وجهات نظر

المسيحيون في الشرق الأوسط.. ورعب الافتقار إلى التعددية والتنوّع

في خطاب ألقاه بمناسبة عيد ميلاده السابع والثمانيين، أدان البابا فرنسيس أعمال العنف التي ترتكبها القوات الإسرائيلية، والتي قتلت مدنيين إحتموا بالكنيسة الكاثوليكية في غزّة بإعتبارها "أخبارًا خطيرة ومؤلمة للغاية".

المسيحيون في الشرق الأوسط.. ورعب الافتقار إلى التعددية والتنوّع

المدنيون هم أهداف الأعمال الحربية وإطلاق النار. حدث ذلك في داخل أبرشية العائلة المقدسة، حيث لا يوجد مسلحون، بل عائلات وأطفال ونساء ومرضى ومعوقون وراهبات البطريكية اللاتينية في القدس، التي تشرف على الكنائس الكاثوليكية في أنحاء قبرص والأردن وفلسطين (غزّة) والضفة الغربية، في الإشارة إلى معاناة غالبية العائلات المسيحية منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إنها الحرب تقتل الجميع، المسلمين والمسيحيين، في غزّة وأفراد عائلاتهم، ويعانون الأحزان والآلام الشديدة.

كنيسة روما تدعو إلى الصلاة من أجل السلام، والتخفيف من حصار الجيش الاسرائيلي الذي يدمّر المجتمع القديم، الذي يمثله دير راهبات الأم تيريزا، والصلاة تشمل مناطق الصراع في فلسطين وأوكرانيا، وتأمل الكنيسة الكاثوليكية بفتح سبل السلام وعدم توسعّة الحرب في لبنان، حيث يغادر المسيحيون قراهم في الجنوب خوفًا من اشتعال الوضع بين "حزب الله" وإسرائيل.

كيف يمكن الخروج إلى تسوية سياسية والجروح عميقة لدرجة تمحو المنتصر والمهزوم من الذاكرة؟

الصراعات في الشرق الأوسط ليست استثناءً عن قاعدة الحرب المختلطة، صراعات قومية وعرقية ودينية وسياسية، حوّلت الشرق الأوسط إلى معسكر كبير. ليس رعب القتل وحده هو الذي يجعل الأمور صعبة. إنها الحقيقة عندما يفكر العالم بشرق أوسط جديد يفتقر إلى التعددية والتنوّع.

إذًا، كيف يمكن الخروج إلى تسوية سياسية والجروح عميقة لدرجة تمحو المنتصر والمهزوم من الذاكرة؟ إسرائيل تعيش هذه الساعات المروعة، وهي تحاصر سكان غزّة المدنيين تحت وابل من القنابل والقصف المتواصل (الخوف من قرطاج – هزيمة ومذبحة). كأنه خوفها من النهاية المطلقة. العالم يحتاج إلى السياسة بكل أشكالها وبكل أمكنتها. هذا يعني عدم إسكات وإقصاء الأصوات المسيحية في الشرق الأوسط، حينها يصبح الاعتراف بالتاريخ مؤلمًا، وعلى نحو لا يقاس في اختفاء النسيج الاجتماعي، واختفاء غير المرغوب فيهم. وبخلاف إمكانية إعادة إعمار ما هدمته الحرب اقتصاديًا، تبدو إعادة ترميم نسيج التعددية أمرًا مستحيلًا (مروان المعّشر). فالتاريخ المشترك هو الذاكرة / القديم والحديث / الوثيقة / الصرح، بوجه الحرب والأنظمة السياسية المعادية للحقيقة.

التاريخ مفترض أن يبحث عن الموضوعية، وذاكرة المسيحيين هي مادة التاريخ الأولية في المنطقة، الينبوع الذي ينهل منه المؤرخون والأديان. لكن عمل الأخيرة في الأغلب غير واضح.

حرب غزّة هي عودة إلى الأشكال التقليدية للتاريخ "المفتت". التاريخ هو علم البشر، كل البشر، وحيث يوجد تاريخ للإنسان فحسب، وهو أيضًا ممارسة اجتماعية. مشكلة إسرائيل أنها تنهل من كتاب تاريخي غير علمي يهيمن على المستقبل، بدل أن يقود إلى علم تطور المجتمعات، وهل يوجد تاريخ غير تاريخ الإنسان، الذي تقتله في فلسطين في نظام فصل عنصري؟.

هجرة المسيحيين تعني تدمير مشروع الدولة الوطنية العربية

أميركا تخطئ كثيرًا في مقاربة الأمور هكذا. حيث لا تكون هناك سياسة عالمية، حتمًا ستكون هناك حرب وسيكون هناك عنف غير إنساني وكارثي. فما ترتكبه إسرائيل إبادة جماعية. ليس في الأمر مبالغة. فتسقط مشروعية قرارات الإدارة الاميركية في رهانها على شخصية الحرب واليأس، ولا شيء آخر من الاختلاطات الإنسانية.

المسيحيون في قلب ثورة الحرية والكرامة الإنسانية والمواطنة، وهجرتهم تعني تدمير مشروع الدولة الوطنية العربية. من هنا عدم جواز إستخدام لغة التخوين، أو الإقصاء، أو التشكيك بالآخر، وهم في قلب النضال القائم من أجل المشاركة السياسية وتعزيزها. الكل مدعوون للحرص على التعددية في محيطهم المباشر، وعلى القيم الإنسانية الكونية. هذا يوقظ ضمائر العالم، ويدفع الى الإلتزام بقواعد القانون الدولي في فترات مخيفة جدًا في الشرق الأوسط.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن