في الإطار العام، تتفق إيران مع الولايات المتحدة على السعي إلى تفادي توسيع رقعة الحرب في غزّة، لكنها من حيث تحتسب أو لا تحتسب بدأت مفاعيل مناوشات أذرعها العسكرية على مختلف الجبهات العربية في إغراق الإقليم برمال الحرب الإسرائيلية المتحرّكة، من البحر الأحمر حيث استدرج الحوثيون واشنطن إلى الدخول في المواجهة العسكرية المباشرة، وصولًا إلى البحر المتوسط حيث بدأ بنيامين نتنياهو التنفيس عن خيباته العسكرية في غزّة بتوسيع "حزام النار" باتجاه العمقين اللبناني والسوري، أما طهران التي تقف في خلفية المشهد المشتعل على امتداد جبهات المنطقة، فحين قررت المبادرة العسكرية، نأت بنفسها عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل وعمدت بدلًا من ذلك إلى شنّ 3 هجمات صاروخية على سوريا والعراق وباكستان!.
ورغم أنّ الجانب الإسرائيلي لم يتوانَ عن تصعيد عمليات الإغتيال التي تستهدف قيادات الصف الأول في الحرس الثوري الإيراني، لا تزال طهران تمارس سياسة "المعارك بلا حروب" وامتصاص الضربات الإسرائيلية تحت شعار الاحتفاظ بحق "الرد في الزمان والمكان المناسبين"، تفاديًا لخوض المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولعلّ التعبير الأفضل عن هذا الواقع الإيراني، وفق مصدر ديبلوماسي عربي لـ"عروبة 22"، هو ذلك الذي صدر عن لسان وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين، بعد الاعتداءات الإيرانية التي تعرّضت لها بلاده، حين لفت الانتباه عبر شبكات التلفزة الأميركية إلى أنّ الإيرانيين اعتدوا على السيادة العراقية "لأنهم لا يريدون ولا يستطيعون مهاجمة إسرائيل"، مشيرًا في أحاديث صحافية أخرى إلى أنّ "طهران لديها قواعد اشتباك متفق عليها مع تل أبيب تمنعها من مواجهتها بالصواريخ"، وهي لذلك "تصدّر أزماتها الداخلية إلى خارج الحدود". وما ينبغي التوقف عنده في هذا السياق هو "مسارعة العديد من الأوساط الإيرانية إلى نفي أي نية في خوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل عبر التأكيد، إثر الإعتداءات التي حصلت على العراق وسوريا وباكستان، على أنّ هذه الهجمات لا علاقة لها بالتطورات في المنطقة بل هي مرتبطة بالأمن القومي الإيراني".
بناءً على ذلك، يعتبر المصدر الديبلوماسي العربي أنّ "الهدف الإيراني يتمحور حول مجرّد إستعراض القوة، خصوصًا بعد الدخول الأميركي المباشر على خط التصعيد في المنطقة، من خلال العمليات العسكرية التي استهدفت الحوثيين، وهو ما يبرر مبادرة الحرس الثوري في الهجوم الذي حصل على إدلب السورية إلى إستخدام صاروخ "خيبر شيكان" الذي يمكن أن يصل مداه إلى 1450 كيلومترًا، بحيث نُفّذ الهجوم من قاعدة عسكرية في محافظة خوزستان في الجنوب الإيراني". لكنه يشير في الوقت عينه إلى أنّ "طهران في عملياتها الأخيرة، كانت تأخذ، بالإضافة إلى ما تقدّم، أمرين في عين الإعتبار: الأول الحاجة إلى القيام بـ"رد ما" بعد الهجمات التي وقعت في الداخل الإيراني، في ذكرى إغتيال قاسم سليماني، لتفادي الإحراج وتنفيس الضغوط الداخلية، أما الثاني فهو الحرص على تجنّب أن يقود ذلك إلى رد كبير عليها داخل أراضيها، على إعتبار أن أوضاعها الداخلية لا تسمح بمغامرة من هذا النوع".
ومن هذا المنطلق، سارعت إيران بعد استشعارها ردود الفعل الدولية والعراقية الصارمة والرد الصاروخي الباكستاني الحازم على أراضيها، إلى محاولة احتواء الموقف والتهدئة، الأمر الذي يفتح الباب بالتالي أمام رسم الكثير من علامات الإستفهام حول جدوى "المعادلات الردعية" التي يتبناها المحور الإيراني في المنطقة، لا سيما بعدما لم تؤدِ كل الأعمال العسكرية التي قام بها هذا المحور منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى تحقيق هدفه المعلن بلجم العدوان الإسرائيلي على غزّة، بل على العكس من ذلك شجّعت أعماله تل أبيب على التمادي أكثر في عدوانها وتوسيع نطاقه في المنطقة بما يخدم عمليًا أجندة نتتياهو وحكومة الحرب وأركانها من اليمين المتطرّف الإسرائيلي.
(خاص "عروبة 22")