قضايا العرب

ورقة القاهرة لـ"وقف النار" في غزّة.. بين التعقيدات والتحفظات!

بينما لا زالت الورقة المصرية المطروحة، لإبرام "هدنة على مراحل" لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة تراوح مكانها، يبدو أنّ مصير الحكومة الفلسطينية الحالية على المحك، فيما تحاصر التعقيدات الإسرائيلية وتحفظات فصائل المقاومة بنود الورقة التي تم تسريبها قبل أيام، ومن المنتظر أن تطرأ عليها تغييرات خلال الساعات القليلة المقبلة.

ورقة القاهرة لـ

واستعادت القاهرة زخمها الاستخباراتي والسياسي، بزيارات متعاقبة ومتزامنة من الأطراف المعنية بمستقبل الوضع فى غزّة، إذ استقبلت الأجهزة المصرية المعنية خلال الأيام الماضية، وفودًا من الفصائل الفلسطينية، فضلًا عن أخرى إسرائيلية وأمريكية، حضر بعضًا منها القطريون.

ووفقًا لما أفادت به مصادر متطابقة "عروبة 22"، فقد حددت حركتا "حماس" و"الجهاد الاسلامي"،  خلال محادثاتهما مع مسؤولين مصريين في القاهرة، موقفهما الرسمي في نقاط محددة، وتمثلت في "وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال من غزّة، ودخول فوري للمساعدات، ثم البدء في مفاوضات إطلاق سراح الأسرى طبقًا لمبدأ "الكل مقابل الكل"، وتدشين عملية الإعمار والشروع في مباحثات سلام ذات مصداقية، على أن يكون حسم مصير إدارة قطاع غزّة بالتوافق بين القوى الفلسطينية".

ورغم أنّ "حماس"، نفت ما نقلته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، على لسان قائد الحركة في الخارج خالد مشعل حول الاعتراف بالكيان الصهيوني المحتل، فقد لفتت في المقابل، إلى أنّ مشعل أوضح أنّ وثيقة "حماس" السياسية التي صدرت عام 2017، أكدت موقف الحركة بالتوافق الوطني مع الفصائل الفلسطينية إزاء إقامة الدولة المستقلة على حدود 1967، على أن تكون عاصمتها القدس، والتمسك بحق العودة، دون أن تعترف بإسرائيل، أما مسألة الهدنة الطويلة الأجل فهي قابلة للتفاوض.

مع ذلك يظل مستقبل إدارة قطاع غزّة محل جدل، بعدما تحفظت حركتا "الجهاد" و"حماس" على التصوّر المصرى المقترح، الذي يتضمن تخلي الأخيرة عن السيطرة على القطاع، مقابل وقف دائم لإطلاق النار. وكررت قيادات الحركة في تصريحات متتابعة، سواء على مستواها السياسي أو العسكري، رفض الدخول في مفاوضات إلا بعد وقف شامل للعدوان الاسرائيلى المستمر منذ أكثر من 80 يومًا.

وبينما أنهى زياد النخالة، الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" زيارة إلى القاهرة قبل ساعات، استقبلت العاصمة المصرية وفدًا من حركة "فتح" الذي أبلغ المسؤولين المصريين تحفظ الحركة ومنظمة التحرير على أي ترتيبات لإدارة القطاع بعيدًا عن المنظمة باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، يأتي ذلك فيما يعود وفد "حماس" إلى القاهرة مجددًا لبحث تطوير الورقة المصرية وبلورة اقتراح يتم التوافق عليه بين فصائل المقاومة ومنظمة التحرير.

منظمة التحرير تدخل على الخط

وخلال وجوده في القاهرة، شدد النخالة على أنّ أي عملية تبادل للأسرى يجب أن ترتكز على مبدأ "الكل مقابل الكل"، وأوضحت مصادر مصرية لــ"عروبة 22"، أنّ "صفقة الأسرى ليست هي الأزمة التي قد تعصف بالمفاوضات"، مبيّنةً أنّ "الطرف الأمريكي طلب بشكل حاسم تخلي حركة "حماس" عن إدارة القطاع، حتى يتمكن من إقناع الحكومة الإسرائيلية بوقف دائم لإطلاق النار، فلا يمكن وفق تصورهم أن تنتهي الحرب وفق كل شروط "حماس" ما سيعني أنّ إسرائيل خرجت من المعركة مهزومة وهو ما يرفضه بشدة نتنياهو وأركان حكومته".

وفي هذا السياق، يشير المصر ذاته أنّ "إسرائيل رهنت مستقبل غزّة بخروج "حماس" وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية المتحالفة معها من القطاع وعرضت هدنة مؤقتة تدوم 10 أيام وقد تمتد إلى أسبوعين، يتم خلالها إطلاق سراح 40 من المدنيين المحتجزين في القطاع، مقابل 120 من الجانب الفلسطيني، مع تسهيل دخول المساعدات، ثم التفاوض في حلول "اليوم التالي"، منها على سبيل المثال إخراج قيادات "حماس" و"الجهاد" من غزّة، مع تعهد بعدم ملاحقتهم".

وأوفد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج إلى القاهرة للاجتماع مع اللواء عباس كامل رئيس المخابرات المصرية، لاستيضاح صيغة الاقتراح وتعديله، بخاصة البند المتعلق بتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية جديدة.

وفيما بدا أنه استجابة مصرية لاعتراضات "أبو مازن"، أعلنت مصر أنّ "منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وهو ما رحبت به الحكومة الفلسطينية على لسان رئيس الوزراء محمد أشتية، الذي أشاد بالمبادرة المصرية "المعدّلة" لإنهاء الحرب، مؤكدًا أنّ "مصر حريصة على وحدانية التمثيل الفلسطيني".

وفي بيان رسمي أصدر ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، بيانًا مساء الخميس تطرّق فيه إلى الإطار المقترح لتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف المعنية، سعيًا وراء حقن الدماء الفلسطينية، ووقف العدوان على غزّة، وإعادة السلام والاستقرار للمنطقة.

واعتبر رشوان أنّ صياغة هذا الإطار، قد تمّت بعد استماع مصر لوجهات نظر كل الأطراف المعنية، لافتًا إلى تضمنه 3 مراحل متتالية ومرتبطة معًا، تنتهي بوقف إطلاق النار.

وكان لافتًا، تسجيل رشوان أنّ كل ما يتعلق بموضوع الحكومة الفلسطينية، هو موضوع فلسطيني محض، وهو محل نقاش بين كل الأطراف الفلسطينية، مع التأكيد على أنّ مصر لم تتلقّ حتى الآن أي ردود على الإطار المقترح من أي طرف من الأطراف المعنية.

بلينكن في المنطقة

ويبدأ وزير الخارجية أنتوني بلينكن جولة جديدة إلى منطقة الشرق الأوسط، تشمل إسرائيل، والضفة الغربية المحتلة والأردن والسعودية والإمارات وقطر، على الرغم من تأكيد مسؤول أمريكي، أنّ المحطات المتوقعة في الرحلة ليست نهائية، ومن الممكن أن تتغيّر.

وقال مسؤول مصرى لـ"عروبة 22"، إنّ المسؤول الأمريكى سيجري أيضًا محادثات لاحقًا في القاهرة، دون الخوض في المزيد من التفاصيل، لكنه أردف: "بالطبع مستقبل الوضع فى غزّة هو الملف الأبرز" في هذه المحادثات.

وعن الخلافات غير المعلنة بشأن مستقبل الوضع في غزّة، ألمح المصدر الرسمي المصري إلى أنّ موقف القاهرة أقرب في هذه اللحظة إلى  السلطة الفلسطينية، لكن دون إغضاب بقية الفصائل الفلسطينية، موضحًا أنّ "الورقة المصرية تتضمن 3 مراحل منفصلة تكتيكيًا، لكنها مرتبطة بشكل عام، بمعنى أنّ الانتقال من مرحلة لأخرى مرتبط بتنفيذ كامل المطروح في المرحلة السابقة".

بيان بيروت

وتسعى كل من حركتي "حماس" و"الجهاد" إلى إدخال تعديلات على ورقة القاهرة التي عُرضت على كل الأطراف المعنية، بما في ذلك إسرائيل وأمريكا وقطر. إذ "تطالب الحركتان بوقف تام ودائم لإطلاق النار، بدلًا من المراحل الثلاث التي طُرحت في الورقة، ولاحقًا تبدأ مفاوضات شاملة بشأن باقي البنود"، يضيف المسؤول المصري.

وحرص بيان مشترك صدر عن فصائل المقاومة الفلسطينية عقب اجتماعها فى بيروت الأسبوع الماضي، على إعلان رفض كل الحلول والسيناريوهات لما يُسمى "مستقبل قطاع غزّة"، وتقديم حل وطني فلسطيني، يقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار والتحضير لانتخابات.

وتبنى البيان مطالب "حماس" و"الجهاد" بوقف إطلاق النار وكل أعمال العدوان بشكل نهائي، والانسحاب الشامل من قطاع غزّة، كشرط للبحث في صفقة تبادل الأسرى، على قاعدة "الكل مقابل الكل".

بنود الورقة المصرية

وتتضمن المرحلة الأولى من الورقة المصرية، قبل تعديلها، البدء في هدنة إنسانية لمدة 10 أيام تفرج خلالها "حماس" عن جميع المدنيين الإسرائيليين مقابل عدد مناسب يُتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، على أن تُعيد قوات الاحتلال انتشارها بعيدًا عن محيط التجمعات السكنية خلال فترة وقف إطلاق النار، والسماح بحرية حركة المواطنين من الجنوب إلى الشمال، كذلك حركة السيارات والشاحنات، وتلتزم فصائل المقاومة من ناحيتها بوقف كافة أشكال العمليات تجاه إسرائيل.

كما تشترط الورقة وقف جميع أشكال النشاط الجوي الإسرائيلي وتكثيف إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى كافة مناطق القطاع، بينما تشمل المرحلة الثانية، الإفراج عن كافة المجندات المحتجزات لدى "حماس" مقابل عدد يُتفق عليه من الجانبين من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، كذلك تسليم كافة الجثامين المحتجزة لدى الجانبين منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويُفترض أن تشهد المرحلة الثالثة، التفاوض لمدة تمتد لشهر حول إفراج "حماس" عن جميع العسكريين الإسرائيليين لديها مقابل قيام إسرائيل بالإفراج عن عدد يُتفق عليه بين الجانبين من الأسرى الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، شريطة إعادة إنتشار القوات الإسرائيلية خارج حدود القطاع، مع استمرار وقف جميع الأنشطة الجوية والتزام المقاومة بوقف كافة الأنشطة العسكرية ضد إسرائيل.

ويتطلب تنفيذ المقترح، وقف إطلاق النار بين الجانبين لمدة يومين لتحديد أسماء المفرج عنهم ضمن المرحلتين الأولى والثانية، سواء من إسرائيل أو من "حماس"، عبر مفاوضات غير مباشرة تستضيفها القاهرة  بين وفدي الجانبين بمشاركة قطرية - أمريكية.

وفي حال توافق الطرفان على هذا الإطار، يتم تنفيذ الاتفاق لحظة الإعلان عنه، كما أنّ التزام الطرفين بالسقف الزمني للتفاوض في المرحلة الثالثة، سيتزامن مع إعلان وقف كامل لإطلاق النار.

تعقيدات إسرائيلية

غير أنّ جهود الوساطة المصرية والقطرية، تواجه تعقيدات إسرائيلية، بما في ذلك، تدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مرتين على الأقل لمنع ديفيد برنياع، رئيس "الموساد"، من المشاركة في مداولات دعا إليها وزير الأمن إيتمار بن جفير، حول صفقة تبادل الأسرى.

وبالتزامن، تصب عائلات الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزّة، جام غضبها على نتنياهو، الذي يماطل في الاستجابة لمبادرات القاهرة والدوحة، حيث لا تزال المقاومة الفلسطينية تحتفظ بنحو 136 عسكريًا إسرائيليًا في قبضتها، بحيث وعلى الرغم من  الفشل الذريع والملازم للجيش الإسرائيلي في غزّة، أصرّ أمام الكنيست الإسرائيلي مؤخرًا، على أنّ إسرائيل لن تتمكن من تحرير الرهائن "بدون ضغط عسكري".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن