لم تكن القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض تقليديةً في مداولاتها وبيانها ومؤتمرها الصحفي الذي أعقبها. كلمة ولي العهد الافتتاحية كانت مختصرة وفي منتهى الوضوح، وصفت ما يجري في غزة كما هو «إننا أمام كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتبرهن على ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، وتهدد الأمن والاستقرار العالميين، ولذلك فإن الأمر يتطلب منا جميعاً جهداً جماعياً منسقاً للقيام بتحرك فعّال لمواجهة هذا الوضع المؤسف، وندعو إلى العمل معاً لفك الحصار بإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وتأمين المستلزمات الطبية للمرضى والمصابين في غزة».
وقد خلصت كلمة ولي العهد إلى «تحميل سلطات الاحتلال مسؤولية الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني ومقدراته». وأوضحت «أن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة يأتي بإنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامته دولته المستقلة بحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مشدداً على أن ذلك هو ما يضمن استدامة الأمن واستقرار المنطقة ودولها».
والحقيقة، أن كلمات كل القادة الحاضرين كانت على ذلك المنوال، غضبٌ شديد مما يحدث في غزة، وإصرار على كسر الحصار المفروض عليها، وتسمية إسرائيل باسمها الحقيقي «سلطة احتلال»، والتشديد على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية. ولم يكن المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية السعودي وأمين عام الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي أقل صرامةً من كلمات القادة، فقد قال الوزير السعودي، عندما سُئل عن مستقبل السلام: «أي مستقبل نتحدث عنه وغزة تُدمر، يجب وقف الحرب فوراً». لقد كان بيان القمة يمثل أعلى درجات ما يمكن أن تقوم به الدبلوماسية، من حيث تشكيل لجنة فاعلة للتحرك دولياً وبشكل عاجل، ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية استكمال التحقيق ضد الجرائم التي تنتهكها إسرائيل، وإنشاء وحدتي رصد إعلامية لتوثيق الجرائم، وقبل ذلك كله المطالبة بالوقف الفوري للحرب البربرية على غزة.
لقد غيرت إسرائيل معادلة السلام بين عشية وضحاها بوحشيتها وغرورها، وحشدت ضدها مليارات البشر، حتى في الدول الغربية التي تقف حكوماتها مع إسرائيل. الحاجز النفسي مع إسرائيل أصبح عالياً بعد هذه الحرب الغاشمة، وبدأت دول العالم العربي والإسلامي تلوّح بأوراقها القوية أمام المجتمع الدولي؛ كي يتوقف عن الانحياز لإسرائيل وينخرط في عملية جادة لاستعادة الحق الفلسطيني.
("عكاظ") السعودية