قد تكون المفارقة الأساسية في هذا المجال، تكمن في أنّ غالبية الدول التي قررت المشاركة في هذه الإجراءات التي تتضمن وقف تمويل الوكالة، كانت قد انتقدت القرارات الصادرة عن محكمة العدل، ما يُكرّس الانحياز الغربي الفاضح لإسرائيل، فهذه الدول ترفض أو تشكك بالقرارات التي تصدر بموجب أدلة موثقة ضد الاحتلال الإسرائيلي، أما عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين فهي تكتفي بمجرد "إتهامات" لكي تبادر إلى إتخاذ قرارات حاسمة.
وهو ما كان قد أثار حفيظة المدير السابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث، الذي أشار إلى أنه كان يتمنى لو أنّ الحكومة الأميركية "سريعة في تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل، بناءً على قرار محكمة العدل الدولية بوجود إبادة جماعية معقولة (ناهيك عن الأدلة الوفيرة على جرائم الحرب) مثلما فعلت مع تعليق المساعدات للأونروا بسبب تواطؤ مزعوم لـ12 موظفًا في هجوم حماس".
ومن خلال الربط بين إجراءات وقف تمويل الأونروا وقرار محكمة العدل، ترى مصادر فلسطينية مطلعة، عبر "عروبة 22"، أنه يمكن "فهم حقيقة ما يجري، نظرًا إلى أنه يُمثّل صورة طبق الأصل عن النظرة الإسرائيلية السلبية لعمل هذه الوكالة منذ ولادتها". وتلفت إلى أنّ "ما ينبغي العودة إليه هو إستناد المحكمة على تقارير أو تصاريح، كانت قد صدرت عن "الأونروا"، بشأن الأوضاع الإنسانية في غزّة، وبالتالي فإنّ الوكالة من وجهة النظر الإسرائيلية، تُعتبر من الشواهد على مجازر إسرائيل وتجاوزاتها للقوانين والأعراف الدولية في القطاع".
خطة ممنهجة
وإذ تُذكّر بأنّ علاقة تل أبيب مع الوكالة، منذ ما قبل "طوفان الأقصى"، كانت دائمًا متوتّرة "فهي ترى أنها الضامن لحق اللاجئيين بالعودة إلى ديارهم، بينما هي تسعى إلى شطب هذا الحق، تلفت المصادر إلى أنه "سبق لرئيس الوزراء الحالي بنيامن نتنياهو أن دعا صراحةً، في العام 2018، إلى إنهاء وجود "الأونروا" ووضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة"، مشيرةً إلى أنه بعيدًا عن الغوص في تفاصيل النظرة الإسرائيلية "من الممكن التوقف عند معطيين برزا خلال العدوان الحالي على القطاع، ويؤكدان الرغبة المسبقة باستهدافها، الأول ما كانت قد كشفته القناة 12 العبرية، في 29 كانون الأول الماضي، عن أن نتنياهو يعمل على إخراج "الأونروا" من غزّة في أعقاب الحرب الدائرة حاليًا، بحيث تحدثت القناة، نقلًا عن وثيقة وصفتها بـ"شديدة السرية" لدى وزارة الخارجية، عن 3 مراحل: الأولى تتضمن الكشف عن تعاون بين الوكالة و"حماس"، الثانية تشمل تقليص عملياتها في القطاع، أما الثالثة فستكون العمل على نقل مهامها إلى الهيئة التي ستحكم غزّة بعد الحرب".
أما "المعطى الثاني، فيتمثّل بدعوة المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الإسرائيلية نوغا أربيل، في بداية الشهر الحالي إلى تدمير الوكالة فورًا لكسب الحرب، مشيرةً إلى أن من بين 6.7 ملايين فلسطيني تم تسجيل 5.9 ملايين في منظمة أونروا، بمن فيهم الفلسطينيين الفقراء الذين عاشوا في القدس عام 1948، والأونروا لديها نية في إعادة دخول هؤلاء الملايين من اللاجئين إلى إسرائيل مرة أخرى".
وبالتالي، من وجهة نظر المصادر الفلسطينية المطلعة، ما تقدم يؤكد أنّ ما يحصل، في الوقت الراهن، يأتي من ضمن "خطة ممنهجة، ستتكشف المزيد من تفاصيلها في المستقبل، وهي لا تستهدف فقط اللاجئيين في غزّة أو في سائر الأراضي الفلسطينية فقط، بل أيضًا الموجودين في دول الشتات، من ضمن مسار عام يُراد منه تصفية القضية بشكل كامل". وبناءً عليه، ترى أنّ "المسؤولية اليوم تقع، بالدرجة الأولى، على الدول العربية والإسلامية، من أجل تأمين البدائل التمويلية، خصوصًا أنها تملك القدرة على ذلك".
في هذا الإطار، من الضروري التذكير بأن الولايات المتحدة أول المبادرين إلى الإعلان عن وقف التمويل، كانت قد قامت بخطوة مشابهة، في العام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، من ضمن مسار عام كان هدفه تصفية القضية الفلسطينية. الأمر الذي أثار مخاوف اللاجئين في دول الشتات وحكوماتها العاجزة عن تغطية أي نقص في الخدمات التي تقدمها الوكالة، بسبب الأزمات المالية التي تمر بها.
أزمة "خطيرة جدًا"
تُقدّم "الأونروا" المساعدة الإنسانية وتساهم في حماية اللاجئين من خلال تقديم الخدمات الأساسية، في المقام الأول في مجالات التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية ورعاية الصحة العقلية وأعمال الإغاثة والخدمات الاجتماعية والقروض الصغيرة والمساعدة الطارئة، بما في ذلك في حالات النزاع المسلح، إلى الملايين من لاجئي فلسطين المسجلين والموجودين ضمن أقاليم عملياتها الخمسة (الأردن، لبنان، سوريا، الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية، وغزّة).
إنطلاقاً من ذلك، يكون من الطبيعي الحديث عن تداعيات كبيرة على تلك الأقاليم، في الفترة المقبلة، في حال لم يتم تعويض النقص الذي سيسجل على مستوى التمويل. حيث تحذر مصادر فلسطينية في لبنان، عبر "عروبة 22"، من "أزمة خطيرة جدًا، لا سيما أن أوضاع اللاجئين، في جميع الإقاليم التي تشملها مهمة الوكالة، هي في الأصل سيئة".
وتلفت هذه المصادر إلى أنه "حتى ولو لم تكن الإجراءات الحالية تشمل اللاجئين في باقي الأقاليم، فإنها قد تكون مقدّمة لذلك، لأنّ الهدف من هذه المسألة واضح جدًا، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إستهداف الأونروا، التي كانت في الأصل قد قللت، خلال السنوات الماضية، من حجم المساعدات التي تّقدمها، وكانت في الأصل تتجه إلى تخفيض حجم مساعداتها في الأردن وسوريا ولبنان، بهدف تركيز عملها في قطاع غزّة".
(خاص "عروبة 22")