قضايا العرب

الانحياز الهندي لإسرائيل.. "المصلحة أوّلًا"!

بيروت - حنان حمدان

المشاركة

بدا لافتًا وفاقعًا جدًا، موقف الهند الرسمي من أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، حين قامت بإدانة الضحية الفلسطينية والوقوف إلى جانب الجلاد الإسرائيلي، وهذا ما عبّر عنه صراحةً رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حين أعرب عن تضامن بلاده مع إسرائيل واعتبر أنّ الهجمات التي تعرّضت لها هي من "جماعات إرهابية"، قائلًا: "إنّ أفكار وصلوات الشعب الهندي مع الضحايا الأبرياء وعائلاتهم".. وامتنعت بلاده حتى عن التصويت على دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لهدنة إنسانية في غزّة، أواخر أكتوبر/تشرين الاوّل الماضي!. 

الانحياز الهندي لإسرائيل..

هذا الانحياز الهندي إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي كان متوقعًا، بالنظر إلى المسار الذي اتخذته العلاقات بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة، ما يجيب على "علامات الاستفهام" التي رُسمت مؤخرًا حول أسباب التحوّل الملحوظ في مقاربة الهند للقضية الفلسطينية وأبعادها الاستراتيجية.

بدايةً، يُجمع الباحثون والمراقبون على تنامي العلاقات بين الهند وإسرائيل بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وهذا ما يُفسّر سرعة وصرامة موقف الهند الداعم لإسرائيل، على قاعدة "المصلحة أولًا"، من دون النظر إلى أيّ اعتبارات أخرى.

ويبرز التعاون الكبير بين الطرفين، في المجالين العسكري والتكنولوجي، إذ تُعد إسرائيل أكبر مورّد للهند بعد روسيا، مع العلم أنّ نيودلهي هي مِن أهم وأكبر مستوردي السلاح في العالم، ودائمًا ما تسعى إلى مواكبة القدرات العسكرية المتزايدة لجارتَيْها الصين وباكستان.

ووفق التقارير المنشورة، فقد أبرمت الهند اتفاقيات عديدة مع إسرائيل في المجال العسكري، منذ العام 2014، وذلك بهدف تزويدها بأنظمة دفاع صاروخية متطوّرة. وتشير الأرقام إلى أنّ الهند استوردت قرابة 50% من إجمالي صادرات إسرائيل من السلاح في الأعوام الخمسة الأخيرة.

ولم يقتصر التعاون على الشقين العسكري والتكنولوجي، وإنما تعداه إلى مجالات كثيرة، اقتصادية وعلمية، مثل الزراعة والريّ والصناعة والطب والدواء والمواصلات والطاقة البديلة وتكنولوجيا المعلومات، وعقدت لأجل ذلك الكثير من الاتفاقيات والصفقات التجارية بين شركات إسرائيلية وأخرى هندية.

الهند ثاني أكبر تجمّع سكاني في العالم بعد الصين، تٌعدّ القوة الشرائية الرابعة في العالم بعد الصين وأميركا والاتحاد الأوروبي، وتُشكّل أكبر سوق أمام الصادرات الإسرائيلية العسكرية وغير العسكرية. كما أنها تقع في منطقة استراتيجية، وتُجاور دولًا محورية في آسيا كالصين وباكستان وإيران.

جميع ما سبق، يشي، بحسب خبراء في العلاقات الدولية، بأنّ "علاقة الهند بإسرائيل هي علاقة مصلحة متبادلة لا تتأثر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خصوصًا وأن العلاقات العربية الإسرائيلية نفسها أخذت منحى مختلفًا في الفترة الأخيرة، في ظل موجة التطبيع، ما يجعل الهند وغيرها من الدول غير العربية في حِلّ أخلاقي من الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية".

أما المستجد الراهن، فهو مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي ترعاه الولايات المتحدة في مواجهة "طريق الحرير" الصيني، وينطلق من الهند مرورًا بالإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن وإسرائيل وصولًا إلى أوروبا. ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية وربطها بالموانئ البحرية، من أجل زيادة التبادل التجاري وخفض تكلفتها، نقل الكهرباء والهيدروجين النظيف، الاتصال الرقمي وتخفيف التأثيرات البيئية.

وهذا "الممر الهندي" لعلّه شكّل "المنعطف الحاسم"، وفق الخبراء، في التحوّل الجذري بموقف نيودلهي الذي أضحى يغلب عليه طابع الانحياز التام لإسرائيل تحت إدارة حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي الحاكم، بعدما كانت الهند تاريخيًا قد تضامنت مع القضية الفلسطينية، خلال العقود السابقة. ففي عام 1947، وقفت الهند في الأمم المتحدة إلى جانب الدول العربية والإسلامية وصوّتت ضد خطة تقسيم فلسطين على أُسُس دينية، واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

ورغم اعترافها بإسرائيل في عام 1950، إلّا أنّ علاقتها الدبلوماسية معها لم تبدأ سوى في العام 1992، حين تبادلت الدولتان السفراء، لتكتسب هذه العلاقة زخمها فيما بعد، خصوصًا عندما زار ناريندرا مودي تل أبيب عام 2017، في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووصفت آنذاك بـ"التاريخية"، ليبادره بالفعل نفسه، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويزور نيودلهي في العام التالي، بهدف تعزيز العلاقات المشتركة.

اليوم، وإن كانت الهند قد سبق أن عارضت بشدة اعتراف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وصوّتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعو واشنطن إلى سحب هذا الاعتراف، يبقى أنّ "سياسة المصالح" عادت فأخلّت بميزان نهج التوازن الذي كانت تنتهجه السلطات الهندية تجاه القضية الفلسطينية لصالح الانحياز الأعمى إلى كفة دعم إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وإخراج عملية "7 أكتوبر" من سياقها التاريخي... فمتى يُدرك العرب أنّ "المصلحة" تعلو ولا يُعلى عليها في سلُّم العلاقات الدولية، وأنّ "المصلحة" هي نفسها التي تُحتّم عليهم إعادة تنظيم صفوفهم ورصّها وتوحيدها في سبيل تحصيل الحقوق العربية والتصدي لمخططات السطو على ثروات المنطقة واستباحتها أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا.. من المحيط إلى الخليج؟!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن