صحافة

عن بعض النتائج الاقتصادية للحرب في غزة.. من فلسطين ومصر إلى الصين

عمرو حمزاوي

المشاركة
عن بعض النتائج الاقتصادية للحرب في غزة.. من فلسطين ومصر إلى الصين

تنزل الحرب في غزة كارثة إنسانية بالشعب الفلسطيني الذي سقط منه عشرات الآلاف من الضحايا بين قتيل وجريح، ودمرت منشآته العامة والخاصة إلى حد مروع، وهجر قسريا داخل القطاع، ويواجه اليوم مجددا خطر التهجير القسري والمجاعة والغياب الكامل لسبل الرعاية الصحية والحياة الآمنة. بجانب هذه الكارثة التي تسأل عنها الحرب والتي تتجاوز في دمويتها ودمارها كوارث الماضي البعيد والقريب التي حاقت بالفلسطينيين والفلسطينيات، وبجانب تداعياتها السياسية الكثيرة على منطقة الشرق الأوسط التي تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل العسكري في بعض جوانبها بغية منع التمدد الإقليمي للحرب واحتواء تهديدات وكلاء إيران، بجانب هذين الأمرين ثمة تأثيرات اقتصادية بالغة الخطورة لما يحدث منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.

فيما خص إمدادات الطاقة، وبعض بلدان الشرق الأوسط يصدر النفط والغاز الطبيعي وبعضها الآخر يراوح بين الاكتفاء الذاتي وغياب التصدير وبين الاستيراد، فإن الأسعار ارتفعت بشدة ما أن اشتعلت الحرب وأفادت من ثم موازنات البلدان المصدرة للطاقة (دول مجلس التعاون الخليجي) بينما وضعت المزيد من القيود التضخمية والمالية على موازنات البلدان الأخرى التي لم تتعاف بعد من النتائج السلبية لجائحة كورونا والحرب الروسية ــ الأوكرانية (بقية الدول).

وعلى الرغم من أن أسعار الطاقة اليوم قد عادت إلى مستوياتها السابقة على الحرب في غزة على وقع عدم تأثر إنتاج النفط والغاز الطبيعي في الخليج وعلى خلفية تدفق الإنتاج الأمريكي من النفط والعاملان ساهما في استعادة استقرار الأسعار، إلا أن احتمالية ارتفاعها مرة أخرى لم تتراجع بالكامل إن بسبب خطر التمدد الإقليمي فيما وراء لبنان وسوريا والعراق والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر باتجاه بحر العرب والخليج العربي، أو بسبب خطر طول أمد الحرب التي دخلت بالفعل شهرها الرابع.

أما الاقتصاد الفلسطيني وإذا كان يواجه شبح الانهيار الشامل في غزة والضفة الغربية، فإن إسرائيل تعاني اقتصاديا بشدة ولولا المساعدات الأمريكية والأوروبية لكانت أوضاعها أسوأ بكثير. فالاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والسياحة، هبطت بين أكتوبر ٢٠٢٣ وفبراير ٢٠٢٤ إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالسنوات الماضية. ولا يتوقع، وفقا لاستطلاع رأي عالمي أجري مؤخرا بين أصحاب شركات التكنولوجيا الناشئة في أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا، سوى ٥ بالمائة من أصحاب الشركات الإسرائيلية أن يتوسعوا في أعمالهم بين اليوم ونهاية ٢٠٢٥ علما بأن المتوسط العالمي لتوقعات التوسع الإيجابية هو ٤٠ بالمائة.

كذلك تراجعت الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الصناعات العسكرية والأمنية، فانسحبت الشركة اليابانية «ايتوشو» من التعاون مع الشركة الإسرائيلية «البيت سيستمز» وقطعت الشركة السويسرية «كينه + ناجل» تعاملاتها مع ذات الشركة الإسرائيلية وهي تتخصص في إنتاج قنابل وذخائر الطائرات. وعلى الرغم من أن معدلات التضخم في إسرائيل لم تتجاوز ٣ بالمائة والصادرات والواردات الزراعية والصناعية وغيرها لم تواجه أزمات نقل أو نقص حادة منذ نشبت الحرب، إلا أن قيمة العملة الإسرائيلية «الشيكل» تدنت، والحركة في الموانئ التجارية الرئيسية هبطت إلى الحد الذي أغلق معه بالكامل ميناء عسقلان وتوقف معه ٩٠ بالمائة من العمل في ميناء إيلات. فقط ميناء أشدود هو الذي ظل على حاله، وفي ذلك دليل واضح على غياب الاستقرار التجاري.

كما أن السياحة الخارجية (الأمريكية الشمالية والأوروبية) فقدت بين ٧٠ و٩٠ بالمائة من تدفقاتها، ويعاني أصحاب العمل في كل القطاعات التكنولوجية والصناعية والزراعية والخدمية من أزمة نقص العمالة بفعل إغلاق الحدود مع قطاع غزة ومنع دخول العمالة الغزية إلى إسرائيل والقيود الكثيرة المفروضة على العمالة القادمة من الضفة الغربية.

