لقد تمّ إنفاق ما يزيد عن 0,2 في المئة من الناتج المحلي الإسرائيلي للتّرويج للإعلام الإسرائيلي ولكذب نتنياهو وهو يصطنع معاينته لفتيان وفتيات مقيّدين، وقد أصيبوا برصاص في الرّأس، وحرق رجال ونساء أحياء واغتصاب شابات ثمّ ذبحهن. هي الحكاية نفسها التّي ردّدتها قناة 12 وقد أضافت إليها مُراسِلتها نيكول زيديك أنّ "حماس" قطعت رؤوس رضّع في مستوطنة كفار عزا.
الإعلام الغربي وظّف إمكانات مالية غير مسبوقة لترسيخ صورة إسرائيل "الضحيّة" مقابل تصنيع صورة مشوّهة لـ"حماس"
إنّ ما يحدث في غزّة يثبت أنّ القيّم التّي يبشّر بها الغرب مجرّد ذرائع وحيل لخدمة المصلحة والسيطرة على العالم من مدخل القوانين والاتفاقيات الدّولية، وأنّ التّكنولوجيا ليست محايدة بقدر ما هي وسيلة إيديولوجية تجعل من خوارزمياتها فضاءً لتدجين العالم وتزويده بكلّ وعي زائف عبر خلق مضامين مغشوشة ومموّهة للواقع.
كشفت مؤسّسة الصحافة والإعلام بموسكو أنّ الإعلام الغربي قد وظّف هذه المرّة إمكانات مالية غير مسبوقة لترسيخ صورة إسرائيل بوصفها الضحيّة مقابل تصنيع صورة مشوّهة لـ"حماس" تحمل كل سيمياء الإرهاب والتوحّش. ولم يخفِ هذا الإعلام سياسته في محاولة ترسيم فجوة ثقافية بين العرب والغرب، أخذت دلالة معرفية أطّرت الرأي العام الغربي في مقابل تبلور وعي جديد بمسألة فلسطين، خاصة لدى الجيل الجديد من العرب.
في سياق هذه الفجوة تأجّجت عاطفتان متناقضتان. الأولى مرتبطة بعمى التعصّب العرقي والديني لليهود، وجعل الخطاب الإعلامي الغربي عقديًا طامسًا للحقيقة وساعيًا إلى التزوير لبناء صورة نمطية مشوّهة عن فلسطين والعرب. لذلك تمّ الاشتغال على أسلوب جديد في البروباغندا لأسماء وصور رهائن "حماس" تتداخل فيه المظلومية بتقنيات خبيثة في الإخراج والتّسويق الإعلامي، وتتكرّر فيه موضوعة "العمليات العسكرية ضدّ الإرهاب". في حين تمّ التّعتيم على جرائم قتل أكثر من 12 ألفًا من الفلسطينيين، بينهم 5000 طفل وأكثر من 3000 امرأة.
منصّات التواصل الاجتماعي المتنوّرة استطاعت نسف المشروع الإعلامي الغربي
أمّا الثّانية، فهي مرتبطة بإظهار الحقيقة والكشف الموضوعي عن الوجه الخفيّ للكيان الصّهيوني. استطاعت هذه العاطفة أن تستفيد من خطأ الإعلام الغربي، باستغلال شبكات التواصل الإعلامي ونشر صور المجازر المرتكبة في المستشفيات بخاصة، ممّا جعلها تسائل الضمير الإنساني في العالم وتسبّب أزمة عميقة، ولأول مرّة في تاريخ علاقة الإعلام بالأفراد، في معايير الحرفية المهنية وضوابط أخلاقيات المهنة في الغرب. لأنّ هذه الصوّر استطاعت أن تحقّق تحشيدًا ولفت الانتباه إلى بهتان إسرائيل، فنشأ معها تأثير جديد في الرأي العام الدولي وحدوث وعي مختلف رافقه تغيير في القناعات أسفر عن تظاهر آلاف البريطانيين في شوارع لندن وآلاف الإمريكيين في مدن أمريكية وأمام البيت الأبيض.
لقد استطاعت منصّات التواصل الاجتماعي المتنوّرة نسف المشروع الإعلامي الغربي الذي ظلّ تقليديًا في مقاربته لكيفيات التّضليل. فبالرّغم من أنّ السّردية الصّهيونية قد نجحت في إقناع مغشوش للعالم في حربها على غزّة، خلال الأسبوع الأوّل، فإنّ المنصّات العربية وعلى رأسها إعلام "حماس"، قد قلبت الموازين وكشفت بالملموس الوجه الإجرامي لإسرائيل وحلفائها.
(خاص "عروبة 22")