ترجمات

عـصــر النـرجســيّـة - (UNA ÉPOCA, UN NARCISISMO)

تعريب: منعم دائخة – ليبيا

المشاركة

هذا النص هو ترجمة لمقالة الكاتب الإسباني إيناكي دومنيغيث، أستاذ الفلسفة والأنثربولوجيا الثقافيّة وأحد المتخصصين في دراسات ما بعد الاستعمار، نُشرت باللغة الإسبانية تحت عنوان  "UNA ÉPOCA, UN NARCISISMO" في موقع "الإتيق" في نسخته الإسبانية [ethic.es].

عـصــر النـرجســيّـة - (UNA ÉPOCA, UN NARCISISMO)

مع أنّ البيانات تغلق الجدل حول ما إذا كان هذا هو أفضل عصر، فمما لا شك فيه أنّ الناس أكثر نرجسيّة مما كانوا عليه في العقود الماضية. النرجسيّة ليست شيئَا جديدًا، لكن عصر "السيلفي" أو الشبكات الاجتماعيّة أدى لتفاقمها.

لمواجهة النزعة العرقية أو المركزية يجدر ألا نعتمد على الانتقادات الذاتية، بل الإفادة من البيانات الموضوعية

يرى البشر أنّ القيم والعادات الحالية هي الأفضل على الإطلاق. لا يجب أن يُفاجئنا هذا الأمر؛ لأنّ القيم والعادات التي نتمسك بها لسبب ما هي كذلك، لكن لا ينبغي أن نعتبر هذا الافتقار إلى المنظور التاريخي شكلًا من أشكال النرجسيّة. من ناحية أخرى، لا تنظر كل حقبة إلى نفسها على أنها الأفضل. ثمة أزمنة يدرك فيها البشر تمامًا أنهم يمرّون بلحظات حرجة. نعرف أيضًا كيف محقت الحرب العالمية الأولى التفاؤل والإيمان بالتقدّم الذي سبق اندلاعها. في الواقع، كان للحربين العالميتين تأثير كبير على الصورة التي كانت تصوغها البشرية عن نفسها وعلى الأزمنة التي عاشت فيها.

لتفنيد أو مواجهة النزعة العرقية أو المركزية في كل مكان، يجدر ألا نعتمد على الانتقادات الذاتية، بل ينبغي الإفادة من البيانات الموضوعية قدر الإمكان. هل يوجد جوع أقل في عالم اليوم؟ هل ثمة المزيد من اللقاحات للأمراض؟ هل ثمة رفاهية أكبر؟

تبعًا للإحصائيات، وبغضّ النظر عن مقدار عبئها على الكثيرين، يبدو أننا نعيش في عالم أفضل من ذي قبل. صحيح أنّ الوضع أسوأ في جوانب أخرى، مثلًا، من حيث القوة الشرائية لبعض الأشياء الضرورية والوصول إلى السلع الأساسية كالإسكان، هذا على الأقلّ في الغرب، على عهد قريب. ومع هذا، فثمة بيانات كثيرة تشير إلى تحسّن في جودة حياة الإنسان.

تحوّلت المجاعات من ظاهرة عالمية إلى استثناء يؤثّر على قسم صغير في العالم

يثبت يوهان نوربيرغ في كتابه "التقدم أسبابًا لاستشراف المستقبل" على سبيل المثال، أنّ القراءة والكتابة في العالم تحسّنت من 20 % إلى 85% مع أواخر القرن العشرين، كما زاد متوسط العمر المتوقع من 31 عامًا في عام 1900 إلى 81 عامًا مع مطلع القرن الحادي والعشرين.

يرى البعض أنّ الناس صاروا أذكى، وفقًا لما يوصف بأنه "تأثير فلين". ازداد الوصول إلى الرعاية الصحية ثلاث مرات في السنوات الثلاثين الأخيرة. واقتصرت المجاعات من كونها ظاهرة عالمية إلى استثناء يؤثّر على قسم صغير في العالم فحسب. أخيرًا، فالعنف العالمي أخذ في الانخفاض، سواء أكان على مستوى القتل أو ضحايا الحرب.

الواضح أيضًا إذا تفحّصنا مسألة النرجسية، هو أننا نعيش في واحدة من أكثر الأزمان النرجسية في الذاكرة، وهو مرتبط بالتقنيات الجديدة والمجتمع الاستهلاكي، مما يُشجّع على تبجيل الذات مع نية لتشجيع الاستهلاك الجامح "أداة لتملّق الأنا". هذا الاتجاه السائد صوب النرجسية موجود في كتاب كريستوفر لاش "ثقافة النرجسية"، والصادر في عام 1979، والذي صدرت ترجمته باللغة الإسبانية مؤخرًا عن كابتين سوينغ. كان هذا المفكّر مدركًا تمامًا للأساليب التي تسلكها الثقافة الغربية. والحقيقة أنّ الزمن أثبت أنه على حق، مما ولّد تفاقمًا جذريًا لما افترضه في ذاك الزمن.

ليست النرجسية بشيء جديد، لكن تكثّفت بشكل جذري في العقود الخمسة الماضية

ومع هذا، فإنّ النرجسيّة ليست ظاهرة جديدة. نشأت أسطورة نرجس ذاتها في العصور الكلاسيكية باعتبارها أخلاقية ضد الميول الجنسيّة التي كانت أكثر من محسوسة؛ كعبادة الجمال اليوناني والجسد وغير ذلك. في القرن السابع عشر في الشيطان الأعرج، ثمة حديث عن كيفية صنع الشباب الوقواق لأنفسهم في "شارع ضيّق مليء بالمرايا، من جهة ومن جهة أخرى".

ليست النرجسية بشيء جديد، لا شك في ذلك، ولكن يبدو أنها تكثّفت بشكل جذري في العقود الأربعة أو الخمسة الماضية، مما أدّى إلى عملية تسارع واضحة في السنوات العشر الماضية، مع ظهور ظواهر مصحوبة بأعراض وكاشفة كطفرة ظاهرة "السيلفي"، وظهور شبكات التواصل الاجتماعي، والهوس بالهويّة والمرجعية الذاتيّة، والتضخيم الإعلامي للذات عبر التفاعل الرقمي.

إنّ النرجسيّة ما هي إلا سمةٌ من سمات الحُمق والتي تحُول بين الناس وبين رضاهم الحقيقي "بما أننا، حيوانات اجتماعيّة تحتاج إلى الآخرين لتعيش بصحة جيّدة"، لهذا السبب باستطاعتنا أن نجزم بأنّ عصرنا تهيمن عليه أشكال واسعة من الطفولية المنتشرة على نطاق واسع، ترتبط دومًا بثقافة المستهلك التي تدعونا إلى "إخماد" شهيتنا الفورية، وإزاحة حاجياتنا طويلة الأجل جانبًا، وهي التي ستفيدنا في العيش على نحوٍ أفضل. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن