سلام نسبي أم حرب باردة جديدة؟

تعلق عديد الأطراف أهمية بالغة على اللقاء المنتظر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الجمعة المقبل في ولاية ألاسكا الأمريكية، ويبدو أن هذا اللقاء لن يحضره أي طرف آخر. وتضغط أطراف أوروبية عدة من أن يكون الأوكرانيون طرفاً في هذا اللقاء، غير أن الرئيس الروسي اعتبر أن الظروف الحالية غير ناضجة لذلك. ويتجه الرأي إلى أن لقاء ترامب وبوتين سيكون متعدد المحاور، وأن الحرب الروسية الأوكرانية، على أهميتها قد لا تكون محور اللقاء الرئيسي.

ويولي كل من الرئيسين الأمريكي والروسي اهتماماً خاصاً لمستقبل العلاقات البينية ويعتقدان أنها تكتسي أبعاداً استراتيجية، رغم اختلاف خلفيات ومقاصد الطرفين. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن العلاقة مع روسيا ضرورية لمستقبل نزاعها متعدد الأوجه مع الصين، فإن الجانب الروسي يرى في هذا اللقاء المنتظر مناسبة جدية للعودة على الساحة الدولية كقوة عظمى مؤثرة في مجمل القضايا والأحداث في العالم، دون أن يؤثر ذلك على العلاقة المتينة مع الصين، والثابت أن الطرفين على اقتناع تام بأن العائدات الاقتصادية لتحسّن العلاقة بين الدولتين كبيرة ومغرية.

ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعي تماماً خلفيات ومقاصد وحاجيات نظيره الأمريكي من هذا اللقاء، ما حمله على الرفع من سقف طلباته سواء تعلق الأمر بالمسألة الأوكرانية أم بجملة القضايا الأخرى. ويتبين من خلال التسريبات والتصريحات الصحافية أن الحرب الروسية الأوكرانية تتجه بعد لقاء ترامب وبوتين إلى سلام نسبي، ومحتوى هذا السلام هو وقف إطلاق النار وتبادل للأراضي والبدء بمفاوضات سلام للقضاء على الأسباب العميقة للنزاع، ومن ذلك حيادية أوكرانيا والعلاقة مع حلف الناتو وخفض مستوى التسلح الأوكراني، ما سيجعل من هذا السلام النسبي شكلاً من أشكال الحرب الباردة..

وهو سلام يرى فيه الملاحظون فرض أمر واقع على الجانب الأوكراني، ما حمل الرئيس الأوكراني وكذلك أطراف أوروبية عدة على رفضه مسبقاً. ويلقي النزاع الروسي الأوكراني بظلاله على المشهد الدولي رغم اختلاف التعاطي معه، وفي حين تدفع أطراف أوروبية عدة إلى دعم وتسليح أوكرانيا لسد الطريق أمام نصر روسي متوقع وهو ما يؤجج وتيرة الحرب ويهدد بتوسيعها، تؤكد الصين وأطراف دولية أخرى على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري والبدء في مفاوضات سلام.

وتصر روسيا التي تحرز تقدماً ميدانياً كبيراً، في مقابل ذلك على وضع شروط مسبقة لوقف إطلاق النار ومنها وقف تسليح أوكرانيا ورفع العقوبات الاقتصادية ضدها والقبول بمبدأ تبادل الأراضي، وهي شروط لا يعارضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يضغط بقوة على رئيس أوكرانيا من أجل القبول. وإن حتمية حل الأزمة الروسية الأوكرانية بأي شكل من الأشكال هي مقدمة أساسية لكل من ترامب وبوتين من أجل توسيع نطاق العلاقات بينهما لتشمل قضايا أخرى، وربما لوضع استراتيجية مشتركة وضرورية بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي يسعى إلى تركيز وتكثيف الأوراق الرابحة بين يديه تمهيداً لحربه المستقبلية مع الصين.

ويعتمد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على منطق القوة متعددة الأبعاد الاقتصادية والسياسية والعسكرية، من أجل فرض واقع جديد في العلاقات الدولية تكون فيه الأولوية المطلقة لمصالح بلاده العليا، وهو ما يهدد بالفعل مكاسب المنظومة القانونية والمؤسساتية لما بعد الحرب العالمية الثانية. وإذ تعارض أوروبا وبريطانيا وكندا وحتى الصين بشدة السلوكيات الجديدة للإدارة الأمريكية، فإن الرئيس الروسي يساير هذا التوجه الأمريكي دون التورط في الانخراط فيه واعتماده سياسة مطلقة في كل المسائل والقضايا، وهو ما يفسر التباين في المواقف من قضية فلسطين وحرب التعريفات الجمركية.

وتسعى الأطراف الدولية الرافضة لمنطق الاستفراد الروسي الأمريكي بمجمل القضايا الدولية والإقليمية إلى منع أن تكون اتفاقات ألاسكا بين ترامب وبوتين إعادة إنتاج لاتفاقية يالطا في فبراير 1945 بين الاتحاد السوفييتي وبريطانيا، والتي خرج منها جوزيف ستالين أكبر المستفيدين. وإذا كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإمكانه تحقيق اختراق مهم خلال لقائه مع ترامب، فإنه من الصعب على الرئيس الأمريكي التوصل إلى إنجاز كبير يخول له تحويل مسار التاريخ الذي أنهى إلى أجل غير مسمى حقبة إمبراطورية القطب الأمريكي الواحد.

(البيان الإماراتية)

يتم التصفح الآن