قصة "سهيل" باختصار أنه تعرّف إلى سيدة عراقية عبر "فيسبوك" وبعد محادثات طويلة عرضت عليه الزواج وبالتالي لمّ الشمل، على أن يدفع لها مبلغًا يُعد ضعف المبلغ الذي يتطلّبه تهريبه إلى أوروبا في قوارب الموت، وهذا ما كان، نزلت السيدة إلى دمشق وتزوجت به في سفارة البلاد التي تحمل جنسيتها في بيروت، واصطحبته معها بعد أن دفع ما اتفقوا عليه.
اكتشف "سهيل" لاحقًا أنه الزوج السابع أو ربما العاشر للسيدة نفسها وبالطريقة نفسها، فالقضية نوع من "البزنس" القديم في أوروبا، ولكنه ازدهر، ولاقى رواجًا بعد الأحداث السورية وموجات الهروب خارج البلاد. ولا يعتبر "سهيل" الأمر نقيصة، حتى وإن كان تحايل على القانون، فهو يرى نجاته بذلك، وأنّ الأمر منفعة متبادلة وسيكنّ للسيدة - التي كان زواجه بها على الورق فقط - كل الاحترام، بل وسيحمل جميلها طول حياته، خصوصًا أنه استطاع أن يحضر شقيقيه الأصغر سنًا، وأصبح اليوم مستقرًا ينتظر قرار حصوله على الجنسية.
"مهنة".. الزواج
العيش في أوروبا، بات حلم كل سوري في ظل ظروف البلاد القاهرة، وظروف دول جوارها، بخاصة لبنان التي لا يجد السوريون فيها طريقًا للهجرة غير الشرعية عبر البحر كحال تركيا مثلًا.
"سمر. ل." (50 عامًا) تقول إنها خلال ثلاثين عامًا تزوّجت عددًا لم تعد تتذكّره من الرجال، وترى باعتزاز أنها كانت السبب بتغيير حياتهم وإنقاذهم من بلادهم. تروي "سمر" لـ"عروبة 22": "تزوجتُ في سن صغير رجلًا من أقربائي لا أعرفُه، كان يعيش في هامبورغ في ألمانيا، تم الزواج بالوكالة وسافرت لألتحق بزوجي وأبدأ حياتي كأي صبية تحلم بالأسرة والاستقرار، كنتُ في غاية السعادة خاصة أنّ زواجي كان إلى أوروبا ومن رجل ميسور، وبالطبع تدركين معنى كلامي في سوريا عام 1988 إذ كان السفر حلم الجميع".
بعد زواجي بسنوات قليلة لم أعد أحتمل الحياة مع هذا الرجل، فانفصلتُ عنه ولي منه 3 أولاد، وألمانيا في ذاك الوقت ليست كحالها اليوم، كان الوضع متعب بالنسبة لي. فأخذتُ أولادي وعدتُ إلى سوريا، وكان طليقي يرسل لي مبلغًا شهريًا يكفيني تكاليف الحياة لكنه سرعان ما اختفى، ولم أعد أعرف له طريق، راسلتُ كلّ اصدقائه الذين أعرفهم، وقالوا لا يعرفون أين ذهب، وهنا صار لزامًا عليّ أن أجد عملًا وأنا لا أحمل أي شهادة، أو أعود إلى ألمانيا مع أطفالي، الأمر الذي رفضه أهلي رفضًا لفكرة أن أعيش مطلّقة في دولة أجنبية، فكان قرارهم بتزويجي من ابن خالي ليسافر معي، وهذا ما كان، تزوجتُ وسجّلنا الزواج بالسفارة الألمانية في دمشق وجاء معي لنعيش معًا هنا، لكنه ما أن حصل على الجنسية الألمانية حتى طلّقني ورحل هو الآخر، وهنا لمعت الفكرة في رأسي، إن كان كل من سيتزوجني من سوريا سيتركني بعد الجنسية فلماذا لا يكون هذا عملي وأستفيد منه بمال يعينني على الحياة على شرط أن يكون الزواج صوريًا، ومتفقًا عليه منذ البداية".
"سمر" تعتبر الزواج من أشخاص خارج الاتحاد الأوروبي "عملًا مثل أيّ عمل آخر". وتعقّب في نهاية حديثها بأنها لم تفعل ما يخلّ بالأدب بل تعتبر نفسها قدّمت خدمة لكثير من الشباب السوريين والفلسطينيين واللبنانيين بأن خلّصتهم من جحيم العيش في بلادهم. وتضيف أنّ عملها ازدهر جدًا بعد الأحداث في سوريا فبدل أن يغرق الشاب في البحر في "رحلات الموت" سيدفع أكثر قليلًا مما يدفعه للمهرّب، وسيصل إلى المطار معزّزًا مكرّمًا، وسيسكن عندها مقابل أجر زهيد، "لن يتشرّد ولن يتبهدل" حتى يحصل على أوراقه، مشيرةً إلى أنّ هذه المهنة أمّنت لها الاستقرار المادي.
لا يقتصر الأمر على الشباب الحالم بالهرب من أحوال البلاد العربية بشكل عام والمأساة السورية بشكل خاص، بل يشمل الفتيات أيضًا اللواتي يحلمن بالوصول إلى أوروبا والبدء بحياة كريمة تحفظ كرامتهم، ولكن بطريقة آمنة، فالسوريات عانين الكثير من مصائب طرق الهجرة غير الشرعية التي كان أقلّها شرًا الموت غرقًا في البحر.
"زواج صوري".. على ثلاث دفعات
فهناك العديد من قصص الاختفاء والخطف، وبالطبع لا يمكن ملاحقة المهرّبين قانونيًا كونهم جميعًا يعملون تحت أسماء وهمية وبأرقام هواتف تُستعمل لمرة واحدة، لتختفي الصبايا بعدها إلى الأبد، وتروي "سوسن" (33 عامًا) لـ"عروبة 22": "لم أتجرّأ على المغامرة بركوب البحر، بعدما خسرت جل أهلي ومنزلي وعشت لفترة طويلة في إحدى دول الجوار في ظروف لا تليق بالبشر، كان الرعب يحاصرني كلما فكرت بطريق التهريب بعد ما كنتُ أسمعُه عن اختفاء النساء في الغابات، أو الصحراء، وأنّ شبكات التهريب كانت تستغل النساء في إيصالهن إلى أماكن أخرى يختفين فيها ويُفقد أثرهنّ، خصوصًا أنني وحيدة وإن غبتُ لن يسأل عني أحد، فعرّفتني صديقتي على سيّدة في دولة أوروبية عبر الانترنت، وبدورها أمّنت لي الزواج الصوري من شاب يحمل الجنسية، وبالفعل أتمّ المعاملات ولمّ الشمل وما أن وصلتُ هنا حتى تقدّمتُ بطلب اللجوء كي أستطيع الطلاق بسرعة". وأردفت: "الشروط واضحة في هذا الزواج كما الطلاق أيضًا، فهو زواج صوري على الورق يقبل به الطرفان ويلتزم الطرف الأول بدفع مبلغ مالي على ثلاث دفعات، الأولى عند إبرام عقد الزواج، والثانية عند الحصول على وثائق الإقامة، والثالثة عند الطلاق، بينما يلتزم الطرف الثاني بتسريع لمّ الشمل ووثائق الإقامة وطلب الانفصال حين تكتمل الصفقة، وبالفعل كانت بالنسبة لي هي قشة الخلاص التي أنقذتني مما كنتُ فيه".
تشدد أوروبي.. وقوانين صارمة
لكن الدول الأوربية أصبحت اليوم أكثر وعيًا بحقيقة هذا النوع من الزيجات، فباتت تدقق وترفض أحيانًا طلبات الزواج وتعرقل إتمامها وتضع شروطًا كثيرة لمنع استغلال المهاجرين للزواج من أجل الحصول على أوراق الإقامة، فمثلًا وضعت بعض الدول الأوروبية قوانين صارمة تفرض على الزوجين قضاء فترة طويلة معًا قبل الحصول على أوراق الإقامة، وتبعث مصالح الهجرة الباحثين الاجتماعيين ليقوموا بزيارة لبيت الزوجية في أي وقت من الأوقات خاصة في الليل للتأكد من أنّ الزوجين يعيشان تحت سقف واحد.
ومؤخرًا رفضت المصلحة الفيدرالية للهجرة في بلجيكا الموافقة على 7771 طلب زواج بدعوى أنها تدخل في إطار ما يُسمّى بالزواج الصوري، وكانت 62% من الملفات المرفوضة تعود إلى مغاربة، لكن القانونيين يقلّلون من أهمية قرارات رفض الزواج ويؤكدون أنّ الدول الأوروبية لا يمكنها أن ترفض عقد القران بين شخصين كلاهما أو أحدهما من المهاجرين بدعوى الشك في وجود مصلحة لتسوية الوضعية من خلال هذا الزواج.
وما يزال الكثير من الشباب يحلم بأن يجد طريقة للخروج الآمن، من بلاده، أو مخيمات النزوح، بخاصة السوريون منهم، فلا ينظرون إلى المسألة على أنها اتجار بالبشر، بل فرصة نجاة، ويختصر "ناجي" (21 سنة ويقيم في إحدى دول جوار سوريا) الموقف بالقول: أبحثُ عن زوجة من أجل العيش في أوروبا، لا يهمّني سنّها ولا جمالها... المهم هو الرحيل من هذا الجحيم".