سوف نفترض أن الحكومة المصرية نجحت في تدبير كمية الدولارات المطلوبة لحل أزمة نقص العملات الأجنبية، وضخها في البنوك والأسواق وثبتت سعر الدولار عند مستوى محدد ومعين، في هذه الحالة فإن السؤال الجوهري الذى يفترض أن تكون له إجابة واضحة وشافية ومضمونة قدر الإمكان هو: هل التدفق الدولاري سوف يستمر بحيث يكفي الاحتياجات الأساسية حتى لا تتكرر الأزمة بعد شهور قليلة؟.
السؤال شرعي وضروري ومهم وينبغي أن نتحسب له، وتكون هناك رؤية كاملة لضمان تحققه حتى لا تعود الأزمة مرة أخرى.
مبعث طرح هذا السؤال أنه وإذا نجحت الحكومة ــ ونتمنى لها النجاح طبعا ــ في جمع المبالغ الدولارية اللازمة لحل الأزمة الراهنة وإعادة الأمور إلى طبيعتها بعيدا عن الجنون الذي أصاب سعر الدولار في الأسابيع الأخيرة صعودا وسعر الجنيه المصري هبوطا، فإنه من المهم أن يكون هناك تصور واضح لاستدامة التدفق الدولاري بصورة منتظمة، حتى لا نحل المشكلة اليوم ونعود إليها بصورة أسوأ غدا أو بعد غد.
لن أتحدث مرة أخرى عن مسببات الأزمة الراهنة فقد تحدثت عنها مرارا، لكن من دون وضوح الصورة بشأن «اليوم التالي» لحل مشكلة توفير الدولار، فسوف نواجه مشاكل أكثر صعوبة.
المؤسسات المالية الدولية سواء كانت صندوق النقد الدولي أو صناديق الاستثمار أو البنوك الكبرى أو حتى الدول الصديقة والشقيقة، ستقول في اليوم التالى: «نحن أدينا واجبنا ودفعنا ما هو مطلوب منا، والباقي عليكم أنتم أيها المصريون لكي تواصلوا المسيرة».
بالطبع فإن تدبير المبلغ الأساسي لحل المشكلة الراهنة أمر شديد الأهمية، لكنه ليس كل الأمر، لأننا إذا حللنا مشكلة اليوم، ولم نحل مشكلة الغد فإن الأزمة سوف تستمر للأسف.
تخيلوا أننا دبرنا الكميات اللازمة من الدولارات وقمنا بسداد كل ما هو مستحق علينا من أقساط وفوائد ديون وسلع أساسية ومستلزمات إنتاج مستوردة وأدوية وخلافه لمدة عام مقدما، فماذا عن الشهور الست التي بعدها أو العام التالي؟!.
المطلوب أن نحل المشكلة ليس فقط لفترة محددة، ولكن بصورة مستمرة ومستدامة. بمعنى أن نضمن أن الموارد الدولارية سوف تستمر في التدفق، وتكون كافية لما نحتاجه من متطلبات خصوصا الاحتياجات الأساسية، وألا تكون هذه الموارد مهددة وليست في أيدينا، من قبيل الأموال الساخنة التي كانت أحد الأسباب الجوهرية في الأزمة الخانقة التي نعيشها الآن، وألا تكون معتمدة على مورد واحد فقط مثل السياحة، أو قناة السويس، أو تحويلات المصريين العاملين في الخارج.
نحتاج سياسة اقتصادية تضمن تدفق العملات وموارد دولارية بصورة دائمة، وألا «نقدس سعر الدولار الثابت».
ولكي يتحقق التدفق المستدام للدولارات نحتاج بالطبع إلى دعم التصدير وتقليل الاستيراد. ولتحقيق ذلك نحتاج إلى دعم الصناعة والزراعة وكل ما له صلة بزيادة الإنتاج المحلي خصوصا في السلع الأساسية، وأن نشجع وندعم القطاع الخاص ليوفر أكبر قدر من فرص العمل.
نحتاج أساسا أن تستعيد الحكومة أولا ثقة الناس حتى تتمكن من حل الأزمة، بحيث يضع الناس مدخراتهم بالعملة الصعبة في البنوك المصرية وليس تحت البلاطة، وأن يحول المصريون العاملون في الخارج أموالهم إلى البنوك الوطنية وليس عبر القنوات الخلفية الموازية فيتحول الدولار إلى سلعة ومخزن بدلا من كونه مجرد عملة للتبادل التجاري.
أعرف أن كل ما سبق كلام عام نكرره دائما صباحا ومساء، لكن دور الحكومة والبرلمان والقوى السياسية المختلفة أن تحوله إلى واقع مطبق على الأرض.
وفي هذا الصدد أقترح مثلا أن يكون لدينا مجلس أعلى للشؤون الاقتصادية برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصيا، بحيث تكون له صلاحيات حقيقية في وضع سياسات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وهو موضوع يحتاج إلى نقاش مفصل لاحقا.
("الشروق") المصرية