ما ارتكبته إسرائيل في هذه الأيام، وما زالت ترتكبه، فاق وحشية جرائم النكبة عام 1948، إذ نفذت وتنفذ بالتوازي 3 جرائم حرب كبرى وهي العقوبات الجماعية، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية. وأدى ذلك إلى استشهاد ما يزيد عن 27 ألف شهيد إذا حسبنا من هُم ما زالوا تحت الأنقاض، وبينهم ما لا يقل عن أحد عشر ألف طفل، وإلى جرح أكثر من ثلاثة وخمسين ألفًا، جزء كبير منهم معرّض للشهادة، بسبب خطورة جراحهم، وعدم توفر العناية الطبية اللازمة نتيجة الحصار الإسرائيلي.
لو نجح الاحتلال في تنفيذ التطهير العرقي الكامل لقطاع غزّة سينتقل لتنفيذه في الضفة الغربية
من أهم ما أكده العدوان الإسرائيلي:
1 - أنّ التهجير والتطهير العرقي، هو السياسة الرسمية لإسرائيل في إطار استمرارها في مشروع الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الذي أُنشئت على أساسه وكنتيجة له في عام 1948، وتواصل تنفيذه اليوم عبر الاستيطان وتوسيع الاحتلال الكامل ليشمل قطاع غزّة.
2 - أنّ إسرائيل ترفض أي حل وسط مع الفلسطينيين ولا تقبل بما يُسمى "حل الدولتين" وتعتبر كل فلسطين التاريخية أرضًا لليهود، وحق تقرير المصير فيها محصور باليهود فقط.
3 - أنّ "عملية السلام"، و"اتفاق أوسلو"، من وجهة النظر الإسرائيلية كانت وسيلة لكسب الوقت لاستكمال مشروع الاستيطان والتهويد للضفة الغربية.
4 - لو نجح الاحتلال في تنفيذ التطهير العرقي الكامل لقطاع غزّة سينتقل لتنفيذه في الضفة الغربية، وسيحاول افتعال مواجهات واسعة مع الفلسطينيين لتبرير ذلك.
5 - ما حدث في 7 أكتوبر لم يأتِ من فراغ، بل من خلفية التطهير العرقي طوال 75 عامًا، واحتلال عمره 56 عامًا ومنظومة أبارتهايد وتمييز عنصري، ورد الفعل الإسرائيلي لم يكن وليد الحدث، بل كان تنفيذًا لمخطط مسبق.
6 - أعادت معركة غزة شحن أجيال فلسطينية بكاملها بالوعي السياسي والروح النضالية الكفاحية، وشحنت جيلًا عالميًا كاملًا من الشباب بالوعي بالقضية الفلسطينية والانضواء في حركات التضامن معها بصورة لا مثيل لها منذ حركة التضامن مع شعب جنوب أفريقيا ضد نظام الأبارتهايد، وشمل ذلك جيلًا كاملًا من الشباب الأمريكي وجزءًا من اليهود الأمريكيين.
مشروع السلطة الفلسطينية المُسمّى "نهج أوسلو" فشل فشلًا ذريعًا لأنه بُني على مفهوم استراتيجي خاطئ
7 - أن البنيان السياسي الفلسطيني بحاجة إلى إصلاح جذري وشامل بعد أن فقدت السلطة الفلسطينية المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية التأييد الجماهيري لسلبيّتها وتقصيرها خلال العدوان على قطاع غزّة، ويمثّل ضعفها خطرًا على مستقبل القضية الفلسطينية، لهشاشة قدرتها على مقاومة الضغوط الخارجية ومحاولات أطراف خارجية بقيادة الولايات المتحدة فرض الإملاءات عليها في ما يُسمّى ترتيبات "اليوم الثاني" في غزّة. وذلك كلّه يؤكد ضرورة التوحّد لرفض الوصاية الخارجية على الشعب الفلسطيني، أو مصادرة حقه في تمثيل نفسه، أو المس بحقه وحده في اختيار قياداته عبر الانتخابات الديمقراطية الحرّة.
8- أنّ مشروع السلطة الفلسطينية المُسمّى "نهج أوسلو" و"اتفاق أوسلو" فشل فشلًا ذريعًا، لأنه بُني على مفهوم استراتيجي خاطئ، بأنّ إسرائيل تقبل حلًا وسطًا، وبأنّ الولايات المتحدة تستطيع أن تكون وسيطًا للسلام.
9 - فشل التطبيع الإسرائيلي العربي في تهميش وتصفية القضية الفلسطينية.
10- باستثناءات قليلة لم يستطع العالم العربي والإسلامي القيام بالدور المطلوب منه، وأظهر عجزًا مريعًا، ولم يستطع أن يتحدى إسرائيل ولو بإرسال قافلة إنسانية لاختراق العقوبات الجماعية المفروضة على الشعب الفلسطيني، ولذلك أثار استراتيجية خطيرة لظهور هذه الدول عاجزة عن الدفاع عن مصالحها.
يواجه القادة الفلسطينيون أكبر تحدٍ في تاريخهم حول كيفية تحويل صمود وتضحيات شعبهم إلى انتصار سياسي
وفي الخلاصة أصبح واضحًا، أنّ السلام لن يسود في هذه المنطقة دون تخلي إسرائيل عن طابعها الاستعماري الاستيطاني الإحلالي واعترافها بحقوق الشعب الفلسطيني الكاملة، بما في ذلك حق عودة اللاجئين القدامى والجدد إلى ديارهم التي هُجّروا منها. وأنّ أحدًا لا يملك، ولن يملك، حق فرض الإملاءات على الشعب الفلسطيني أو من يدير شؤونه. الشعب الفلسطيني هو وحده الذي يملك حق اختيار قيادته بالوسائل الديمقراطية.
بعد حوالى ثمانين يومًا من العدوان، تتخبّط إسرائيل في وحل فشل إستراتيجي كبير، ويواجه القادة الفلسطينيون أكبر تحدٍ في تاريخهم حول كيفية استثمار صمود وتضحيات شعبهم الغالية وتحويلها إلى انتصار سياسي.
(خاص "عروبة 22")