وفي حين كان الشارع اليمني يتطلّع إلى استئناف جهود تحقيق السلام، وإبرام اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في البلاد، وصرف رواتب الموظفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وفتح الطرقات بين المحافظات، والذهاب نحو محادثات سياسية تفضي إلى اتفاق شامل للحرب، جاءت الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلّة لتعيد ترتيب الأولويات داخليًا وإقليميًا.. فتوقفت تحرّكات الوسطاء الدوليين ومن الإقليم، وظلّت التفاهمات التي خرجت فيها محادثات الحوثيين في الرياض بحضور وسطاء من سلطنة عمان تنتظر عودة الهدوء إلى فلسطين.
وتحدثت مصادر حكومية عن تراجع الزخم الذي طبع التحرّكات الإقليمية والدولية تجاه اليمن قبل أحداث غزّة، مع استمرار الإشارات إلى كون السعودية لا تزال تحرص على إعادة تحريك الملف اليمني إثر انقضاء شهر على العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، من خلال إحياء الاتفاق الاقتصادي الخاص بصرف رواتب الموظفين، وتوحيد موارد الدولة، على أمل في أن يتم تطبيقه مطلع العام القادم.
الحوثيون استغلوا أحداث غزّة لتحقيق مكاسب سياسية وتقوية موقفهم التفاوضي
ومع أنّ الجانب الحكومي يُظهر عدم رضا تجاه المقترحات المرتبطة بالملف الإنساني، إلا أنه يعي أنّ الفكرة العامة لتحقيق السلام تتضمّن تشكيل لجان اقتصادية وسياسية وعسكرية، بما يضمن تزامن جميع المسارات، وعدم تنصّل الحوثيين من التزاماتهم كما حدث مع اتفاق الهدنة الذي رعته الأمم المتحدة في أبريل (نيسان) عام 2022، حين نفّذت الحكومة جميع التزاماتها بما فيها إزالة كل القيود على الاستيراد عبر موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين وتسيير رحلات تجارية من مطار صنعاء، إلا أنّ الحوثيين رفضوا حينها، وما زالوا حتى الآن يرفضون، فتح الطرق المؤدية إلى مدينة تعز التي يحاصرونها منذ بداية الحرب.
وراهنًا، تؤكد مصادر مطلعة على جهود الوساطة التي تقوم بها سلطنة عمان أنّ "الحوثيين قد استغلوا أحداث غزّة لتحقيق مكاسب سياسية، وتقوية موقفهم التفاوضي، من خلال إطلاق مجموعة صواريخ ومسيّرات باتجاه إسرائيل، وحرصت قيادة الجماعة على تقديم نفسها باعتبارها الأكثر نصرةً للفلسطينيين، واستمالة قطاع عريض من السكان على اعتبار أنّ اليمن الغارق بالحرب أطلق للمرّة الأولى في تاريخه صواريخ بالستية ومسيّرات نحو الدولة العبرية".
ووفق تقدير المصادر، فإنّ نتائج الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة من شأنها أن تبيّن الطريق الذي ستمضي فيه جهود التسوية في اليمن، وعلى الرغم من إبداء عدم تفاؤلها بإمكانية التوصل إلى اتفاق قريب، تبدو السعودية أكثر حرصًا على إنهاء ملف الحرب، حيث أعادت التأكيد والولايات المتحدة على أن الأحداث في فلسطين لن تؤثر على الجهود التي بُذلت في سبيل التوصل إلى اتفاق سلام قريب.
ووسط ضبابية المشهد اليمني، ظهر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانز غروندبرغ، في العاصمة الإيرانية طهران، والتقى بحسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، وتبادل معهم وجهات النظر حول أهمية إحراز تقدّم والمضيّ قدمًا في التوصل إلى اتفاق بشأن تدابير تحسين الظروف المعيشية في اليمن، ووقف إطلاق نار مستدام على الصعيد الوطني، واستئناف عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة.
المبعوث الأممي يراهن على الدور الحاسم الذي يلعبه المجتمعان الإقليمي والدولي في توفير الدعم المستمر للجهود الرامية إلى تحقيق سلام دائم يلبّي تطلّعات مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة اليمنيين، لكنه لم يبيّن ما إذا كان بمقدوره إعادة إحياء المحادثات وسط هذه الظروف أم لا.
هيئة التشاور والمصالحة تمسّكت بمبدأ الحوار المباشر على قاعدة: "شرعية وانقلاب"
أما هيئة التشاور والمصالحة الحكومية، فاستبقت التحرّكات الجديدة وأعلنت ما اعتبرتها أسُسًا من شأنها أن تؤدي إلى التوصل إلى سلام شامل وحقيقي مع الحوثيين، وتمسّكت بمبدأ أن يكون أي حوار مع الجماعة بشكل مباشر مع مجلس القيادة الرئاسي وعلى قاعدة: "شرعية وانقلاب".
الهيئة التي تضمّ ممثلين عن كافة القوى السياسية المعارضة للحوثيين، وتشكّلت مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، جدّدت الترحيب بجهود ومساعي السعودية لتحقيق السلام، وأكدت الحاجة إلى وقف الحرب وبدء السلام والاستقرار، لكنها اشترطت أن تكون أي حوارات أو مفاوضات سياسية، شاملة ومباشرة بين الشرعية بقيادة مجلس القيادة الرئاسي، والحوثيين على قاعدة تجسيدهم "الإنقلاب".
وحسب هذه الهيئة المعنية بالتشاور والمصالحة بين مختلف القوى المكوّنة للشرعية، فإنّ الوصول إلى تحقيق سلام شامل لن يتمّ إلا من خلال عملية تفاوضية حقيقية تفضي إلى إنهاء الانقلاب ومعالجة آثاره، واستعادة كافة مؤسسات الدولة، ونزع سلاح الحوثيين، وإزالة التهديدات التي تمارسها هذه الجماعة على حياة ومقدرات ومستقبل الشعب اليمني.
وأوصت الهيئة مجلس القيادة الرئاسي بإشراك القوى والأحزاب والمكوّنات السياسية، وكذا هيئات ومؤسسات الدولة الشرعية، في مناقشة أي مقترحات أو مبادرات للحل، وجددت تأكيدها على أهمية تفعيل الوفد التفاوضي لمجلس القيادة الرئاسي للقيام بمهامه ومسؤولياته، كما دعت القوى والمكوّنات والأحزاب السياسية إلى استشعار روح المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة بالغة الأهمية، والعمل المشترك بما يضمن تحقيق مستقبل يرقى إلى تضحيات اليمنيين، وبما يحقق انتماء اليمن لحاضنته العربية.
(خاص "عروبة 22")