صحافة

"المشهد اليوم"…فلسطين بين "دفن حلم" الدولة وتفعيل الخطط الاستيطانيّةايران باتت أقرب الى التفاوض بشأن برنامجها النووي و"جرائم حرب" ارتكبت في الساحل السوري

من الحشود الاسرائيلية قرب الحدود مع قطاع غزة (رويترز)

تأتي أحلام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حول اقامة "اسرائيل الكبرى" في ظل اقرار رئيس هيئة الاركان إيال زامير خطة لإعادة احتلال قطاع غزة، وبعد اسابيع قليلة من إقرار "الكنيست" لمشروع قانون يقضي بفرض السيطرة على الضفة الغربية. ورغم الادانات والاستنكارات والتظاهرات التي تعم مختلف أنحاء العالم، فإن تل أبيب تمضي قدمًا بمشاريعها التوسعية مستفيدة من الدعم الاميركي اللامحدود، والتواطؤ الاوروبي غير المباشر وصولًا الى العجز العربي الذي وصل مرحلة متقدمة من الوهن والعجز. وازاء هذا الواقع يحارب فلسطينيو غزة والضفة بـ"اللحم الحي" ويدفعون ثمنًا باهظًا في هذا السبيل دون أن تلوح في الافق بوادر امل لوقف الحرب ومخططات الاستيطان التي على ما يبدو باتت حقيقة "مُرّة".

فبعد حديث نتنياهو "المستفز" عن شعوره بأنه في "مهمة تاريخية وروحانية" لتحقيق حلم "اسرائيل الكبرى" وردود الفعل العربية الرافضة لمثل هذه التصريحات، خرج علينا وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش ليعلن بدء العمل في مشروع استيطاني يعزل مدينة القدس ويفصل شمال الضفة عن جنوبها، وذلك في إطار إعادة تفعيل مخطط مُجمّد منذ سنوات نتيجة الرفض الدولي ويُعرف باسم "إي 1" ويتضمن بناء أكثر من 3400 وحدة سكنية في مستوطنة معاليه أدوميم، بما يعني حرفيًا دفن أي أفق لحل الدولتين واطلاق "الرصاصة الاخيرة" على الاعترافات المتزايدة بالدولة الفلسطينية، حيث بات معروفًا ان اكثر من 140 دولة تؤيد ذلك. وكان سموتريتش أكد أن قيام دولة فلسطينية يمثل "تهديدًا وجوديًا"، مشددًا على ضرورة ضمان بقاء القدس "عاصمة أبدية" لدولته واعتبر الضفة الغربية "جزء لا يتجزأ" من اسرائيل.

هذه التصريحات استوجبت ردود فعل عربية ودولية رافضة ومستنكرة لكنها لا تغير حقيقة ما يجري على ارض الواقع، بعدما صعدت قوات الاحتلال والمستوطنين من هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة بشكل مطرد بعد احداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ومن هنا يمكن القول ان التغيير الجذري الذي تجريه تل أبيب في قطاع غزة وتدميره يتزامن مع طرد السكان من الضفة وتنفيذ حملات ممنهجة ضدهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وارزاقهم او اصدار تراخيص هدم بشكل يومي. وتستفيد اسرائيل من عاملين رئيسيين: أولهما، انشغال العالم في الحرب على قطاع غزة وثانيهما الضوء الاخضر الاميركي خاصة ان الرئيس دونالد ترامب شجع على تنفيذ مثل هذه المخططات حينما قال قبل بضعة أشهر ما حرفيته "مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها". يُشار الى أنه بين الضفة المحتلة وقطاع غزة يعيش، وفق أخر الاحصائيات الصادرة، ما يُقارب 5.5 مليون فلسطيني.

كل هذه المستجدات تترافق مع الضغوط المكثفة والجهود الحثيثة التي يقوم بها الوسطاء، لاسيما في مصر وقطر، من اجل العودة الى مفاوضات وقف النار في القطاع فيما يسعى وفد "حماس"، المتواجد في القاهرة حاليًا،  الى اعادة التوصل لاتفاق بضمانات اميركية بعدم عودة اسرائيل للحرب مجددًا. فيما تجنح الاخرى الى التأكيد على امكانية عقد صفقة شاملة "بشروطها" القائمة على نزع سلاح حركة "حماس" ومنع أي دور لها في اليوم التالي وهو ما لا يزال مدار بحث مُعمق، خاصة ان تل أبيب ترسم ملامح مستقبل القطاع دون وجود "حماس" او السلطة الفلسطينية بل تتحدث عن وجود رؤية ما. في سياق متصل، شدّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ضرورة تسليم كافة الفصائل الأسلحة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وقال، خلال استقباله نائب وزير الخارجية الياباني ماتسوموتو هيساشي: "لا نريد دولة مسلحة، مع ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وبدء عملية الإعمار والذهاب لانتخابات عامة خلال عام واحد، وتحقيق التهدئة الشاملة في الضفة الغربية، ووقف الاستيطان ومحاولات الضم، ووقف إرهاب المستوطنين، والإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة، ووقف الاعتداءات على الأماكن الدينية المقدسة الإسلامية والمسيحية".

إلى ذلك، كثّفت القوات الإسرائيلية من هجماتها وتوغلاتها البرية للسيطرة على مدينة غزة بعد اقرار مشروع احتلالها ووضع خطة تفصيلية لذلك. وقد شهدت احياء الزيتون والصبرة قصفًا عنيفًا ونسفًا ممنهجًا للمربعات السكنية التي كانت لا تزال مأهولة بالسكان وذلك على وقع حشد تل أبيب للمزيد من قواتها العسكرية على حدود القطاع. في غضون ذلك، أفادت صحيفة "معاريف" أن الجيش الإسرائيلي يستعد لتنفيذ عمليته العسكرية في مدينة غزة مع نهاية أيلول/سبتمبر القادم. ونقلت عن مصادر عسكرية اشارتها الى أن الجدول الزمني للجيش لا يلبي توقعات القيادة السياسية التي تسعى الى تحرك سريع وقوي باستخدام نيران كثيفة وقوات كبيرة. وخلال 3 أيام فقط دمر الاحتلال أكثر من 300 منزل في حي الزيتون، جنوب شرقي القطاع، مستخدمًا قنابل شديدة الانفجار بينما تضيق الفرص امام الفلسطينيين الساعين الى النجاة من هذه "المحرقة" اليومية المستمرة منذ ما يُقارب العامين. ومع ما يجري، انتشر فيديو وزير الامن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير وهو يهدد الاسير مروان البرغوثي بعد اقتحام زنزانته، قائلًا له إنه "سيمحو كل من يعبث مع شعب إسرائيل…وإنكم لن تنتصروا، ويجب أن تدركوا ذلك". ومن دون معرفة السياق الذي جاء به الحديث لكنه دون أدنى شك يدخل في اطار السياسات الاستفزازية والمزيد من التحريض على الاسرى الفلسطينيين والدعوة لاتخاذ اجراءت اكثر صرامة بحقهم.

ومن طهران، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده تعمل مع الصين وروسيا لتجنب عقوبات أوروبية مُحتملة. بينما نقلت "رويترز" عن ثلاثة مصادر إيرانية مطلعة تأكيدها أن "القيادة السياسية في طهران باتت ترى في التفاوض مع الولايات المتحدة، لإنهاء الخلاف المستمر منذ عقود حول طموحاتها النووية، السبيل الوحيد لتفادي مزيد من التصعيد والخطر على وجود النظام". وقد ساهمت حرب الـ12 يومًا الاخيرة في تعزيز هذا التوجه الذي افصح عنه الرئيس مسعود بزشكيان حين وضع المنتقدين امام خيارين إما العودة الى المفاوضات ومنع الحرب أو إعادة الدخول في القتال وهو ما لا تريده ايران بظل الظروف التي تمر بها على المستوى الداخلي كما الدولي بعد فقدانها العديد من اوراقها التفاوضية. وكان الرئيس بزشكيان قال، في خطاب يوم الاحد الماضي، أن العودة إلى الحوار مع الولايات المتحدة "لا تعني الاستسلام"، موجهاً رسالته إلى المنتقدين "لا تريدون إجراء محادثات؟ إذن ما البديل؟ هل تريدون العودة إلى الحرب؟".

أما سوريًا، فقد خلص تقرير للجنة التحقيق الأممية الخاصة بسوريا، إلى أن هناك أفعال قد ترقى إلى "جرائم حرب"، ارتكبت خلال الأحداث التي وقعت في الساحل السوري واستهدفت العلويين بالمقام الأول. كما حمّل التقرير المسؤولية الى كل من عناصر قوات الحكومة المؤقتة وأفراد عاديين عملوا إلى جانبهم، وكذلك من فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في التورط بهذه الانتهاكات. ووثق استهدافات على أساس الانتماء الديني والعمر والجنس، إلى جانب عمليات إعدام جماعي، وذلك بناء على تحقيقات مكثفة، شملت أكثر من 200 مقابلة مع ضحايا وشهود. ويقع التحدي الامني في صلب اهتمامات الادارة السورية الجديدة التي تواجه المزيد من الاضطرابات الداخلية سواء عبر نقض اتفاق وقف النار في محافظة السويداء او عبر المناوشات التي تجري يوميًا مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

في لبنان، نفذّ سلاح الجو الإسرائيلي، سلسلة من الغارات الجوية على مناطق متعددة في الجنوب، بالتزامن مع تحليق منخفض جدًّا للطيران فوق النبطية وإقليم التفاح. وفي اطار متصل، ألقى جيش الاحتلال مناشير فوق بلدة شبعا، حذّر فيها السكان من عبور ما وصفه بـ"الخط الأحمر" باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، مرفقًا ذلك بصورة توضيحيّة بهدف ردع أية محاولة للاقتراب من السياج الحدودي. وكانت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن ‏القومي في إيران علي لاريجاني استحوذت على الانتباه خلال اليومين الماضيين لاسيما لجهة التصريحات اللبنانية التي عبرت عنها الرئاستين الاولى والثالثة والتي اعتبرت "ذات نبرة عالية" مقارنة بما كانت عليه الاوضاع في السنوات الاخيرة. ويتخوف من دخول لبنان في كباش بين واشنطن وطهران بعد ضغوط الاولى لسحب سلاح "حزب الله" وحصره بيد الدولة ورفض طهران ذلك وهو ما عكسته أحاديث المسؤولين الايرانيين خلال الاسبوع الماضي.

على المقلب الدولي، أقرّ الرئيس ترامب باحتمال فشل القمة المنوي عقدها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، اليوم، لكنه أوضح أنها لن تكون سوى تمهيدٍ لاجتماع ثلاثي يشمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يصر على ان يكون لبلاده دور ملموس في وضع حد للحرب الدائرة هناك. وتتخوف الدول الاوروبية، الحليفة لأوكرانيا، من الاتفاقيات التي يمكن ان تُعقد بما يكون على حساب كييف ويطلق يد موسكو اكثر خاصة بظل امكانية ما يسمونه "تلاعب" بوتين على الحبلين وتمكّنه من إقناع ترامب بوجهة نظره وبمطالبه، أو تمسكه بشروط يمكن ان يرفضها الجانب الاوكراني بما يعرقل التوصل الى اتفاق.

في الصحف العربية الصادرة اليوم تركيز على تصريحات نتنياهو حول "اسرائيل الكبرى" والرفض العربي العارم، وهنا ابرز ما أوردته:

اشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن نتنياهو يصرّ على "جرّ الجميع إلى مساحة جديدة من التطرف الذي لا تُحمد عواقبه. كأن نتنياهو وشركاء له في الحكم استمرأوا العبث بمصير المنطقة والاستخفاف بالقوانين الدولية وأعراف التعامل". وقالت "إن من أوجه خطورة الرؤية الإسرائيلية (الداعية لاقامة "اسرائيل الكبرى") تلبيس الديني بالسياسي، وتمرير خطيئة استباحة سيادة دول عربية تحت شعار المهمة التاريخية أو الروحية أو الوهم الشخصي المتجاهل لحقوق الآخرين، ما ينذر بالغرق في مواجهات عنف وكراهية تلتهم فرص سلام ضيعتها الرؤى العمياء".

صحيفة "عكاظ" السعودية، بدورها، رأت أن "السردية الإسرائيلية تسعى جاهدةً إلى تفكيك مفهوم "الدولة العربية" بوصفه كيانًا سياسيًا يتمتّع بالسيادة والشرعية، مستندةً في ذلك إلى رؤية استشراقية تختزل التاريخ العربي والإسلامي في سلسلة من الصراعات والانقسامات"، مشددة على "أننا أمام صراع أبعد بكثير من صراع الحدود والتهجير؛ فالعالم العربي يواجه صراعًا على الوجود وليس على الجغرافيا فقط. إن الصراع بين إسرائيل والدول العربية ليس مجرد نزاع على الأرض، بل هو صراع بين سرديتين: واحدة تسعى إلى تثبيت شرعية كيان استعماري، وأخرى تحاول الدفاع عن وجودها وهويتها".

وتحت عنوان "الهروب الى الامام"، كتبت صحيفة "الرياض" السعودية "الأحلام الإسرائيلية خاصة تلك التي يحلم بها المتطرفون الذين يشكلون الحكومة الإسرائيلية الحالية لا يمكن السكوت عنها، فهي وإن كانت مجرد تصريحات إلا أنها تفصح عن النوايا الإسرائيلية بكل وضوح، رغم أنها تنطوي على اعتداء ولو لفظيًا على دول قائمة ذات سيادة يجب احترامها"، معتبرة أن الحكومة الاسرائيلية الحالية تقوم بـ "اتخاذ سياسة "الهروب إلى الأمام" كسلوك غير بنّاء يعكس عدم القدرة أو الرغبة في مواجهة المشكلات بشكل مسؤول، ويهدف إلى إيجاد مخرج مؤقت أو وهمي من الأزمة التي تعيشها"، في اشارة الى الحرب المتواصلة في قطاع غزة.

وفي السياق، نبهت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن تصريحات نتنياهو وحديثه عن رؤيته لخريطة "إسرائيل الكبرى" التي يحلم بها ويسعى لتحقيقها، "تمثل مغامرة فى غاية الخطورة، ولعبا بالنار ويعد إثارة لعدم الاستقرار بالمنطقة، وتوجها لرفض تبني خيار السلام، وإصرارًا على التصعيد"، مضيفة "أن أحلام نتنياهو، أو أوهامه، هى استمرار للعبة القديمة التي أدمن ممارستها، وهي الإيهام والإيحاء بأن الأمور قد وصلت إلى حافة الهاوية، وطبعا فإن الهدف الأساسي للرجل هو العبث بعقول الإسرائيليين لإقناعهم بأنه هو وحده القادر على تحقيق ما يسمى بأمن إسرائيل، بينما يعرف الكثير من الإسرائيليين أنفسهم أنه يحاول الهروب من وضعه السياسي المتأزم"، بحسب قولها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن