يجدر أن نضع كل من المقالتين/الكتابين في سياقهما التاريخي. فقد جاء هذا النقاش، إذا جاز التعبير، بعد انهيار الاتحاد السوڤياتي وتفكّكه حين أعلن الرئيس السوڤياتي الأخير ميخائيل غورباتشيف استقالته في 25 ديسمبر 1991، بعد إعلانه إلغاء مكتب رئيس اتحاد الجمهوريات السوڤياتية وسلّم السلطة للرئيس الروسي بوريس يلتسين. وكان سبق ذلك سقوط جدار برلين في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989، مما عنى حينها نهاية الحرب الباردة، ونهاية صراع القطبين العالميين، وتوحيد ألمانيا المنقسمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى شرقية وغربية.
أطروحة فرنسيس فوكويوما ترى بأن نهاية القطبية هي بمثابة انتصار للغرب وبالتالي انتصار لقيم الليبرالية السياسية والاقتصادية، مسترشدًا بفلسفة التاريخ عند الفيلسوف الألماني جورج فلهلم هيغل (1170-1831) صاحب الفلسفة الجدلية.
أما رد هنتنغتون فيقول باختصار: إنّ تغيرًا طرأ عل العالم. فإذا كان صراع القوميات هو الذي عرفه العالم في القرن العشرين قد انتهى، مما يفسح المجال أمام صراع الثقافات أو الحضارات (ذات البعد الديني). وتعدد الثقافات العالمية إلى: غربية – لاتينية – يابانية – صينية – هندية – إسلامية – أرثوذكسية – أفريقية - بوذية.
استخدام "الإسلام" كسلاح في مواجهة الشيوعية بدأ بعد الحرب العالمية الثانية مع نشوب الحرب الباردة
وإذا كانت الأطروحة قد أثارت انتقادات واسعة وخصوصًا من جانب العرب والمسلمين: إلا أنها جاءت في سياق طويل من التغيّرات العالمية، منها صعود الصين الاقتصادي، والحرب الأفغانية التي استمرت عشر سنوات من 1979، وهو العالم الذي شهد الثورة الإيرانية، إلى عام 1989، الذي انسحبت فيه القوات السوڤياتية من أفغانستان قبيل سقوط جدار برلين في السنة نفسها.
ولا يمكن أن نغفل أن حرب أفغانستان قد دُفعت لتكون حرب الإسلام على الشيوعية. ولا يمكن أن نغفل التسهيلات التي قدّمتها حكومات عربية وإسلامية لوصول الإسلاميين (الأفغان العرب) لمحاربة السوڤيات الشيوعيين في أفغانستان.
لقد شجعت الولايات المتحدة الأميركية الجماعات الإسلامية في أفغانستان (وهي الاستراتيجية التي تنسب إلى زبغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في ولاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر)، وهو الذي هندس هذا التحالف الذي شاركت فيه دول إسلامية وعربية لمحاربة الشيوعية.
"صدام الحضارات" برنامج سياسي لاستبدال العدو السوڤياتي بالعدو الإسلامي
يجدر أن نذكر هنا بأنّ استخدام "الإسلام" كسلاح في مواجهة الشيوعية قد بدأ بعد الحرب العالمية الثانية مع نشوب الحرب الباردة. ففي تركيا تأسس حزب الديمقراطية (جلال بايار، عدنان مندريس) عام 1946، وفاز بالانتخابات البرلمانية عام 1950 واستمر في الحكم عشر سنوات حتى عام 1960، متفوّقًا على حزب الشعب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك مع إعلان الجمهورية التركية عام 1923. وكان عدنان مندريس الاسلامي التوجّه، والذي أيّده الأتراك لإعادة بعض الطقوس الإسلامية التي كانت محظورة، قد أدخل تركيا في حلف الناتو. وشارك في حلف بغداد الذي ضمّ دولًا إسلامية فقط (العراق، تركيا، إيران وباكستان) وقد سقط هذا الحلف بعد الانقلاب على الملكية في العراق في تموز 1958. يُضاف إلى ذلك أنّ حكومة مندريس نشرت الصواريخ الأميركية في الأراضي التركية في مواجهة الاتحاد السوڤياتي.
هذه الوقائع التي نوردها سريعًا تُظهر أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد بدّلت سياستها، من التحالف مع دول إسلامية، واستخدام الإسلام في مواجهة الاتحاد السوڤياتي في زمن الحرب الباردة، إلى استخدام الإسلام كعدو بعد سقوط الاتحاد السوڤياتي وزوال "الخطر" الشيوعي ليصبح الإسلام بنظرها هو الذي يهدّد الديمقراطية والغرب وهو الذي يحتضن الإرهاب.
وقد أتت (نظرية) صدام الحضارات في هذا السياق، لهذا رأى ويرى العديد من الباحثين أن صدام الحضارات ليس قراءة سياسية ولكنه برنامج سياسي لاستبدال العدو السوڤياتي بالعدو الإسلامي.
(خاص "عروبة 22")