وجهات نظر

إسرائيل تضع "قانونًا دوليًا" بديلًا

يُشكّل تجاهل الاحتلال الإسرائيلي للتحذيرات الدولية بخصوص تخطيطها لاجتياح رفح منعطفًا خطيرًا في مسار المنظومة القانونية والحقوقية الدّولية، لأنّ خياراتها السيّاسيّة والعسكرية باتت تُدشّن لانقلاب معلن ضد هذه المنظومة في اتّجاه فرض واقع الأمر بالقوّة وتأسيس منظور مختلف للقانون والحقوق الدوليين.

إسرائيل تضع

يُعتبر هذا القانون (الحلم) الذّي يستند إلى إيديولوجية اليمين اليهودي المتطرّف مشروعًا استراتيجيًا لمناحين بيغن. أرسى خرائطه على أسس مضبوطة، منذ إعلانه الواضح عام 1948 غداة تشكّل "الليكود" باندماج الحزب الليبرالي وحزب "حيروت". وبمناسبة هذا الاندماج أكّد على أنّ منظومة القوانين الدولية الموضوعة بعد الحرب العالمية الثانية لا تتناسب مع الأهداف المرجعية لليهودية وتعرقل أحلام إسرائيل في التوسّع واحتلال البلاد العربية.

مبدأ العنف المسلّح هو القاعدة القانونية التي تنوي إسرائيل توطيدها في مقابل ما يُطلق عليه "القوانين الدولية"

هكذا أصَر في المناسبة نفسها على أنّ ترسيخ الكيان الصهيوني لا يتحقّق إلا بالتعالي عن القوانين الدولية الموضوعة، وهي قوانين لا تخدم المشروع الإسرائيلي ولا تمكّنه من حرية استعمال القوّة كأداة وحيدة لتوطيد الدولة اليهودية المأمولة. وعملًا على إنفاذ هذه الخرائط، تمّ تجريب أسلوب تهجير الفلسطينيين بالعنف كتكتيك ممتدّ في الزمان بهدف الإستنزاف المتدرّج لروح ارتباط الفلسطينيين بأرضهم والدّفع بهم إلى البحث عن الخلاص الذاتي عن طريق الهجرة. وفقًا لذلك لم يكن منطق القوّة لدى إسرائيل عسكريًا فقط، بل كان شاملًا ممتدًا وبأبعاد مختلفة تتفاعل فيه المرجعية اليهودية والصّهيونية بالعقد التاريخية ومصالح التحالفات الدولية وتفاقم أشكال الكراهية التي اكتست طابعًا ثقافيًا مفضوحًا.

وعليه، فالتقتيل الهمجي لمدنيي غزّة والتّخطيط للاجتياح العسكري لرفح، يدخل ضمن هذه الرّؤية بتفكير وتخطيط من جناح نتنياهو، تحقيقًا لجزء من الهدف الشامل فيما تبقّى من هذه العشريّة. لذلك يبقى مبدأ العنف المسلّح هو القاعدة القانونية التي تنوي إسرائيل توطيدها في مقابل ما يطلق عليه "القوانين الدولية". وهو المبدأ الذي توظّفه بجلاء تام في كل مفاوضات التسوية السياسية للصراع، حتّى إنّها لم تعد تفصل أبدًا السّلم عن العنف في سياق ما بات يُعرف لدى إسرائيل بالسّلم المسلّح، الذّي لا يفرّط في المصالح العليا والضوابط المرجعية لإسرائيل.

ما أصبح يُحرّك رغبة اجتياح رفح هو تلك المعادلة السياسية الجديدة المتقابلة الأطراف بين السّلم وبين العنف، بجعل الطّرف الأوّل رهين الطّرف الثّاني، ما دام السّعي إلى تحقيق هدف القضاء على "حماس" وتعقّب زعمائها وأطرها أولوية سياسية ووجودية بالنسبة لإسرائيل. وهي معادلة تقوم، حسب الجناح الإسرائيلي المتطرّف، على فكرة القطع مع التدبير التقليدي للصّراع باللّجوء المطلق إلى القوّة والانتهاء من استنزاف الاحتكاكات اليومية التي أنهكت الاقتصاد الإسرائيلي وأضرّت بالآلة العسكرية الإسرائيلية، حسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة "واشنطن بوست" (2023).

لم يبقَ أمام جناح نتنياهو إلا جعل العنف خريطة طريق لبلوغ الأهداف الإستراتيجية

لذلك، أصبحت فكرة " تقليص الصّراع" التي اقترحها المؤرّخ الإسرائيلي ميخا غودمان القائمة على أساس منح الفلسطينيين هامشًا من الحرّية مع التحسين الشّكلي لحياتهم، لاغية منذ "طوفان الأقصى" بالرّغم من حماسة صنّاع القرار الإسرائيلي إلى جعل الاقتراح لبنة من لبنات تكتيكاتهم السياسية. لأنه لم يبقَ أيّ خيار أمام إسرائيل، حسب جناح نتنياهو، إلا التمسّك بالقوة وجعل العنف خريطة طريق لبلوغ الأهداف الإستراتيجية.

لذلك، يبقى إمكان اجتياح رفح بعد تدمير كلّ مظاهر الحياة في شمال ووسط القطاع ورادًا بقوّة بالرّغم من التّحذيرات الدّولية، لأنّ القوانين التي تُنظّم العلاقات الدولية من المنظور الإسرائيلي مُثبِّطة ولم تعد تُلزمها عمليًا. وهذا ما جعلها، استقواءً بأمريكا، تسخر من إنذارات الدول، كما حدث مع وزير الحرب وهو يعلّق على موقف مصر في حالة اجتياح رفح.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن