تقدير موقف

الدول العربية.. ومستلزمات "الذكاء الإصطناعي"

انطلقت أعمال القمة العالمية للحكومات 2024، التي تُعقد تحت شعار استشراف حكومات المستقبل في دبي بمشاركة أكثر من 25 رئيس دولة وحكومة، وتبحث النسخة الجديدة من القمة الفرص والتحديات المستقبلية، كما تناقش سبل الوصول إلى رؤى مشتركة للارتقاء بالعمل الحكومي وتوثيق التعاون بين حكومات العالم، وتبادل الخبرات والتركيز على قصص ونماذج ملهمة في العمل الحكومي.

الدول العربية.. ومستلزمات

إنّ إقتصاديات الذكاء الإصطناعي، ستغيّر من مجرى الإقتصاد الرقمي في المستقبل بشكل كبير، وهو ما يتطلّب جهودًا ليس فقط من المؤسسات والشركات والمصانع، ولكن من الدولة أيضًا، حيث يمثّل الذكاء الإصطناعي، أهم أدوات النجاح في مستقبل الإقتصاد في الدول العربية، من الإقتصاد التقليدي إلى الإقتصاد الرقمي، أي بمعنى الإنتقال من الإقتصاد التقليدي إلى الإقتصاد الرقمي من خلال الذكاء الإصطناعي، والاقتصاد الرقمي هو النشاط الناتج عن الاتصالات اليومية عبر الإنترنت، ويعني تزايد الارتباط والترابط بين الأشخاص والمؤسسات والآلات، وتكنولوجيا الهاتف المحمول وإنترنت الأشياء، ويُمثّل تصوّرًا ل‍قطاع الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة ب‍التقنية الرقمية، ويقوم في مجمل عملياته على المعلومات، ويستند في أغلب خطواته على استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات التي ألغت كل الحدود والحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات.

إنشاء مراكز خاصة بالذكاء الاصطناعي يعزّز الاقتصاد الرقمي في الدول العربية

ومن الجدير بالإشارة، أنّ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعمل على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيّتها، في الدول العربية عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي كانت تتطلّب القوة البشرية سابقًا، كما يمكن للذكاء الاصطناعي فهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن للفرد العادي تحقيقه، وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كبيرة على الأعمال، وفي ما يتعلّق بالعوامل الدافعة لاعتماد الذكاء الاصطناعي، وهناك عوامل تحثّ على تطوير الذكاء الاصطناعي عبر الصناعات، وهي توفّر إمكانية الحوسبة عالية الأداء بسهولة وبأسعار معقولة، مع وجود كميات كبيرة من البيانات المتاحة للتعلّم، إضافة إلى أنها توفر تقنية الذكاء الاصطناعي التطبيقي وتعطيه ميزة تنافسية.

وجاء إنشاء مراكز خاصة بالذكاء الاصطناعي ليعزّز الاقتصاد الرقمي في الدول العربية، على خلفية ارتفاع الطلب على الذكاء الاصطناعي الذي يلعب دورًا متزايد الأهمية في دفع الاقتصاد في المستقبل، وفي محاولة لتسريع نمو التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، إذ جاءت الحاجة إلى إنشاء مركز دولي لأبحاث وأخلاقيات هذا القطاع، من شأنه أن يُعزّز دور الدولة إقليميًا وعالميًا.

إنّ البرامج والتوجهات في الدول العربية، تحدّد التحوّل الرقمي كهدف رئيسي لتنشيط القطاعات الاقتصادية، ودعم الصناعات وكيانات القطاع الخاص، والدعوة إلى تطوير نماذج الأعمال بين القطاعين العام والخاص، والحد في نهاية المطاف من الاعتماد على عائدات النفط من خلال تنويع الاقتصاد، إذ إنّ إنشاء المركز الجديد يُعزّز دور السعودية القيادي الإيجابي الفاعل في الصناعة التي تكتسح العالم ويعزّز الاقتصاد الرقمي، إلى جانب تحسين الجهود البحثية وتحقيق الاستخدام المسؤول.

يُذكر أنّ التقنية، بقدر ما توفّر من فرص، فهي تجلب العديد من التحديات الجديدة التي لم تكن معروفة سابقًا، وبالتالي أدركت الدول العربية تلك المخاطر بإنشاء مراكز الذكاء الإصطناعي، ليساهموا في معالجة هذه المعضلة ذات الوجهين، إذ إنّ التوجّه العالمي في الدول العربية، جاء بناءً على طبيعة التقنية ويُعنى بالبحوث والأخلاقيات، وسيكون تركيزها على دعم الأبحاث وتبني نتائجها عالميًا، كما أنّ إنشاء مراكز دولية لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، يأتي في إطار الجهود المتواصلة للبقاء في طليعة الابتكار والتقدّم.

إنّ الذكاء الاصطناعي، سلاحٌ ذو حدّين، حيث أنّ عدد الفيديوهات المفبركة في 2023 تضاعف عن العام السابق، وانتشر أكثر من نصف مليون محتوى مفبرك في الفضاء الرقمي، لذلك التضليل الإعلامي، سيكون أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية، إذ إنّ بوصلة الاقتصاد العالمية تتجه شرقًا، ويأتي 50% من النمو العالمي من الصين والهند، بحيث تفوّقت الصين على أمريكا في عدد براءات الاختراع في مجال الذكاء الاصطناعي والاستثمار في الطاقة النظيفة، والهند صاحبة أكبر عدد خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العالم، إذ تضاعفت قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم 1000 مرّة خلال عام واحد فقط، ويتوقع أن يتولى 70% من المهام في مختلف القطاعات.

يحتاج العالم العربي إلى التغلّب على التحديات وتحقيق الريادة في مجال الابتكار على مستوى العالم

وتتطلع الدول العربية، لطرح نهج جديد في مواجهة قضايا المستقبل، حيث لديها بالفعل خطط تنموية واسعة النطاق وطموحة، إذ تسعى إلى بناء مستقبل يعتمد على التكنولوجيات، ويحوّل الاقتصادات الإقليمية إلى اقتصادات معرفية مزدهرة، وفي الوقت نفسه، تواجه الدول العربية بعض التحديات الصعبة والمعقّدة، على رأسها ندرة المياه، والاعتماد على استيراد الغذاء، وانتشار بعض الأمراض المزمنة، في الوقت الذي يحتاج فيه العالم العربي إلى التغلّب على هذه التحديات وتحقيق الريادة في مجال الابتكار على مستوى العالم، وهو ما يتطلّب من القادة العرب، منهجًا جديدًا للتفكير وتحويل هذه الأفكار إلى واقع عملي.

في الختام، لا بد من الإشارة إلى أنّ موقع "تورتواز ميديا"، أصدر مؤشرًا عالميًا للذكاء الاصطناعي، يُصنّف 62 دولة، حسب قدراتها في هذا المجال الذي حقق قفزة هائلة إلى الأمام عام 2023، ويهدف المؤشر إلى رصد التطورات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في 62 دولة، اختارت الاستثمار فيه، معتبرًا أنّ هذا التقدّم سيؤثر على الأعمال والحكومة والمجتمع، و"تورتواز" هي شركة عالمية تضم مجلسًا استشاريًا عالميًا وخبراء في الذكاء الاصطناعي من أنحاء العالم.

واعتمد التصنيف على معايير قسّمت إلى 7 ركائز فرعية هي: المواهب، والبنية التحتية، والبيئة التشغيلية، والبحث، والتطوير، والاستراتيجية الحكومية والتجارة، ولم تشمل قائمة مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي سوى 62 دولة، وغاب عنها أكثر من 130 دولة، ما يعني أنّ دخول هذه القائمة القصيرة في حد ذاته هو أمر جيد.

ووفقًا للموقع، جاء ترتيب الدول العشرين الأولى في مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي كما يلي: أمريكا، الصين، سنغافورة، إنجلترا، كندا، كوريا الجنوبية، إسرائيل، ألمانيا، سويسرا، فنلندا، هولندا، اليابان، فرنسا، الهند، أستراليا، الدانمرك، السويد، لكسمبورج، أيرلندا، النمسا.

وجاء ترتيب الدول العربية في مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي كما يلي: الإمارات (28)، السعودية (31) ، قطر (42)، مصر (52)، تونس (56)، المغرب (57)، البحرين (58).

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن