قضايا العرب

معركة "عضّ الأصابع" ومصير الوساطة المصرية: ماذا بعد اغتيال العاروري؟

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

ما بين ميدان المواجهات العسكرية، وموائد التفاوض غير المباشر، لا تزال معركة "عض الأصابع" بين فصائل المقاومة الفلسطينية ومجلس الحرب الإسرائيلي، تنتظر إعلان من يصرخ أولًا لتحديد نتيجة تلك المعركة التي استمرت أكثر من 3 شهور، أو قد يضطر اللاعبان إلى التوافق على صيغة لا يُعلَن فيها خاسر.

معركة

رغم القوة العسكرية الهائلة والدعم الأمريكي الغربي غير المسبوق لإسرائيل، لا تزال المقاومة تملك أدوات المناورة والضغط في ظل انتقال جيش الاحتلال لما يسميه "المرحلة الثالثة من العملية العسكرية". وبينما كانت التوقعات تذهب إلى إمكانية التوصل إلى صفقة جديدة بين حكومة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة بوساطة مصرية قطرية، قلبت تل أبيب الطاولة رأسًا على عقب بعملية اغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، في خطوة صاعدت من تعقيد المشهد المعقّد بالأساس.

قبيل ساعات من اغتيال العاروري، طرأ تطور على موقف "حماس" التي قدّمت للوسيط المصري تعديلات على مقترحات القاهرة لاتفاق لوقف الحرب، بعدما أبدت الحركة موقفًا متشددًا برفض التعاطي مع أية مقترحات لا تبدأ بوقف شامل للعدوان. ورغم إبداء إسرائيل تحفظًا على التصوّر الذي قدّمته "حماس" للوسطاء، لكنها رأت فيه مؤشرًا على "استعداد الحركة للدخول في مفاوضات بشأن صفقة جديدة لتبادل الرهائن حتى في ظل تواصل القتال في غزّة" ، بحسب ما نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين.

تعديلات "حماس" على المقترح المصري

قدّم وفد من "حماس" خلال زيارة غير معلنة للقاهرة، قبل يوم واحد من اغتيال العاروري، تعديلات على المقترح المصري، تضمّنت أن يتمّ الوصول إلى اتفاق على ثلاث مراحل يشمل كل منها وقف القتال لأكثر من شهر مقابل إطلاق سراح عدد من المحتجزين، حسب ما كشفت مصادر مطلعة لـ"عروبة 22".

وشمل الاقتراح الجديد أيضًا أن "تبدأ إسرائيل سحب قواتها من غزّة خلال المرحلة الأولى التي ستشمل إطلاق سراح نحو 40 أسيرًا لدى "حماس" مقابل إطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين، على أن تنتهي الحرب بشكل كامل بعد تنفيذ المرحلة الأخيرة من الاتفاق والتي تشمل إطلاق سراح الجنود المحتجزين في القطاع".

أهمية الاقتراح الحمساوي لم تكن تتمثّل في تفاصيله بقدر ما تمثّله دلالات طرحه، في وقت كرّر فيها قيادات الحركة تصريحات مشدّدة بشأن رفض التجاوب مع أية جهود لا يسبقها الوقف الكامل لإطلاق النار، وهو ما اعتبره الوسطاء في القاهرة والدوحة بادرة جيّدة يمكن البناء عليها لفتح باب التفاوض.

وما أن وقعت عملية اغتيال العاروري، حتى أبلغت "حماس" الوسطاء في قطر تجميد المفاوضات، بحسب ما كشفت عنه "القناة 12" الإسرائيلية المقرّبة من مؤسسة الجيش، بينما أعلنت هيئة البث الإسرائيلي أنّ الوسيط المصري قرّر تعليق مشاركته في الوساطة، موضحةً أنّ وفدًا إسرائيليًا قطع زيارة كان يقوم بها إلى القاهرة للاطلاع على جهود الوسطاء بشأن مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، بعد ساعات قليلة من اغتيال العاروري.

توقّف مؤقت ومعادلة قائمة

رغم التعقيدات التي طرأت على المشهد في أعقاب اغتيال العاروري ورفاقه من قيادات الحركة بالضاحية الجنوبية لبيروت، وما تبعها من تلويح أمريكي بعملية دولية ضد الحوثيين في محاولة لوضع حد لعملياتهم في البحر الأحمر، ثم تفجيرات كرمان بإيران والتي راح ضحيتها 103 إيرانيًا، إلا أنّ الوسيط المصري لا يزال متمسّكًا بالمسار التفاوضي.

وقال مصدر مصري رسمي رفيع المستوى لقناة القاهرة الإخبارية إنه "لا يوجد بديل عن مسار المفاوضات لحل الأزمة في قطاع غزّة"، مؤكدًا أنّ الدور المصري لا يمكن الاستغناء عنه. وفي حالة عدم وساطة مصر فقد تزداد حدة الأزمة وتتفاقم يما يتجاوز تقديرات كافة الأطراف.

ثمّة مؤشر آخر على كون تعطّل المفاوضات سيكون مؤقتًا، هو ما جاء بين سطور كلمات الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، بمناسبة إحياء الذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، والتي حلّت بعد يوم واحد فقط من اغتيال العاروري، إذ حملت الكلمة بين طيّاتها رفضًا لتوسيع رقعة الحرب، والحفاظ على المعادلة القائمة منذ بدء "طوفان الأقصى"، عبر تبادل الضربات التي تأتي تحت السقف المسموح به من الجانبين.

ورغم تلويحه بالرد و"العقاب" في إطلالتيه، الأولى مساء الأربعاء، والثانية عصر الجمعة، إلا أنّ حديث نصر الله جاء مخالفًا لتوقعات بعض المراقبين الذين ذهبوا إلى إمكانية تدحرج الأوضاع نحو انخراط أوسع لـ"حزب الله" في الحرب الدائرة وربما انفجار جبهة الشمال في وجه جيش الاحتلال في أعقاب اغتيال العاروري الذي كان في حراسة "حزب الله"، وهو إن دل على شيء فهو فهو يدل على التمسك بالمعادلة القائمة.

وكما كان اغتيال العاروري سببًا مباشرًا في تعقّد المشهد، وتعطّل مسار المفاوضات، إلا أنه أيضًا ربما يُمثّل حلًا واقعيًا في لحظة من اللحظات، إذ إنه قد يُمثّل مشهد الانتصار الذي تبحث عنه حكومة الاحتلال لتسوّقه إلى الجبهة الداخلية، خصوصًا بعدما فشلت في الوصول إلى زعيم "حماس" في قطاع غزّة يحيى السنوار الذي تُحمّله المسؤولية المباشرة عمّا حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أو قائد "كتائب عز الدين القسّام" محمد الضيف، رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر من العمليات العسكرية في القطاع.

عودة قريبة إلى مائدة التفاوض

في مقابل ذلك، يرى قيادي بارز في حركة "حماس"، أنّ المقاومة هي التي دفعت تل أبيب إلى استجداء التوصّل لاتفاق بشأن الأسرى، بينما كانت الحركة تتمسّك بشروطها، مضيفًا لـ"عروبة 22": "حماس بالفعل تعاطت مع أطروحات مطوّرة وقدّمت بشأنها ردًا للوسطاء في مصر وقطر (قبيل اغتيال الشيخ صالح العاروري)، وهذا التعاطي جاء كون تلك الأطروحات راعت المبدأ الأساسي وهو عدم التفاوض تحت النار".

وإذ كشف أنّ المباحثات الأخيرة مع الوسطاء تضمنت اتفاقًا على وقف إطلاق النار منذ اللحظة الأولى، أوضح أنّ الخلاف مع الأطروحات السابقة تمثّل في عدم تضمين "وقف إطلاق النار" كبند أولي، حيث كان مصير هذا البند متروكًا لنجاح المفاوضات من عدمه، أما في الأطروحات التي تعاطت معها الحركة مؤخرًا فكان مبدأ وقف إطلاق النار واضحًا خلالها، "والمفاوضات فقط حول موضعه ضمن مراحل الاتفاق".

وحول الموقف عقب عملية اغتيال العاروري، أكد القيادي في "حماس" أنّ المبادئ العامة لم تتغيّر في شئ، وقال: "ندرك جيدًا أن تصرّف الاحتلال هو تصرّف اليائس الذي فشل في تحقيق الأهداف التي أعلن عنها منذ الأيام الأولى لعدوانه على القطاع، بالقضاء الكامل على "حماس"، وتحرير أسراه بالعمل العسكري، وها هو الآن يستجدي طريق المفاوضات لإطلاق سراح أسراه تحت ضغط الشارع الإسرائيلي، كما أنّ الإدارة الأمريكية نفسها في آخر تقييم لها اعترفت بأن "حماس" لا تزال تملك قوة كبيرة في غزّة"، معتبرًا في ضوء ذلك أنّ "تعطّل مسار المفاوضات الذي يقوده الوسطاء عقب اغتيال العاروري، حدث عارض، وستُستكمل في الوقت الذي تحدّده الحركة، خاصة في ظل الضغوط التي يمارسها الاحتلال والإدارة الأمريكية على الوسطاء لسرعة إتمام اتفاق يقضي بتحرير الأسرى".

مأزق بايدن والضغوط الأمريكية المنتظرة

ثمة رهان من جانب المقاومة في قطاع غزّة، على موقفها الميداني المتماسك حتى الآن، والضغوط الداخلية التي تواجهها حكومة الاحتلال من جهة، وكذلك الضغوط التي يواجهها الرئيس الأمريكي جو بايدن من الأصوات المتصاعدة داخل إدارته للمطالبة بوقف الحرب من جهة أخرى، إذ إنّ بايدن يواجه أزمة حقيقية تتصاعد مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي الذي سيحل نهاية هذا العام.

وكانت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، قد كشفت قبل يومين عن انسحاب عدد من المساعدين الذين تم تعيينهم في حملة إعادة ترشيح بايدن، فيما دعا 17 من العاملين الحاليين في الحملة إلى  الضغط من أجل وقف دائم لإطلاق النار في الصراع المستمر في غزّة.

الموظفون المعترضون كتبوا لبايدن في رسالة نشرتها "بوليتيكو": "باعتبارنا طاقمك، نعتقد أنك ملزم أخلاقيًا وانتخابيًا للدعوة علنًا إلى وقف العنف.. إنّ التواطؤ في مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، من بينهم 8200 طفل، لا يمكن تبريره".

إذًا، الضغوط التي يواجهها بايدن قد تسفر عن تحوّل في مشهد الصراع، وهو ما ستكشف عنه زيارة وزير خارجيته أنتوني بيلنكن إلى المنطقة، وسط توقعات بأن يكون هناك ضغوط على جميع الأطراف للوصول إلى صيغة اتفاق يغلق صفحة المعركة حتى ولو بشكل مؤقت ما يساعد على الشروع في عمليات إغاثة لمئات الآلاف من سكان غزّة الذين هُجّروا من منازلهم ويعانون من مأساة إنسانية مروّعة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن