"نحن زرعنا الأرض.. نحن حصدنا القمح.. ونحن قطفنا الليمون، وعصرنا الزيتون، وكل العالم يعرف أرضنا"، لا تزال تلك الكلمات تجوب العالم بحسّ حماسي لا يُفرّق بين الجنسيات ولا اللهجات رغم مرور ما يقرب من شهرين على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة.
كلمات تُنشد لحياة فلسطين وسقوط الصهيونية، تشير إلى أنه على الرغم من أن لا صوت يعلو فوق صوت القصف الإسرائيلي الغاشم، إلا أنّ الشعوب لم تعدم وسائلها للحشد المعنوي من أجل نصرة القضية الفلسطينية التي صارت قضية أحرار العالم.
الكلمات السابقة هي مطلع نشيد سويدي بعنوان "تحيا فلسطين" Leve Palestina، الذي استطاع كسر حاجز لغته الأجنبية غير الشائعة، وانتشر عبر أنحاء العالم بإيقاعه الذي يستدعي دقات طبول الحرب، ويهتف للقضية الفلسطينية.
سرعان ما تحوّلت تلك الأغنية إلى مقطع صوتي شائع عبر منصات التواصل، حيث تم استخدام الأغنية كخلفية مصحوبة بصور ومقاطع فيديو للجرائم الإسرائيلية على قطاع غزّة، علاوة على ترديد الأغنية في ساحات التظاهر الأوروبية على وجه الخصوص ضد إسرائيل.
أثار شيوع تلك الأغنية على مدار الشهرين الأخيرين تساؤلات حول أصحاب تلك الأغنية وقصتها، وكان من اللافت أنها ظهرت لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي لفرقة "الكوفية" السويدية، لتعود وتنتشر بشكل واسع مع العدوان المستمر الذي استهدف غزّة، وراجت في المظاهرات الحيّة، أو التضامن عبر مواقع التواصل، لتتحوّل إلى أيقونة مشتركة خاصة لما تمتاز به من إيقاع ثوري، كما استطاعت جهود ترجمتها إلى لغات مختلفة أن تكسر حاجز لغتها السويدية المجهولة لمعظم الشعوب.
ويعود تأسيس فرقة "الكوفية" إلى الفلسطيني جورج توتاري، مواليد مدينة الناصرة، الذي غادر الأراضي الفلسطينية بعد عام 1967 مهاجرًا إلى السويد وكانت فرقته تتكوّن من 12 فردًا، جميعهم من جنسيات مختلفة، وكانت أغنية leve palestina ضمن ألبوم غنائي يحمل عنوان "أرض وطني" عام 1978، وبسبب تضمّن الأغنية على دعوة بسقوط الصهيونية، تم اتهامها بمعاداة السامية، حتى أنّ البرلمان السويدي عقد جلسة لمناقشة مضمونها بعد أن غناها متظاهرون من شباب الحزب الاشتراكي السويدي في يوم العمال العالمي عام 2019، ودعا رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين في ذلك الوقت لحظر الأغنية.
ويبدو ترديد مقاطع غنائية مشهدًا لافتًا يمكن تدوينه على هامش الحرب الدائرة، وسط تأكيدات على دلالة الدور الذي تلعبه الموسيقى في حشد الشعوب باختلاف ثقافاتها وراء قضية إنسانية عادلة، فكما ترى إيمان عماد أستاذة الإعلام بكلية الآداب جامعة عين شمس في مصر، فإنّ الغناء هو من مستويات التعبير والتواصل التي تختصر الحدود والمسافات بين الشعوب، ويؤكد الانتشار الواسع النطاق لأغنية "Leve Palestina" عبر مواقع هذا التواصل الاجتماعي على قوة الأغنية في توحيد الشعوب المختلفة ثقافيًا ولغويًا".
عماد، تضيف "استطاعت وسائل التواصل اليوم أن تضاعف من وصول الأغنيات وخاصة منصات مثل "تيك توك" التي تصدرت بها الأغنية السويدية كمقطع صوتي خلال الفترة الأخيرة، فإذا كانت هناك تضييقات على التظاهر في العديد من الدول لدعم فلسطين، فإن لا شيء يقف أمام تداول تلك الرسالة الغنائية".
وظهر العلم الفلسطيني أخيرًا على مسارح حفلات موسيقية في أوروبا، كما صوّر فيديو تم تداوله بشكل واسع في "قصر الموسيقى" ببرشلونة في ختام حفل للموسيقار خوان إيزاك، في تضامن صريح من على خشبة المسرح الإسباني العريق وسط تصفيق حماسي حاد من موسيقيي الحفل والجمهور.
وقد انتبه المؤثرون العرب والفنانون حول العالم لأهمية التوجّه برسائل التضامن مع القضية الفلسطينية باللغات الأجنبية باعتبارها قضية حشد عالمية وليس عربية فقط، فطرح فريق فرقة "شارموفرز" المصري أغنية بعنوان "رسالة" التي طرحها على "يوتيوب" مترجمة باللغة العِبرية، يرددون فيها: "مات الكلام.. اللي بيننا دم".
واستطاعت أغنية الفنان اللبناني الأصل ماهر زين "Palestine will be free" (فلسطين ستصير حرة) أن تحقق ملايين المشاهدات على "يوتيوب"، وهي أغنية بالإنجليزية كسائر مشروع المغني والمُنشد المقيم في السويد.
أعادت عملية "طوفان الأقصى" القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وحوّلها العدوان الصهيوني على قطاع غزّة واستهدافه للأطفال والنساء إلى رمز حديث لقضايا التحرّر التي يتبناها المناضلون من شتى بلدان العالم.
(خاص "عروبة 22")