اقتصاد ومال

أساسيات إطلاق الاتحاد الجمركي العربي: خطوة أولى نحو التكامل

من المعلوم أنّ المرحلة الثانية من التكامل الاقتصادي التي تلي منطقة التجارة الحرة هي الاتحاد الجمركي. ببساطة، لا يختلف الاتحاد الجمركي عن المنطقة الحرّة إلا لناحية وجود تعرفة خارجية موحّدة أو تعرفة جمركية أمام بقية العالم. بالنسبة للعالم العربي، وبعد تأسيس المنطقة التجارية الحرّة في العام 1998، تم الإعلان عام 2009 عن أنّ الاتحاد الجمركي العربي سيكون بمثابة خطة التكامل التالية الأوسع نطاقًا. وقد حُدّد العام 2015 موعدًا لبلورة ذلك، ولكن لم تُتخذ أيّ خطوة في هذا السياق ولم تتحقق أي نتائج ملموسة، حتى هذه اللحظة.

أساسيات إطلاق الاتحاد الجمركي العربي: خطوة أولى نحو التكامل

السؤال الأساسي، لماذا يُعتبر تأسيس اتحاد جمركي عربي أمرًا محبّذًا؟ يوجد ثلاث إيجابيات لذلك:

1- تحسين الوصول إلى السوق وتوسيع التجارة البينية الإقليمية

2- توليد المزيد من وفورات الحجم

3- تخفيض التكاليف التجارية وتحسين التنافسية، واعتباره شرطًا مسبقًا لاتحاد اقتصادي محتمل.

ولكن هذه الايجابيات لا تنفي وجود سلبيات للاتحاد الجمركي تتلخص بالأمور التالية:

- يتطلّب تنسيقًا أكثر وفقدانًا أكبر للاستقلال الذاتي مقارنةً بمنطقة التجارة الحرّة

- يمكن أن يولّد مَواطن ضعف في حال تم تحويل التجارة بعيدًا عن المنتج الأكثر تنافسية خارج الاتحاد

- وقد يؤدي إلى انخفاض في إيرادات التعرفة الجمركية التي تُعتبر جوهرية في العالم العربي (أكثر من 20% من إيرادات الضرائب).

وجود اتحاد جمركي عربي ناجح بمثابة حجر الأساس نحو تعزيز التكامل الاقتصادي العربي

وأمام الدول العربية طرق عدة بوسعها اتباعها لتسهيل تأسيس اتحاد جمركي وللتخفيف من حدة السلبيات التي قد تنتج عن إنشائه. الطريقة الأولى والأهم هي تحسين منطقة التجارة الحرة العربية. وبشكل عام وموجز، معروف أنّ التنفيذ الناجح لمنطقة التجارة الحرّة العربية يتطلّب تبسيط التدابير غير الجمركية، وتصميم قواعد منشأ مرنة، وتعزيز التجارة في الخدمات، ومواءمة سياسة تيسير التجارة.

ولنجاح الاتحاد الجمركي مكوّن أساسي، هو الاعتراف بين الأعضاء بأن الأشكال الأسمى من التكامل تفرض فقدان السيادة الاقتصادية الوطنية في سبيل الاتحاد. ومن الناحية التقنية، يتطلّب التقدّم نحو تحقيق هذا الهدف التعامل مع الاتفاقيات التجارية المتداخلة، ووضع تعرفات خارجية منخفضة بشكل مدروس، وتوحيد البنود والإجراءات الجمركية الوطنية، واعتماد سياسة تنافس واستثمار مشتركة.

أما عن الفوائد المتوقع أن تنتج عن تشكيل الاتحاد الجمركي العربي، في حال تحقيق ما تم ذكره أعلاه بشكل صائب، فتشير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في تقديراتها الأولية لتأثير الاتحاد الجمركي على مدى 10 سنوات إلى النتائج السنوية التقريبية التالية(1): زيادة الصادرات داخل المنطقة 3%، ارتفاع الواردات داخل المنطقة 4%، زيادة الناتج المحلي الإجمالي 0.1%، انخفاض معدّل البطالة بنسبة 2% كحد أقصى، وتراجع الإيرادات التعريفية 6%.

مكاسب التكامل التجاري تُحصد مبكرًا مع اتفاقية التجارة الحرّة

كما هو ملاحظ، لا تشكّل النتائج الأولية للاتحاد الجمركي العربي المحتمل أمرًا باهرًا، وهذا يرجع بشكل جزئي إلى أنّ فوائد جمّة قد تم إدراجها ضمن منطقة التجارة الحرّة، على افتراض تطبيقها بشكل صحيح. ولكن الجيّد في وجود اتحاد جمركي عربي ناجح هو أنه يعزّز التنسيق والقدرات المؤسسية العربية، بالإضافة إلى أنه بمثابة حجر الأساس نحو تعزيز التكامل الاقتصادي العربي.

يبقى الأهم أنّ مكاسب التكامل التجاري تُحصد مبكرًا مع اتفاقية التجارة الحرّة، وهذا يدل على ضرورة توحيد الدول العربية لجهودها بغية تحقيق اتفاقيات التجارة الحرّة بالكامل - على النحو المبيّن أعلاه – قبل، أو بالتزامن مع، إطلاق اتحادها الجمركي.

التكامل التجاري الناجح هو الخطوة الأولى والأهم على طريق التكامل الاقتصادي الناجح.


(1) Assessing Arab Economic Integration: Towards the Arab Customs Union, January 2015

النتائج مبنية على اعتماد اتحاد جمركي عربي يفترض أن الاتفاقيات التجارية الحرّة الموقعة من قبل بعض الدول العربية مُوسَعة إلى دول عربية أخرى لضمان خفض التعريفات الخارجية الإجمالية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن