اقتصاد ومال

الحرب على غزّة... كيف تأثّرت إقتصادات دول الجوار والعالم؟

بيروت - حنان حمدان

المشاركة

بعد تسعة وأربعين يومًا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، دخلت هدنة مؤقتة حيّز التنفّيذ يوم الجمعة الماضي، لتبدأ التقديرات والتحليلات تترصد تبعات هذه الحرب وآثارها الاقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي، قبل أن تعود آلة الحرب الإسرائيلية لاستئناف العدوان على القطاع صبيحة اليوم الجمعة، واضعةً العالم ودول الجوار على حافة أتون انفجار إقليمي لن تقتصر شظاياه على الساحة الأمنية إنما ستتسع رقعة تداعياته لتشمل اقتصادات المنطقة والعالم.

الحرب على غزّة... كيف تأثّرت إقتصادات دول الجوار والعالم؟

منذ اليوم الأوّل للعدوان، والدول المجاورة لفلسطين المحتلّة، أيّ مصر والأردن ولبنان، تعيش تبعات هذه الحرب إقتصاديًا كما تعيش تبعاتها النفسية والإنسانية والإجتماعية والأمنية. وكذلك فإن لهذه الحرب تداعياتها على الاقتصاد العالميّ الذي لم يتعافَ بعد من تداعيات أزمتي جائحة كوفيد- 19 والحرب الروسية الأوكرانية.

في هذا التقرير، نحاول عرض الآثار الأولية لهذه الحرب على إقتصادات دول الجوار والعالم، حيث تتباين آراء الخبراء بشأن مدى تأثير هذه الحرب في كل مصر والأردن ولبنان، فبينما يفضّل البعض منهم التريّث في حصر تأثيرات الحرب وتبعاتها الاقتصادية على اعتبار أنّ التنبؤ بتفاصيل وأرقام دقيقة أمر غير ممكن في هذه المرحلة، يتفّق الجميع، وفق المؤشرات الأخيرة، على أنّ للأحداث الأخيرة تداعيات اقتصادية ظاهرة وملموسة وستكون خطيرة وكارثية في حال استمر العدوان لفترات أطول واتسعت رقعته على نطاق جغرافي أكبر.

منذ اليوم الأوّل للحرب، بدا واضحًا، الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذه الحرب على اقتصادات الدول المذكورة، التي تعيش في الأصل أزمات إقتصاديّة ونقدية حادة ومستويات مرتفعة من الديون وزيادة في تكاليف الإقتراض. وما يمكن ملاحظته سريعًا في دول الجوار حتى الآن، تراجع الطلب على السلع والخدمات، خصوصًا مع حملة مقاطعة العلامات التجارية العالمية في الأسواق العربية، كالمطاعم والسلع الغذائية الموجودة في التعاونيات. وتأثر القطاع السياحي بشكل كبير باعتبار هذه الدول وجهة سياحية غير آمنة في الفترة الراهنة، لا سيما في ظلّ انهيار الهدنة الإنسانية وتجدد العدوان على غزة، إضافةً إلى تأثر قطاعات أخرى، مثل قطاع الطيران وحركة الإستيراد والتصدير وهروب رؤوس الأموال وغيرها الكثير.

ووفق تقرير صادر عن وكالة "ستاندر آند بورز" نشرته نهاية الشهر الماضي، فإنّ الدول الثلاث المذكورة قد تخسر بين 10 و70 في المئة من عائدات السياحة، في حال استمرت الحرب على غزّة أو اتسعت رقعتها.

وفي التفاصيل، فقد أرخت الحرب على غزّة بظلالها على الإقتصاد المصري المنهك منذ أعوام. وراهنًا، تأثر قطاع الطيران بعد توقف الرحلات إلى إسرائيل، إذ تنظم شركة "مصر للطيران" الرسمية رحلة يومية بين مطاري القاهرة الدولي وبن غوريون. وقطاعات أخرى، مثل الكهرباء بسبب انخفاض واردات الغاز من إسرائيل، وارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، كما بدأ الحديث عن تأثيرات أدت إلى تراجع أو تجميد بعض المشاريع والإستثمارات.  

كذلك، قدّر خبراء انخفاض نسبة السياح بحوالى 30 في المئة تقريبًا خلال الفترة الراهنة، من إسرائيليين وجنسيات أخرى، علمًا أن إيرادات مصر السياحية ارتفعت خلال العام المالي 2023-2022، بنسبة 26.8 في المئة على أساس سنوي. وتشير الأرقام إلى أن عدد السيّاح الإسرائيليين الوافدين إلى مصر نهاية عام 2022 بلغ نحو 735 ألف سائح يدخل غالبيتهم عبر معبر طابا البري وفق "بي بي سي" البريطانية، فيما استقبلت مصر، خلال النصف الأوّل من عام 2023، أكثر من 7 ملايين سائح في أعلى معدل سجلته خلال هذه الفترة و كان متوقعًا أن تستقبل 15 مليون سائح مع نهاية العام الحالي. بينما ألغيت راهنًا الكثير من الحجوزات الفندقية في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين في سيناء على شاطئ البحر الأحمر. 

هذا الواقع، حمل صندوق النقد الدولي للحديث عن احتمالية زيادة قروضه للقاهرة لأكثر من 5 مليارات دولار ضمن خطة إنقاذ مصر، في ظل الحديث عن دعم دولي وأوروبي (منحة أوروبية) بحوالى 9 مليارات يورو لمصر، قد تكون مشروطة ببعض الصفقات.

على مقلب آخر، تراجعت حركة الصادرات والواردات بين مصر وإسرائيل، فالجانبين كانا يسعيان لوصول حجم التجارة السنوية (باستثناء صادرات السياحة والغاز الطبيعي) إلى نحو 700 مليون دولار بحلول عام 2025، ارتفاعا من نحو 300 مليون دولار في عام 2021.

كما أدى توقّف مرور عدد من السفن عبر قناة السويس، إلى تراجع إيرادات الحكومة المصرية، إذ أعلنت شركة الشحن البحري الإسرائيلية "زيم" تحويل مسار سفنها عن القناة بسبب الأوضاع في بحر العرب والبحر الاحمر جراء إستيلاء الحوثيين على سفينة إسرائيلية وتعرض أخرى لهجوم بطائرة مسيّرة في المحيط الهندي. علمًا أنّ خبراء اقتصاد مصريين أكدوا أن تغيير المسار عن قناة السويس يعني تأخير في وصول الشحنات إلى إسرائيل وبالتالي خسائر مضافة.

وقد ارتفع الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام الحالي، بزيادة قدرها 1.5 في المئة (أو ما يعادل 2.43 مليار دولار) مقارنًة بالربع الأخير من عام 2022 عندما سجّل 162.928 مليار دولار، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية المستندة لإحصاءات البنك المركزي المصري.

ولا يختلف الحال في الأردن، فقد كان للحرب ارتداداتها السلبية عليه، بعد تراجع الإقبال السياحي وانخفاض حركة التجارة والاستثمار. وبحسب معلومات وتصريحات إعلامية، ألغت مجموعات سياحية كثيرة رحلاتها التي كانت مقررة إلى الأردن، كما انعكست تداعيات الحرب في غزّة أيضًا على حركة التجارة ونقل الأفراد بين الأردن ومناطق السلطة الفلسطينية، حيث إن الأردن يشكّل المنفذ الوحيد للفلسطينيين وكذلك للاستيراد والتصدير معهم.

أما في لبنان، فالحال مختلف قليلًا عن مصر والأردن، كون لبنان دخل حربًا غير معلنة منذ اللحظة الأولى لبدء العدوان على غزّة، وعاش اللبنانيون، إضافة إلى التبعات الإقتصاديّة، أحداثًا أمنية على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ولا تزال هذه الحرب مفتوحة على كل الإحتمالات، بعدما طال القصف العمق اللبناني وخرق قواعد الإشتباك المرسومة بين الطرفين منذ حرب 2006.  

وبينما يعيش لبنان منذ أربع سنوات تبعات أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية في تاريخه الحديث، أتت الحرب على حدوده لتفاقم هذه الأزمة، حيث أقفلت غالبية المحال التجارية على الحدود اللبنانية، وشهدت السوق اللبنانية تراجعًا ملحوظًا في حركة البيع والشراء، وتسببت الأحداث بإلغاء حجوزات السفر إلى لبنان كما حجوزات الفنادق، حتى تلك التي كانت مبرمجة لفترة أعياد الميلاد ورأس والسنة، ما خسّر البلد وقطاعاته حركة أموال بالعملة الصعبة كانت بصدد منح جرعة أوكسيجين لاقتصاده وأسواقه، فضلًا عن الكثير من التحويلات والإستثمارات التي جُمّدت في الوقت الراهن تحت وطأة الخشية من تداعيات الحرب.   

ومن حيث تقييم التأثير الفعلي لما يحدث في الشرق الأوسط، فيوضح الخبراء أنّ الصراع المحتدم في المنطقة خلق بيئة غير مؤاتية للإستثمار، من شأنه أن يؤدي إلى التضخم. ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي الصادرة في 12 أكتوبر/تشرين الأوّل، يُتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في المنطقة العربية إلى 1.8 في المئة لهذا العام، منخفضًا من 5.6 في المئة العام الماضي.

التداعيات الاقتصادية العالمية:

كذلك، أتت الحرب وتكاليفها المرتفعة في وقت يعاني فيه العالم من ظروف في غاية الصعوبة، بحيث تشهد حركة التجارة العالمية تباطؤًا كبيرًا، لا سيّما في المناطق التي تكون معرّضة لحدوث خلل أمني، وهذا ما شهدناه في هجمات "الحوثيين" التي هدّدت خط الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر.

وبالتالي، ارتفعت أسعار الطاقة، وارتفع سعر برميل النفط مع مخاوف من تجاوزه مستوى 100 دولار للبرميل، ما أثر بشكل كبير على الدول التي تعتمد بشكل أساس على البترول في صناعاتها.

وزادت المخاوف من:

• ارتفاع التضخم والبطالة، وتباطؤ النمو الاقتصادي.

• نقص الطاقة أو المعروض المحتمل من النفط بحيث برزت مخاوف من أن يتم قطع مسارات النقل لموارد الطاقة وانخفاض انتاج الطاقة في مناطق رئيسية.

• تبعات ارتفاع أسعار الطاقة على الاقتصادات الأوروبية.

• انخفاض ونقص الطلب على السلع نتيجة ارتفاع معدلات البطالة.

وبعد انهيار الهدنة واستئناف الحرب الإسرائيلية المدمّرة على قطاع غزّة، تتجه الأنظار إلى مسار ومصير الجهود الحثيثة التي يبذلها الوسطاء للتوصل إلى اتفاق جديد للهدنة وتبادل الأسرى، تمهيدًا لتثبيت وقف دائم لإطلاق النار هذه المرة يلجم تداعيات المؤشرات الاقتصادية السلبية لهذه الحرب على دول المنطقة والعالم.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن