صحافة

لماذا يساند الغرب إسرائيل؟

أمينة شفيق

المشاركة
لماذا يساند الغرب إسرائيل؟

مع كل نزاع أو حرب او حتى خلاف بسيط ينشأ بين أي بلد عربي وبين إسرائيل نجد حكومات الغرب تقف مساندة ومؤيدة لها. أي لإسرائيل. وهي حقيقة تبدو للكثيرين شيئا محيرا يستحق التساؤل. وقد وضحت هذه الحقيقة بشكل لا يحتاج للتساؤل في الحرب الخامسة على قطاع غزة. في هذه الحرب كانت عبارة: حق الدفاع عن النفس. عبارة تتردد على لسان كل مسؤول حكومي غربي يتحدث عن الحرب ويرد على اي متحدث آخر يطالب بوقف إطلاق النار. وقد تناسى كل هؤلاء المسؤولين الغربيين أن حق الدفاع عن النفس هو حق للشعوب الواقعة تحت الاحتلال وليس حق المحتل. فالمحتل عليه واجبات حسب كل الأعراف والمبادئ التي وضعها كل الأعضاء الذين انضموا للأمم المتحدة بعد إعلان تأسيسها عام 1948.

ولكن علينا ان نتذكر أن الحرب إسرائيلية الخامسة على غزة لم تكن الحرب الأولى التي تتكشف فيها أمور المساعدة والمساندة الغربية وتحديدا الأمريكية الإسرائيلية. فلنتذكر ان في حرب 1973 هرعت جولدا مائير إلى الولايات المتحدة لتبلغ الرئيس الأمريكي نيكسون حينذاك وتطلب منه التدخل لإنقاذ بلدها لأن اسرائيل في ذاك الوقت كانت معرضة لحالة اللاوجود. أي ان وجودها كان في خطر. وكان تدخل الولايات المتحدة للجانب الاسرائيلي سافرا حتى إن بعض الفلسطينيين الذين كانوا يتابعون وقائع هذه الحرب اكتشفوا ان اللغة المتبادلة بين طياري الطائرات الإسرائيلية كانت اللغة الانجليزية ولم تكن اللغة العبرية وهو دليل على جنسيتهم.

لذا لا بد ان نعرف ان اي حرب بينا وبين إسرائيل ستكون دائما بيننا وبين الولايات المتحدة الامريكية ومعها بالقطع المملكة المتحدة. حتى لا نقع في الخطأ الذي وقعت فيه روسيا في حربها مع أوكرانيا حين تصورت ان الغرب لن يتدخل بهذه الصورة التي تدخل بها في حين ان حلف الناتو كان في طريقه لضم أوكرانيا إليه لمحاولة استفزاز الاتحاد الروسي وجره لحرب مسلحة تنهي وجوده كقوة عظمى. فالاتحاد الروسي لن يقبل ان يقف حلف الناتو على حدوده المباشرة أي على حدوده المباشرة مع أوكرانيا.. كما لا بد لنا من التذكرة أن مع بداية فترة الرئيس السابق ترامب للولايات المتحدة أعلن انه ينوي إعلان الإخوان المسلمين تنظيما ارهابيا. فما كان من تريزا ماي رئيسة وزراء المملكة المتحدة إلا السفر في اليوم التالي الى واشنطن لتوضيح الأمر له. وهو الأمر الذي يعني ان هذا التنظيم هو صناعة غربية وسيستمر يتمتع بحمايته وصيانته. فالغرب له مصالح مباشرة في الشرق الأوسط لا بد له من حمايتها وكذلك له كيانات محددة ينشئها ويستمر يحميها ولا يتنازل للحظة عن الدفاع عنها بالمال والسلاح وقوة النفوذ السياسي، منها إسرائيل ومنها بعض التنظيمات الإرهابية كتنظيم الإخوان المسلمين.

لذا لا يجب الاستغراب من موقف الولايات المتحدة الأمريكية وموقفها الدائم ضد وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة وتبنيها لمقولة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. وهو موقف لا يتزعزع ولا يضعف لارتباطه بالمصالح الأساسية لامريكا في المنطقة منذ نهايات الحرب العالمية الاولى واكتشاف هذه القوة المالية المختفية فى باطن الأرض العربية وهي البترول. وربما نتذكر تفاصيل العدوان الانجلو امريكي على العراق عام 2003 بحجة امتلاكه لأسلحة دمار شامل وكيف ان الدمار الذي أحدثته الطائرات الأمريكية على كل المؤسسات المهمة الأساسية الحكومية العراقية ما عدا وزارة البترول وما بها من وثائق متعلقة بالثروة الحقيقية العراقية. ثم وبعد ان انهت مهمتها الأساسية وبعد ان مزقت العراق إلى ثلاثة اجزاء سياسية وعادت به الى ما قبل سايكس يبكو، الجزء الشيعي والثاني السني والثالث الجزء الكردي، أي العودة بمشروع الدولة القومية إلى التقسيمة الدينية القديمة. وقد اقدم بول بريمر الحاكم الامريكي للعراق على هذه الخطوة بحجة بناء الديمقراطية في العراق. وجعل العراق قاطرة الديمقراطية في الشرق الأوسط. ولكن لحظة ان وصلت إلى مرماها قررت الانسحاب من العراق. ولكن في حقيقة الأمر لم يكن انسحابا وانما كان إعادة الانتشار في شكل قواعد عسكرية منتشرة على الارض العراقية. وكان توزيع هذه القواعد حسب الاحتياج الامريكي لحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية. ولم يكن الانسحاب أو إعادة الانتشار لمصلحة الشعب العراقي أو حكومته. والآن بدأت الحكومة العراقية تناقش القيادة الأمريكية لإعلان خطوات الانسحاب الحقيقي بعد الهجوم الصاروخي الذي تقوم به قوات الحشد الشعبي على هذه القواعد. فالحشد الشعبى حرك صواريخه على القواعد الأمريكية في العراق لم يكن من أجل العراق وإنما عندما استمرت الولايات المتحدة ترفض التصويت لوقف استمرار القتال في غزة.

وتكررت نفس القصة في الانسحاب من أفغانستان بعد ان فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في القضاء على طالبان. ونتذكر جميعا محاولات الهروب الجماهيري في الطائرات الأمريكية المرابطة في مطار كابول بعد ان تركت امريكا البلاد الافغانية في سلطة طالبان كما غزتها عام 2001 فعادت البلاد كما كانت ما عدا تلك القواعد الأمريكية المنتشرة على أرضها. فقضية الانسحاب من البلدين هي أكذوبة أمريكية كبيرة لا بد ان تعيها الشعوب المحبة للحرية والاستقلال الحقيقي بحيث لا تنخدع من هذا الكلام المعسول.

بالنسبة لنا، فالغرب هو غرب الحكومات في جانب وغرب الشعوب من الجانب الآخر. وهي حقيقة كانت واضحة أمامنا في أحداث غزة. لقد نظمت الشعوب المظاهرات الحاشدة في العواصم الأوروبية. في حين استمرت الحكومات تنحاز للقرارات الإسرائيلية ومصالحها المشتركة لتفرض تواصل واستمرار الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة. ولم تتزحزح بعض الحكومات عن رأيها إلا بعد ان شعرت ان مستقبلها السياسي بات مهددا. وكان أوضح نموذج لهذه الحالة جون بايدن الذي استمر يؤيد الاستمرار في الحرب إلى ان بات تراجع التأييد الشعبي واضحا له في استطلاعات الرأى العام. ومن هنا علينا باستمرار ان نلعب دورا ايجابيا مع الشعوب ونبتعد عن السياسات الحكومية وتحديدا في القضايا الخاصة بحركة التحرر الفلسطينية.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن