تدفّق على الكويت عدد كبير من الفلسطينيين بعد النكبة، ولكن بشكل أكبر بعد حرب 67، "بلا مِنّة"، اعتبرت ذلك "واجبًا" فكانت ملاذًا مختلفًا، لم يكن هناك "مخيّمات فلسطينية" في الكويت بل أحياء بكاملها وبخدماتها، جزء منهم أصبح مواطنًا وآخرون عملوا بكرامة وتوظّفوا في الدولة، بعضهم في مناصب رفيعة، والبعض الآخر عمل بالتجارة، وفتحت المدارس أبوابها للأبناء والتعليم المسائي لمن يرغب، وأصبح عدد منهم في مراكز مهمّة، منهم سفراء وقريبون لمتّخذي القرار، كل ذلك كان طبيعيًا بالنسبة للمواطن الكويتي، الذي كان ينتصر للقضية الفلسطينية.
في هذه الفترة ولدت حركة "فتح" على أرض الكويت، بل حتى بذور "حماس"، كما قال خالد مشعل في أحد لقاءاته الأخيرة، حيث تربى ودرس في الكويت. كما فرضت الكويت نسبةً من مرتّبات العاملين الفلسطينيين في الحكومة لدعم "منظّمة التحرير"، بجانب التبرعات الحكومية والأهلية السخية.
عام 1970 خرج ياسر عرفات من الأردن في ثياب أحد مرافقي الشيخ سعد العبد الله
في الفترة نفسها كانت التجمّعات السياسية والمهنية الفلسطينية تعمل بحرّية مطلقة، بل أصبح لها "دالة" على الدولة وترحيب شعبي كبير.
قام الشيخ سعد العبد الله (رئيس وزراء الكويت) عام 1970 بإخراج ياسر عرفات من الأردن، في ثياب أحد مرافقي الشيخ سعد، بعد أن احتدم القتال بين "فتح" والسلطة الأردنية.
كل من الدبلوماسية الكويتية والصحافة الكويتية، كان الشغل الشاغل لها "القضية".
يتحدث الأستاذ عبد الله بشارة في كتابة (عامان في مجلس الأمن) كيف بذل جهدًا لجمع (ما لا يجمع في ذلك الوقت من المحرمات السياسية) زهدي الطرزي ممثل "المنظّمة" في الأمم المتحدة، ومندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن اندرو ينج في منزله في الأول من سبتمبر/أيلول 1979، وقد عرفت الصحافة الأميركية بالخبر، وفقد السيد اندرو ينج وظيفته المرموقة.
بسبب تشرذم العمل الفلسطيني فصائل وجماعات، فقد عانت الكويت كثيرًا من ذلك. كأمثلة:
- قتل علي ناصر محمد ممثل "منظّمة التحرير" على أرض الكويت بأيدي فلسطينية في 1 يونيو 1981.
- أيضًا قُتل اثنان من ألمع الدبلوماسيين الكويتيين، مصطفى مرزوق في 4-6-1982 في نيودلهي، ونجيب السيد الرفاعي 16-9- 1982 في إسبانيا (ونجا السفير محمد السداح).
- تقيّدت حركة كثير من سفراء الكويت في الخارج.
- تفجيرات المقاهي في عام 1985، وبعض السفارات العاملة في الكويت..
وكلّها كانت أعمالًا إرهابية ابتزازية.
مع حرب العراق/إيران (1980) انشق الصف العربي، وبدا أنّ تقريب وجهات النظر مهمة مستحيلة بين الأطراف العربية، فالتفّت القيادة الكويتية إلى عمقها الاستراتيجي، وهو الخليج، وبادرت بطرح فكرة (وحدة الدول الخليجي) كملاذ آمن للأمن في المنطقة، وعرضت الفكرة على صدام حسين في مؤتمر قمّة عمان 1980 (للعلم)، واقترح (كما عرفتُ من الشيخ المرحوم صباح الأحمد) أن تكون التسمية (التعاون)، والأوراق الأولى التي قدّمتها الكويت كان بها (هيئة فض المنازعات) إلا أنها لم تتبلور!
"صدمة أغسطس".. شعب محتل يقف ضد شعب محتل آخر قدّم له كل المساعدة السياسية والمالية والدبلوماسية
ربما أنهت صدمة أغسطس/آب 1990 مرحلة "العروبة السياسية" المثالية، وفعّلت التضامن الخليجي، كما توقعت الكويت، لكنها في الوقت نفسه أبقت على "مناصرة الحق الفلسطيني".
في الغزو المشؤوم كان موقف القيادة الفلسطينية، أو معظمها، وجمع وازن من المثقفين والجماهير الفلسطينية، موقفًا سلبيًا، ليس محايدًا، ولكنه مناصر للاحتلال (كان ذلك مفارقة صارخة) شعب محتل يقف ضد مصالح شعب محتل آخر قدّم له كل المساعدة، السياسية والمالية والدبلوماسية!
كل تلك المواقف، والتي رفعت شعارًا معيبًا (تحرير فلسطين يمر بدسمان) الذي يعرفه جيلنا، قوبلت ليس بالتخلي عن دعم الحق، بل الاستمرار في دعم الباطل.
مع ذلك استمرت الكويت في مناصرة القضية كونها قضية حق:
- نظّمت عام 2018 قمة دولية لإعمار غزّة.
- على سبيل المثال أصدرنا في عالم المعرفة، يناير 2018، كتابًا بعنوان (دولة الإرهاب) كيف قامت دولة إسرائيل الحديثة، كتبه مؤرخ بريطاني هو تومس سوير، وقد نفدت نسخُه الخمسين ألفًا!
لقد أضاعت قيادات فلسطينية البوصلة من خلال التحالف مع "الحليف الخطأ" ولا زال بعضها يفعل!
لقد ابتليت الحركة التحررية الفلسطينية بالتشرذم والمزايدة، وقد جمع العرب في عواصمهم المختلفة، القاهرة والرياض ومكة والجزائر، القوى الفلسطينية في سبيل الوفاق (تُوقّع المواثيق وتُخالف بعد أيام)!
وحتى الأمس القريب من المعيب أن نسمع تصريحًا للسيد محمود عباس يناشد فيه السلطة المصرية باحتضان الفصائل الفلسطينية للتوفيق بينها!.
لقراءة: الجزء الأول
(خاص "عروبة 22")