صحافة

هدنة غزّة بين الربح والخسارة

طلعت إسماعيل

المشاركة
هدنة غزّة بين الربح والخسارة

الخوف من «ربح المعركة وخسارة الحرب» مع الفلسطينيين في قطاع غزة، بات يسيطر الآن، بشكل أكبر، على الإسرائيليين وحلفائهم الأمريكيين والأوروبيين، خاصة بعد الهدنة التي جرى توقيعها مع حماس لإطلاق سراح عدد من المحتجزين المدنيين لدى الحركة مقابل الإفراج عن عدد من الأسيرات والقصر الفلسطينيين المحبوسين في السجون الإسرائيلية.

تعلم إسرائيل أن الدمار الذي ألحقته بمدن وبلدات غزة، وقتل الأطفال واقتحام المستشفيات واختطاف جثث الشهداء لا يعني أبدا أنها ربحت الحرب، فتحقيق هدفها الأهم وهو محو حماس من الوجود بات أكثر صعوبة بعد أن رضخ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعصابته من اليمين المتطرف في صفقة مبادلة المحتجزين والأسرى، وهو رضوخ كاشف حتى ولو عادت إسرائيل لسيرتها الأولى في القتل والتدمير بعد انتهاء الهدنة.

حلفاء إسرائيل الذين فشلوا في تحالفهم ضد روسيا حتى الآن، ولم يلحقوا بالقوات الروسية الهزيمة الحاسمة كما تأملوا مع بدء الحرب الأوكرانية قبل نحو عامين، ربما يصيبهم الإحباط أيضا من عدم استطاعة القوات الإسرائيلية الوصول لأهدافها بتحرير المحتجزين بالقوة، وليس عبر التفاوض والهدن، فيما لا تزال حماس تقف في الميدان، وتلحق الأذى بالمزيد من جنود جيش لا يبرع إلا في سفك دماء الأطفال والمسنين.

منح الأمريكيون والأوروبيون ربيبتهم المدللة، تل أبيب، 48 يوما لتدمر قطاع غزة بشرا وحجرا وشجرا، وغض القادة الغربيون الطرف لأسابيع عن عمليات القتل الوحشية للفلسطينيين وخاصة الأطفال، وهم يرددون «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها» عقب هجوم 7 أكتوبر، قبل أن يؤدي اتساع الاحتجاجات والتظاهرات من أصحاب الضمائر من شعوب الغرب ضد ما يجري من مذابح ومجازر وإبادة جماعية في غزة، إلى تغيير اللهجة الرسمية قليلا.

يجلس القادة الغربيون في الغرف المغلقة، بمشاركة إسرائيلية للبحث عن «اليوم التالي» لما بعد حماس في غزة، وهو عنوان بات الأكثر تداولا في الصحافة الغربية وحتى الإسرائيلية، فهناك من يدعو إلى عودة سلطة رام الله إلى القطاع، مع بعض الوعود بتقديم مساعدات مالية لإعادة إعمار ما دمرته القنابل والصواريخ الإسرائيلية، وهناك من يتحدث عن إدارة دولية، ورأي ثالث يكرر الكلام القديم عن ضرورة العودة إلى مسار حل الدولتين.

لكن بعض الأصوات الإسرائيلية الأكثر تطرفا لا تكف عن المطالبة بتهجير الفلسطينيين وتفريق أعدادهم بين الدول، وهو رأي وجد مساندة في بعض الدوائر الغربية، لكنه قوبل برفض عربى قاطع، وخاصة من مصر التي رأت في أي حديث عن تهجير الفلسطينيين سواء في سيناء أو غيرها تصفية غير مقبولة للقضية الفلسطينية، واعتبرت الأمر تهديدا للأمن القومي المصري، وهو ما أفشل هذا المخطط حتى اللحظة الراهنة.

وبحسب بعض الآراء والتحليلات التي راجت في الصحف الغربية خلال الأيام القليلة التي سبقت الهدنة بين إسرائيل وحماس، وانهماك العديد من الأطراف في صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، فإن العواصم الغربية الكبرى إذا كانت مقتنعة أن ربح الحرب لن يتحقق إلا بهزيمة حماس عسكريا، فإنها تعلم إن تلك الحركة «فكرة أيديولوجية» يصعب القضاء عليها بالقوة العسكرية، وهو ما يصعب المهمة على الساعين إلى التخلص من حماس.

فرضت حماس وجودها بقوة عقب هجوم 7 أكتوبر وأكدت وجودها بالهدنة بعد أن أعادت القضية الفلسطينية إلى طاولة الأعداء قبل الأصدقاء، ولأولئك الذين ظنوا أنها دفنت، وذهبت إلى غير رجعة، وبالتالي التخلص من الحركة لن يكون برسم الخرائط ووضع التصورات النظرية، فقد أثبتت حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية أن معادلة القوة لا تكون بحجم التدمير ولهيب النيران، ولكن بفرض الإرادات عند الحديث عن الربح والخسارة.

سيناريو القضاء على حماس نهائيا أو تهجير فلسطينيي غزة، يصعب تمريره، ناهيك عن أن القضية الفلسطينية لن تنتهي، وستبقى المعضلة الحقيقية أمام الاستقرار في الشرق الأوسط، حتى يحصل الفلسطينيون على كامل حقوقهم بإقامة دولتهم كاملة السيادة فوق ترابهم الوطني.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن