وحولها، وإلى مراجعة الذات والوعي والفاعليّة وقوة الحضور والتأثير.. هكذا تكون المراجعة في الأسس النظريّة وفي المآزق والمآلات؛ شرطًا ضروريًا للسير نحو المستقبل.

عـن

ثمة أسئلة متكاثرة حول العروبة في واقعها وتحدياتها وهواجسها وطموحاتها؛ في السياسة والإقتصاد والإجتماع والثقافة والتعليم والتنمية والتكامل والشراكة والإبتكار... عن واقع الشقاء والتهميش والصراعات، وعن إمكانات الخروج إلى مساحات السلام والتفاعل، ذلك أنه في أزمنة التكتلات الكبرى القائمة على المصالح المشتركة وتبادل الخدمات والتسهيلات، لايمكن القبول بإدّعاء أن ما بات يجمع العرب هو التناقضات فحسب، لا المصالح ووحدة المصائر!

لإعادة تقديم العروبة كعنوان جامع للأمة في جغرافيتها وتنوعها وثقافتها ومصالحها

لا ضير، إذن، في مقاربة العروبة وقضاياها من مَداخلَ إشكالية، إذ ليس مطلوبا أصلًا إجتزاء التاريخ أو إختزاله أو الركون الى المسلّمات والوجدانيات والشعبويات، ومع التقدير العميق لإرث منظّري الوعي العربي – الإسلامي المترافق مع التنبه القومي من محمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي، وعبد الحميد الزهراوي، ورفيق العظم وشكيب أرسلان، إلى مطوّري الوعي العربي ذي الاتجاه القومي؛ صلاح القاسمي، وعبد الغني العريسي، وعمر حمد، وعمر فاخوري ونجيب عازوري وعبد العزيز الدوري، وصولاً إلى رموز القومية المحدثة مع ساطع الحصري وزكي الأرسوزي وميشل عفلق وقسطنطين زريق، يبقى الأهم هو السعي لإعادة تقديم العروبة كعنوان جامع للأمة في جغرافيتها وتنوعها وثقافتها ومصالحها، وبأنها مدخل صالح للتأسيس لمنظومة واسعة من التكاملات الإقتصادية والحيوية والتنموية، وذلك يفترض محاكاة ما يمكن أن ينتجه التكامل المنشود على مسارات: الخروج من الشقاء القائم، وتنمية المجتمع، وزيادة الثروات وكيفية الإفادة منها في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة، والأمن الغذائي، وأخيرًا الأمن الوطني والاستراتيجي.

"عروبة 22" ترى نفسها معنيّة بالتأسيس لمستقبل عربي أفضل

من هذه البيئات ولدت "عـروبة 22"، وتنطلق متطلعة إلى الانخراط في متابعة وتحليل الشأن العربي الراهن، وعينها على عالم عربي فاعل ومؤثر في محيطه والعالم، وإنسان عربي معتزٍّ بهويته وثقافته، مشارك في إدارة حاضره وصناعة مستقبله.. فإلى كونها منصّة لتداول الأفكار والآراء وإجتراح الحلول، ترى "عروبة 22" نفسها معنيّة بالتأسيس لمستقبل عربي أفضل، وإعادة صياغة الوحدة العربية وفق فهم جيو- سياسي جديد قائم على التكامل وتوحيد المصالح في فضاء تداولي واسع ينقل التكامل من "الوجداني" إلى "العملي"، وينظر الى الرأسمال البشري العربي، وخصوصا الشباب، على أنه الثروة الأكبر.

لسنا منشغلين، ولا نريد أصلاً، في "عـروبة 22" محاكمة التجارب والأفكار، ولا في مصادمة إتجاهات ومواقع، بالرغم من مرارة الهزائم التي قضت على طموحات التحرّر والنهوض والوحدة، ثمّ كرّست الاستبداد والجهل والتخلّف والخرافة والعوز والشعبويات في المشهد العربي العام. نحن نسعى إلى التفكير والتأمل والكتابة في أحوال العرب البائسة لاستنهاض مكامن قوتهم، ومحاكاة عالم سريع التغيّر وشديد التفاعل، هنا ترى "عـروبة 22" نفسها مهتمة بالمشاركة مع آخرين، أفرادًا ومؤسسات، في الإجابة عن أسئلة الراهن وتحديات المستقبل، من دون إنحياز ولا إنغلاق، وهي فوق ذلك، ترى أنّ عملية التغيير والتقدم ليست حكرًا على النخب، كما أنها ليست وقفًا على الطبقة الحاكمة، بل هي مساحة تتشارك فيها الشعوب والمجتمعات بفئاتها كافة، رجالاً ونساءً وناشئة.

لإعلاء شأن الإنسان العربي وتحقيق التنمية البشريّة والاقتصاديّة واستنهاض العروبة بمفهومها الحَداثي

تطمح "عـروبة 22" في رؤيتها التأسيسيّة إلى أن تكون "همزة وصل بين العرب بمختلف فئاتهم الفكرية وأجيالهم العمرية من أجل بلورة محدّدات مستقبل عربي نهضويّ يرتكز في أسسه على وحدة الأمة والانتماء والمصالح وتشكيل الوعي لتعميم ثقافة الممارسة الديموقراطية بشقيها السياسي والفكري"، ومن أجل ذلك جعلت ضمن مهمتها العمل على "إعلاء شأن الإنسان العربي وتحقيق التنمية البشريّة والاقتصاديّة بالتأسيس على وحدة الثقافة والمصالح لإعادة استنهاض العروبة بمفهومها الحَداثي المعاصر" بما يحقق تكامل المصالح وبما يؤدي إلى إشباع حاجات التنمية البشرية، وتعزيز الديموقراطية، ثقافةً وممارسة، لتفعيل مفهوم الدولة وحكم القانون وصون الحريات واحترام حقوق الانسان. كذلك لحظت في شعارها ألوان الثورة العربية بكل آمالها وتطلعاتها، وتاليًا فهي تتصدى، من دون ادّعاء أو تورّم أو انحياز، لمهمة التفكير في قضايا الأمة، وأحوال المجتمع، وأزمات الراهن، وانتظارات الأزمنة (...) في مشكلات العرب، في احتمالات المصير العربي، في أسباب الارتكاس وسبل الخروج، في مقترحات الحلول، في الديموقراطية والحريات، في سرديات التاريخ وتحديات الحاضر واحتمالات المستقبل، في الجامعة العربية وسوقها المشتركة، في دور المرأة والشباب وحقوق الجماعات، في جدليات الدولة والسلطة.. فاتحةً المجال أمام مثقفين عرب كبار وباحثين شباب لتقديم ما لديهم من أفكار ورؤى من خلال الكتابة والتفكير والنقاش والإستشراف، وتقدير الموقف وطرح وجهات النظر وإعداد الدراسات.

لقد أرادها المؤسّسون منصّة مستقلّة، تعكس نبض العروبة وطموحات شبابها.. تفكيرًا ومتابعةً لقضايا الحاضر، من أجل رسم احتمالات المستقبل. باختصار، لا تنقص العرب الإمكانات ولا المحفزّات للخروج من مآزقهم. قضيّةٌ جديرة بالمحاولة.. وهو ما تتقصّده "عـروبة 22".


أحمد الزعبي - المدير التنفيذي لمنصة "عروبة 22"

يتم التصفح الآن