في الجوار المباشر لفلسطين وإسرائيل، فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو الاقتصادي الخاصة بمصر والأردن ولبنان بفعل تداعيات الحرب في غزة.

في مصر، وبينما لم تتأثر تدفقات السياحة الخارجية إلى البلاد لتسجل أعلى معدلاتها منذ ٢٠١٠ بقدوم ما يقرب من ١٥ مليون سائح وسائحة في ٢٠٢٣، إلا أن التمدد الإقليمي للحرب باتجاه جنوب البحر الأحمر رتب تراجع الإيرادات المصرية من قناة السويس بنسبة تدور حول ٤٠ بالمائة.

أما في الأردن ولبنان، فقد انهارت التدفقات السياحية ومعها غاب مؤقتا مصدر أساسي للعملة الصعبة في البلدين (على سبيل المثال، تراجعت نسبة الإشغال الفندقي في الأردن بنسبة تتراوح بين ٥٠ و٧٥ بالمائة بين أكتوبر ٢٠٢٣ وفبراير  ٢٠٢٤).

وفي الجوار الإقليمي الواسع لفلسطين وإسرائيل، أدت هجمات الحوثيين على السفن التجارية وناقلات النفط والغاز الطبيعي والبضائع العملاقة التي تعبر مضيق باب المندب باتجاه قناة السويس إلى تداعيات خطيرة.

في الأحوال الاعتيادية، تمر عبر البحر الأحمر نسبة من التجارة العالمية تصل إلى ١٢ بالمائة، وتسير به ناقلات النفط والغاز الطبيعي من الخليج إلى أوروبا وناقلات الصادرات الصينية واليابانية والهندية والآسيوية إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية الشمالية. وعلى خط سير السفن والناقلات، تزدهر الأعمال في العديد من الموانئ على امتداد شاطئي البحر شرقا وغربا وهي في عددها الأكبر موانئ عربية في اليمن والسعودية والأردن وفي الصومال والسودان ومصر.

اليوم، وبفعل هجمات الحوثيين والتصعيد العسكري بينهم وبين التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، هوت الحركة الملاحية في البحر الأحمر إلى ما دون ٦٠ بالمائة من معدلاتها قبل نشوب الحرب.

ليس هذا فقط، بل ارتفعت كلفة المرور في البحر الأحمر على الدول والشركات بعد أن اتجهت كبريات تحالفات التأمين البحري إلى مضاعفة مقابل خدماتها أضعافا مضاعفة (٧ أضعاف على ناقلات النفط والغاز والصادرات الصناعية) وبعد أن أعلنت كبريات شركات الشحن البحري كـ(ميرسك، وهاباج لويد، وإم إس سي الغربية، وكوسكو الصينية) الإيقاف المؤقت لأنشطتها الملاحية عبر البحر الأحمر واستخدام طريق رأس الرجاء الصالح الأطول بكثير. وأسفر كل ذلك، وفقا لبيانات منظمات اقتصادية وتجارية دولية، عن ارتفاع أسعار بعض الصادرات الصناعية الصينية واليابانية والهندية والآسيوية المتجهة إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية الشمالية بنسب تتراوح حول ٢ بالمائة، وعن تأخر وصول منتجات أخرى إلى ذات الأسواق كالسيارات الكهربائية الصينية التي يبلغ حجم مبيعاتها في أوروبا والولايات المتحدة وكندا مليارات الدولارات (تسهم صناعة السيارات بما يقرب من ١٠٠ مليار دولار في الاقتصاد الصيني).

لم تتطور بعد ارتفاعات أسعار الصادرات الآسيوية وتأخر وصولها إلى كبريات الأسواق الغربية إلى ما يشبه الأزمة الكبرى لخطوط الإمداد الصناعي التي شهدها العالم في سنة جائحة كورونا الأولى، غير أن الخطر يظل قائما ويظل ضاغطا على دول كالصين واليابان والهند التي تتأثر تجارتها بما يحدث في البحر الأحمر. ولعل ذلك هو أحد دوافع الانتقادات الحادة التي وجهتها وزارة الخارجية الصينية للولايات المتحدة الأمريكية بعد استخدامها لحق النقض (الفيتو) في مجلس أمن الأمم المتحدة لإسقاط المشروع الجزائري لوقف فوري لإطلاق النار في غزة حيث وصفت بكين واشنطن بالمسؤولة عن القتل والدماء والدمار في القطاع. فالصين، التي تدرك جيدا أن هجمات الحوثيين ستتوقف وتداعياتها الاقتصادية والتجارية السلبية ستتراجع ما أن تتوقف آلة القتل الإسرائيلية في فلسطين، تريد أن تصل إلى هذه النتيجة سريعا بعد أن طالتها تأثيرات الحرب.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن